تمكنت قطر خلال السنوات القليلة الماضية من إحراز تقدم ملموس في الصناعات العسكرية المحلية، وعقد شراكات مع شركات تصنيع عسكري إقليمية وعالمية.
وتهدف قطر من وراء ذلك إلى المساهمة في دخول هذا القطاع شديد الأهمية، في ظل رؤية 2030 الاستراتيجية، والتي تركز جهدها على تقليل اعتماد الدوحة على عوائد النفط، ودعم العديد من القطاعات المحلية مثل الاستثمارات والصناعة والسياحة والتعليم والرياضة وغيرها.
وتعتبر الصناعات العسكرية من أهم المجالات التي تتسابق دول العالم لدخول معتركها، لما تحمل من أهمية استراتيجية داخلية وخارجية.
التوجه للصناعة المحلية
وفي خضم سعي الحكومة القطرية لتطوير الصناعة العسكرية على أراضيها، أعلنت شركة “برزان” القابضة المملوكة لوزارة الدفاع القطرية، عام 2018، إنشاء منطقة عسكرية جديدة تحمل اسم “منطقة برزان العسكرية الصناعية”.
وتضم المنطقة مجموعة من المصانع الخاصة بالإنتاج والتجميع لمختلف المعدات العسكرية، بإجمالي مساحة تبلغ 26 كيلومتراً مربعاً.
وعملت على إنشاء مبنى البحوث والتطوير الواقع في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، وتم اختيار هذا الموقع لقربه من الطلاب في الجامعات المختلفة، علاوة على توافر الأدوات واللوازم الخاصة بالبحوث.
وبينت الشركة أنها تركز عبر جميع المشاريع والبرامج التابعة لها على تدريب الكوادر القطرية على مختلف أنواع الصناعات العسكرية، للاعتماد عليها وتمكينها من العمل فعلياً في المصانع النوعية التابعة لبرزان القابضة لتوافق رؤية قطر 2030.
وترنو الشركة القطرية إلى إجراء مجموعة كبيرة من البحوث من قبل مجموعة من الكفاءات القطرية للخروج بمنتجات أو تقنيات جديدة في مجال الدفاع والأمن، تسعى من خلالها لتسجيل براءات اختراع بأسماء كوادر قطرية متخصصة في مختلف المجالات.
وخلال السنوات الماضية عقدت “برزان” العديد من الاتفاقيات والشراكات الدولية تتجاوز الـ 20، تشمل التصنيع والتطوير في القطاع العسكري.
وقبل الشروع في بناء المنطقة العسكرية أسست قطر، عام 2017، شركة “BQ” للحلول، وهي شركة متخصصة في نقل التكنولوجيا وبناء صناعة الدفاع القطرية بالشراكة مع شركة “QinteiQ” التي كانت تمثل وكالة الأبحاث الحكومية الدفاعية البريطانية سابقاً قبل خصخصتها عام 2006.
وتمتلك شركة “برزان” الأغلبية في هذه الشراكة التي تهدف إلى دعم مشتريات القوات المسلحة القطرية، حيث إن شركة (QinteiQ) متخصصة في اختبار الآليات العسكرية وتجربتها لمعرفة مقدراتها الحقيقية.
واستطاعت شركة “ستارك موتورز” القطرية تصنيع مدرعة محلية بمواصفات عالمية عام 2018، حيث تعتبر من العيار الثقيل وتزن 13 طناً، بالإضافة إلى 5 أطنان زيادة لتحميل الذخائر والأفراد، بحسب صحيفة “الشرق” المحلية.
وتمتلك المصفحة قدرة عالية على العبور في المناطق الجبلية والوعرة، مع مراعاة تحمل هيكلها لضغط كبير كي يتوافق مع الاحتياجات المستقبلية، حيث تم تصنيع المدرعة بالكامل بقطر في زمن قياسي وبمدة محدودة بالتعاون مع مهندسين روس تزيد خبرتهم على 17 سنة في نفس المجال.
وفي عام 2016 شاركت لجنة التصنيع الحربي التابعة للقوات المسلحة القطرية، في معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري، بعدد من الصناعات العسكرية المحلية أو التي طورت محلياً، وشملت عربات نقل جنود مصفحة، وعربات خفيفة متعددة الأغراض، بالإضافة إلى مدرعات جهزت خصوصاً للجيش القطري.
شراكات إقليمية ودولية
وفي إطار سعي قطر للتوسع في مجال الصناعة القطرية، دأبت على البحث عن شراكات إقليمية ودولية، تنهض بالصناعة العسكرية لمختلف أنواع الأسلحة.
وجاءت الشركات التركية برأس القائمة، خاصة في ظل العلاقات الاستراتيجية التي تجمع الدوحة وأنقرة، بالإضافة لوجود قاعدة عسكرية تركية في الأراضي القطرية واتفاقيات دفاع مشترك وتدريبات ومناورات ثنائية.
فقد وقعت شركة “برزان” اتفاقية شراكة مع شركة “أسيلسان” التركية المتخصصة في الصناعات الإلكترونية العسكرية في مارس 2018، بهدف نقل الخبرات التكنولوجية، وإنتاج أنظمة تحكم عن بعد بالأسلحة المثبتة، لصالح القوات المسلحة القطرية.
وتطور العمل بين الجانبين في أكتوبر 2018، لتأسيس شركة تحمل اسم “برق” بالاشتراك مع كل من شركتي “برزان” و”SSTEK” التركية لتقنيات الصناعات الدفاعية.
وتعمل “برق” حالياً على إنتاج أنظمة قيادة وتحكم، وكاميرات الرؤية الحرارية والليلية، وأنظمة تشفير، وأنظمة أسلحة تحكم عن بعد.
وتبلغ حصة “برزان” فيها نحو 51%، وأسيلسان 48%، و 1% حصة “SSTEK”، ورأس مالها يبلغ مليون ريال قطري (نحو 275 ألف دولار).
وفي يناير 2021، أعلنت شركة “أسيلسان” افتتاح فرع لها في العاصمة القطرية الدوحة، مبينة أنها خطوة لدعم أنشطتها المتزايدة هناك.
وتعد “أسيلسان” من الشركات التركية الرائدة في تصميم وإنتاج وتركيب أدوات وأنظمة الاتصالات بين القوات البرية والجوية والبحرية، وفقاً للمعايير العسكرية.
ويرى رئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية، الدكتور ماجد الأنصاري، أن مشروع تطوير القوات المسلحة القطرية الذي بدأ منذ سنوات، هو أحد أهم الركائز في تطوير الصناعات العسكرية، “خاصة أنه بالنسبة لقطر كان واضحاً أن خيار رفع وتيرة التصنيع العسكري داخل قطر ليس وارداً بسبب الظروف الاقتصادية، (اقتصاد صغير، وليس بالضرورة اقتصاداً صناعياً، وإنما تصنيع مواد خام في قطر”.
وأوضح، في حديث سابق مع “الخليج أونلاين”، أن قطر ترى أن التعاون مع الشركاء الاستراتيجيين الدوليين “هو الخيار الذي اتخذته مؤسستها العسكرية لتطوير الصناعات، ويأتي على رأسها العلاقات الصناعية مع تركيا”.
وفي إطار سعي وزارة الدفاع القطرية تطوير صناعتها العسكرية، استعانت بأصحاب الخبرات العالمية في مجال الصناعات الدفاعية، فوظفت الرئيس السابق لشركة (Arquus) الفرنسية لتصنيع العربات المصفحة ستيفانو تشميليوسكي، مستشاراً لديها.
ودخلت الشركة أيضاً في شراكة مع الولايات المتحدة لمساعدتها في تطوير طائرة مراقبة محلية الصنع، فأسست فرعاً تابعاً لها في الولايات المتحدة باسم (برزان للطيران) لمتابعة تنفيذ ذلك المشروع.
وأبدت الشركة اهتماماً كبيراً بالدفاعات الأرضية، فعقدت شراكات مع شركة “نيكستر” الفرنسية وشركة “باتريا” الفنلندية، ونظيرتها النرويجية “كونغسبرغ” لتطوير مركبة مدرعة محلية.
كذلك أسست بزران مشروعاً مشتركاً مع شركة “راينميتال” الألمانية سُمي (راينميتال برزان للصناعات لمتقدمة) لإنتاج الذخائر والمتفجرات في قطر.
الخليج أونلاين
قم بكتابة اول تعليق