عماد حسن
مفاوضات ماراثونية امتدت على مدار 10 سنوات تحطمت كل الآمال التي انعقدت عليها أمام “الإصرار الإثيوبي على رفض توقيع أي اتفاق ملزم” يتعلق بسد النهضة.
إثيوبيا التي ترى في السد الهائل وسيلة للتنمية الاقتصادية وإخراج البلاد من الفقر، كانت طوال عقود طويلة “تنظر إلى مصر والسودان بأنهما يستوليان على حقها من مياه النيل، مما تسبب في حالة الفقر التي عانت منها طويلا”، كما ترى ان الوقت قد حان “لتتصرف في ما تعتقده من ممتلكاتها (نهر النيل الأزرق) بالكيفية التي تحقق بها رفاهية شعبها”.
بلاش نوصل لمرحلة ان نقطة مية تمس لان الخيارات كلهامفتوحة😎#السيسى #سد_النهضة pic.twitter.com/wpwHfzcsNH
— تحيا مصر (@shimaa3060) April 7, 2021
من ناحية أخرى، ترى مصر في “السيطرة الإثيوبية المطلقة دون اتفاقيات أو قيود تهديدا وجوديا للشعب المصري”، فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية المصرية (الضئيلة أصلاً) وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل كمصدر للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة.
بدورها، تخشى السودان من تأثر سد “الروصيرص”، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي.
تصعيد في اللهجة
بدأت حدة اللهجة في التصاعد، إذ قال وزير الري والموارد المائية السوداني، ياسر عباس إن قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان سد النهضة على نهر النيل “يعد تهديدا للأمن القومي” وأن “مضي إثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في يوليو/تموز المقبل “سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء”.
لكن اللهجة الأعنف جاءت، ولأول مرة، على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي قال: “نحن لا نهدد أحداً، ولكن لا يستطيع أي أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد”. وأضاف: “لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل”.
وتابع “التفاوض هو خيارنا الذي بدأنا به والعمل العدائي قبيح وله تأثيرات تمتد لسنوات طويلة لأن الشعوب لا تنسى ذلك”. وفي لقاء اخر شدد السيسي على أن “كل الخيارات مفتوحة”.
فشل الدبلوماسية؟
ويرى اللواء مأمون أبو نوار الخبير العسكري والإستراتيجي أن “أزمة سد النهضة أصبحت تشكل تهديداً وجودياً لمصر وأن الشعب المصري قد يواجه عطشاً وجوعاً بشكل حقيقي، والمشكلة أن الخيارات السياسية أو الدبلوماسية المتاحة سواء لمصر أو للسودان قد استهلكت جميعاً، فهناك تعنت إثيوبي شديد للغاية وهناك مراوغة ورفض مطلق لأي اتفاق ملزم ولذلك يتصاعد الحديث عن الخيار العسكري لمصر والسودان”.
لكنه لم يستبعد أن يسبق ذلك – وكحل أخير – ذهاب مصر والسودان إلى مجلس الأمن وفق القرارات 36 و 38، مما قد يعجل بصدور قرارات ملزمة لأطراف النزاع، لكنه أبدى خشيته من عامل الوقت خاصة وأن “مصر والسودان قد أصبحتا بالفعل تحت رحمة القرار الإثيوبي” بحسب ما قال خلال حواره مع DW عربية.
ويرى اللواء أبو نوار أن بإمكان مصر والسودان خلال الأيام القليلة المقبلة القيام بمناورات جوية على الحدود مع إثيوبيا ترسل من خلالها رسائل تشكل نوعاً من الضغط بما يعني (we mean business) أو أننا لسنا هنا لنعلب وأن الأمر شديد الجدية، مشيراً أن رسالة كتلك قد تسبب قلقاً للقيادة الإثيوبية وتضغط على آبي احمد ليقبل باتفاق ملزم بشكل ما.
أما الدكتور خالد الشكراوي، أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات، فقد أشار لوجود مجموعة من الإشارات التي قد تدفع للوصول إلى اتفاق مؤقت بين الأطراف المتنازعة، “خاصة وأن إثيوبيا حالياً تعيش وضعاً حرجاً على المستوي الأمني خاصة في منطقة تيغراي، إلى جانب تراجع الاتفاق الذي تم في الخفاء وأصبح واضحاً اليوم مع إريتريا بشأن هذه المنطقة ومن الممكن أن تقع تحولات في العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب فيما يتعلق بهذه المنطقة “.
وأضاف الشكراوي في حواره مع DW عربية أن “عودة الولايات المتحدة إلى الساحة بعد انتقال السلطة إلى الرئيس بايدن جاء بعد فترة فتور والآن تدفع الإدارة الحالية إلى إيجاد حل دبلوماسي في المنطقة “، مشيراً إلى اعتقاده بأن الضغط الأمريكي على الأطراف الثلاثة والتي تتمتع بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة، خاصة السودان التي عادت مؤخراً إلى الحاضنة الأمريكية كلها أمور قد تدفع الأطراف لإيجاد حل ما، هذا إلى جانب ما بدا أنه رفض أمريكي لحل المسألة عبر الحرب”.
وقال خبير الشؤون الأفريقية إن هناك ايضا وضع جديد على المستوى الأفريقي بحكم أن الرئاسة الكونغولية الجديدة للاتحاد قد تساهم بشكل أكثر نجاعة في إيجاد حل ما بين الأطراف بالرغم من أن الاتحاد ليست له القوة الكافية ولا الآليات الكافية لفرض أي حل في هذا المستوى من النزاع لكن أعتقد ان إمكانيات الحوار بين الأطراف الثلاثة بإمكانها أن تؤدي الى حل قد يتفق عليه الجميع، بالإضافة إلى مسألة مهمة وهي تراجع الحضور الصيني والخليجي وخاصة الإمارات، وبالتالي أعتقد أن إثيوبيا الآن في موقف أكثر ضعفاً من السابق “.
وفي رأي الشكراوي، فإن مصر بدأت مؤخراً في الاعتراف بوضعية السد وتقبلت وجوده كأمر واقع وأنه لايمكن التراجع عنه “وهذا موقف مهم قد لا نعتبره تراجعا وإنما نوع من السياسة الواقعية (Realpolitik) أو الدبلوماسية المستندة إلى اعتبارات وظروف وعوامل معينة وهي السياسة التي بدأت مصر تنتهجها مؤخراً”، وشدد أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة محمد السادس متعددة التقنيات، على “أن ذلك يتزامن مع بوادر خلاف اريتري – إثيوبي قد يؤدي لتغير في المواقف السياسية بين البلدين على خلفية الانتهاكات المريعة التي وقعت في إقليم تيغراي الإثيوبي والتي شاركت فيها قوات إريترية”.
حدود العمل العسكري
لامجال لمقارنة قدرات الجيش المصري المصنف كأحد اقوى جيوش العالم بالقوة العسكرية الإثيوبية. لكن المسافة الطويلة بين الحدود المصرية وسد النهضة هي واحدة من أصعب العقبات التي قد تواجه مصر إن هي فكرت في العمل العسكري.
كما أن مصر التي عرفت بانتهاج الدبلوماسية إلى آخر مدى مع الجيران والتي كان لها تأثير مادي ومعنوي كبيرين في العمق الإفريقي إبان الحقبة الناصرية وكان لها وضع خاص بين دول القارة السمراء سيكون من الصعب عليها للغاية أن تضحي بهذا الإرث التاريخي إلا إذا دفعت إلى ذلك دفعاً خاصة وأن العمل العسكري سيكون له تأثيرات سياسية واستراتيجية بعيدة المدى، حسبما يرى مراقبون.
ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء مأمون ابو نوار أن الخيار العسكري وإن كان موجوداً إلا أنه سيكون صعباً للغاية دون استخدام الأراضي السودانية، “فإذا أرادت مصر اللجوء إليه فعليها أن تنشر قواتها الجوية داخل السودان والقريبة للغاية من السد وفي هذه الحالة سيكون من الأسهل توجيه ضربة جوية إليه، مع نتائج أفضل بكثير، علماً بأنه يستحيل تدمير السد ليس فقط بسبب بنيته القوية وإنما لأنه سيتسبب في تسونامي هائل للسودان ومصر، وبالتالي فإن الضربة يجب أن تكون موجهة لأضعف مكان في بنية السد”.
وبحسب اللواء أبو نوار، فإن الضربة الجوية قد تتم من خلال مقاتلات تحمل قنابل ارتدادية تصل إلى قاع السد وتنفجر مطلقة موجات صوتية ضاغطة ينتج عنها شقوق وتصدعات في سد النهضة، لكنه استدرك قائلاً إن حجم وقوة التفجير الناشئ عن تلك القنابل يجب أن يكون محسوباً بدقة وأن تكون العملية مسيطرا عليها، أو أن يتم ضرب أماكن اخرى في السد فوق سطح الماء بما يسبب شقوقاً وتصدعات تؤدي لتسرب للمياه بشكل ليس كبيراً للغاية بما يعطل السد عن عمله”.
وأكد أبو نوار أن مصر وإن كان لديها سرب طائرات الرافال شديدة التطور، إلا أنها تحتاج إما للانطلاق من السودان، أو أن يصاحبها طائرات تزود بالوقود، مشيراً إلى أن “هذا هو أكبر تحدٍ رغم القدرات الفائقة للطيران المصري ومقاتلاته، وهنا ستكون المخاطرة أقل بكثير”.
وكان المتحدث العسكري للجيش المصري قد نشر فيديو يوضح اعتماد تلك الإستراتيجية مؤخرا لدى القوات الجوية المصرية:
إلا أنه أضاف أن مصر بشكل عام لديها توتر وقلق من فكرة الحروب البعيدة “وذلك نظراً للذكريات شديدة السلبية لحرب اليمن والتي عانت فيها مصر كثيراً، وهو ربما ما يكون أحد أسباب التردد المصري للجوء إلى الخيار العسكري”.
ورغم كل تلك القوة العسكرية المصرية والتي قد تدعمها القوة السودانية، إلا ان ابو نوار حذر من أن سد النهضة محصن للغاية “فالسد محاط ومؤمن بقوات دفاعية، كما أن إثيوبيا اشترت منطومة دفاعات جوية من إسرائيل تستخدم صواريخ بايثون (Python)، وأعتقد أيضاً أن لديهم منظومات دفاع روسية منها منظومة بانتسير 1، هذا بخلاف القوات على الأرض التي ستمنع وصول أي أفراد إلى منطقة السد”.
أما الدكتور خالد الشكراوي أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة محمد السادس، فقد أبدى تشككاً كبيراً حيال انخراط مصر والسودان في مواجهة مباشرة مع إثيوبيا، فضلاً عن أنه لا توجد إمكانية عسكرية أو إستراتيجية تؤدي لسماح جيبوتي أو إريتريا باستخدام مصر لأراضيهما كقواعد عسكرية تنطلق منها عملياتها تجاه إثيوبيا من ناحية البحر الأحمر “فالقرار لدى الأولى مرتبط بشدة بالعلاقة مع الولايات المتحدة ودول الخليج، ولدى الثانية مرتبط بالقوى الغربية المتواجدة هناك، واعتقد أن النهج العسكري صعب للغاية وربما بعيد عن الحدوث لكنه يبقى في إطار المحتمل”.
المصدر: DW
قم بكتابة اول تعليق