علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية
باتت الصين تفاجئ العالم يوما بعد يوم، ففي هذه المرة كشفت عن نيتها تطوير مقاتلتها المتفوقة من الجيل الخامس “J-20” بحيث تحوي على منافث محركات ثنائية الأبعاد عوضا عن التقليدية الدائرية الشكل والأحادية إلى جانب قابليتها على التوجيه وذلك من أجل قدرة أفضل على المناورات الحادة والغير مألوفة. علما بأن المقاتلة “J-20” تحلق في الوقت الحالي بمحرك روسي الصنع من طراز “AL-31FN” وهو نفس المحرك الذي يدفع كلا من مقاتلات السوخوي 35 و “J-10” من الجيل الرابع وبالتالي يفتقر إلى القوة اللازمة لمقاتلة ثقيلة كالـ “J-20”.
لمحة تاريخية
في عام 2011 كشفت الصين عن نموذجها للجيل الخامس بطائرة هجينه هي شينغدو “J-20” حيث طورت سرا عبر عدة طرق محلية واجنبيه وقرصنة الكترونيه. فتمثلت محليا بالتصنيع و تمثلت خارجيا او اجنبيا عبر الاستعانه بالنماذج الروسية للطائرة الملغاة MiG-1.42 الإختبارية وقامت بالقرصنة الالكترونيه على نماذج سرية لتصاميم كل من لوكهيد مارتن “F-22” و “F-35” الامريكيتين فكان الناتج “J-20″، علما بأن الصناعات الجوية الصينيه الى يومنا هذا لديها فقر شديد بتكنولوجيا المحركات النفاثة كليا لكنها وضعت كل ثقلها بالمحرك المحلي الصنع WS-15 وهو محرك واعد يمكنه أن يمنح “J-20” قدرة دفع وربما “سوبر كروز” (قدرة الوصول إلى سرعة فوق صوتية من دون معزز الدفع أو الحارق اللاحق) ولو محدودة نسبيا واليوم هي بصدد تزوده أيضا بمنافث متغيرة الزاوية ثنائية الأبعاد كتلك التي للمقاتلة الأمريكية “F-22”.
لكن مقاتلة الصين العتيدة J-20 لا تحمل على متنها مدفعا رشاشا أسوة بجميع المقاتلات الحالية من الأجيال ما فوق الثالث ويعتبر المدفع الرشاش هاما جدا حينما تسقط أقنعة التسلل والخفاء و قد يعني مسألة الحياة او الموت للطائرة المقاتلة خصوصا بعد أن بينت حرب فيتنام وحرب تحرير الكويت ذلك وكما يصرح احد خبراء الطيران القتالي: لا يمكن اعتبار الطائرة طائرة مقاتلة اذا ما افتقرت الى مدفع رشاش. وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا ستقوم بعد ذلك بتزويدها بمدفع رشاش أم مدفع ليزر علي الطاقة كما هو مسرب مؤخرا من قبل الدوائر الاستخباراتية الغربية.
فكرة أنتاج “J-20”
يعود عهد مشروع إنتاج مقاتلة الجيل الخامس الصينية إلى الاستناد على النموذج الروسي في حقبة الحرب الباردة ابان حكم السوفيات. وتحديدا في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حينما علمت الدوائر الاستخباراتية السوفياتيه KGB ان الولايات المتحدة الأمريكية بصدد إنتاج مقاتلات ذات قدرات خفائية من الجيل الخامس، فاوعزت حكومة الاتحاد السوفياتي بضرورة العمل على إنتاج الند لها. وهنا قام كل من مكتبي ميغ وسوخوي بالتحضير لنموذج خاص بها لكن هذه المره كان لكل مكتب نظرته وتصوراته للمقاتلة المتطورة المستقبلية.
نموذج ميغ MiG-1.44
يعود نموذج الميغ للطائرة من الجيل الخامس الى نموذج سابق كان مقترحا من قبل شركة لوكهيد الامريكيه لمفهوم مقاتلة الجيل الخامس في بداية الثمانينات ذو جناح دلتا (مثلث) كبير وجنيحات موازنة اماميه (كنارد) وذلك لمزيد من السرعة الا ان النموذج تغير بعد ذلك ليصبح “F-22” كما عهدناه. حيث رغبت قيادة سلاح الجو السوفياتية آنذاك بطائرة ضخمة ذات مدى طويل وسرعة عالية تصل إلى ماخ 2.8 تقريبا وهو ما يقصد به MFI اي طائرة ذات المهام المتعددة بعيدة المدى. المثير في الأمر أن مكتب ميكويان الخاص بصنع طائرات الميغ حينما اكتشف ان النموذج الخاص بلوكهيد لم يتعد الرسومات فقط حينها قام بتغيير المتطلبات الى نموذج أصغر حجما فوضع مقترح نموذج MiG-1.42 الذي لم يعرف عنه الكثير من التفاصيل سوى أنه اخف وزنا من النموذج MiG-1.44 الاثقل وزنا.
توصل مكتب ميغ إلى وضع نموذج لا يطابق المواصفات المرجوة. فما كان منه إلا أن قام بإلقاء نظرة تجسسية على مشروع المقاتلة الأوروبيه المشتركة والتي أصبحت بعد ذلك تعرف بـ “تايفون” فنتج عن ذلك مقاتلة تشبه التايفون لكنها أكبر منها حجما واثقل وزنا. وحال سقوط الاتحاد السوفياتي دون إكمال المشروع وتمويله من قبل الحكومة الروسية التي خلفت السوفياتيه نتيجة تردي الأحوال الاقتصادية حين ذاك. وقامت الصين بعد ذلك بالحصول على مخططات النموذج MiG-1.42 وبنت مقاتلة “J-20” على أساسه.
الجدل حول منافث الدفع المتحركة
طرحت تساؤلات حول لماذا تم استخدام منافث احتراق (العادم) او الدفع المتحركة (متغيرة الزاوية) ثلاثية الأبعاد او 3D على الطائرات المقاتلة الروسية دون غيرها من المقاتلات الغربية وعلى رأسها تلك الأمريكيه.
كي نجيب على هذه التساؤلات يجب أن نعود بالزمن إلى الوراء وتحديدا في الفترة الانتقالية ما بين سقوط الاتحاد السوفياتي وتولي روسيا زمام الأمور خلفا له. حيث قامت سوخوي بتخصيص طائرة سوخوي 27 اختبارية من أجل معاينة إمكانية تطوير منافث الاحتراق الثنائية الأبعاد وكيف أنها جاءت ثقيلة وكبيرة الحجم في مقابل تلك التي لدى الرابتور “F-22” الامريكيه. وكيف ان لوكهيد مارتن اعتمدت منافث احتراق متحركة مضلعة ومسطحة بحواف حادة ثنائية الأبعاد 2D والسبب يرجع إلى التالي:
-السبب يرجع إلى أن هناك قدرات صناعية تتمتع بها الولايات المتحدة دون غيرها من دول العالم وكذلك غناها بالابتكارات والحلول. ان الولايات المتحدة الأمريكية هي دائما السباقة في بدء جيل جديد من الأسلحة والمعدات بعد الحرب العالمية الثانية، لذا كانت السباقة بعد ذلك في تصميم أجيال من المقاتلات وصولا إلى الجيل السادس الذي بات يتم تطويره اليوم للمستقبل القريب.
– تاريخيا يعتبر استخدام المنافث 3D المتحركة والدائرية الشكل منذ الحرب العالمية الثانية وتحديدا على صواريخ V-2 الألمانية لكن اعتمادها في المقاتلات تم في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حينما قامت الولايات المتحدة و ألمانيا الغربية (قبل الاتحاد) بمشروع مشترك لاختبار آلية عمل منافث الاحتراق الدائرية الشكل ذات التوجيه المتعدد او في قطر 360 درجة. وقد كانت طائرة الاختبار X-31 أولى منصات التجارب التي تم عليها الاختبار رغم أنها لم تحتوي على منافث احتراق دائرية وإنما قلابات خارجية.
بالطبع قام السوفيات بالتجسس على ذلك الاختبار ومن ثم تطبيقه على مقاتلات الجيل الرابع فما فوق وهي سوخوي 37 ومن ثم وجدت طريقها على سوخوي 30 ام كيه اي وصولا إلى ميغ – 29 او في تي و ميغ – 35 و سوخوي 35 اس إلى أن وصلت إلى سوخوي 57 والسبب انها اسهل في التطبيق من تلك التي ذات 2D.
لكن السر في اعتماد لوكهيد مارتن على المنافث 2D المسطحة والمضلعة يرجع إلى الاستفادة قدر الإمكان من إخفاء بصمتي المقاتلة “F-22” الرادارية عبر السطوح المائلة والغير مألوفة للبدن الى جانب الطلاء الممتص لموجات الرادار إضافة إلى البصمة الحرارية IR للطائرة من خلال اعتماد تلك المنافث المصنوعة من معدن التيتانيوم المقاوم للحرارة والملحق بنظام تبريد داخلي متطور الى جانب الشكل الهندسي الذي يسهل مزج غاز العادم مع الهواء المحيط فيختلط المزيج لينتج عنه بصمة حرارية منخفضة لا تلفت مجسات اللواقط الحرارية للمقاتلات الروسية فيسهل امتزاجها في الجو المحيط مما يقلل من احتمالات كشفها.
كان هذا هو السر في اعتماد الرابتور تلك التقنية التي لم يتمكن الروس من تنفيذها على أرض الواقع نتيجة لافتقارهم للمعدات والكمبيوترات الصناعية التي يمكنها أن تساعدهم في صناعتها، لكن الصين هي الأخرى لم تتوفر لديها نفس الإمكانيات، إلا أنها عوضت ذلك بالقرصنة السيبرية وهو ما وفر عليها الجهد والوقت.
عموما بالنسبة إلى تصميم منافث الاحتراق المتغيرة الزاوية ذات الشكل المشقوب او المضلع عوضا عن الدائري كما هو معود يتطلب آلية تحريك متطورة لا تعتمد فقط على مشغلات توجيه بل إلى منظومة متكاملة وهذا مالم يتمكن من اتمامه الروس خصوصا بأنه كان ذو بشاعة وضخامة في الحجم وذلك كي يتمكن من أداء عمله مما يزيد من الوزن ولا يعطي النتائج المرجوة منه وقد كان هذا التصميم اختباريا على سوخوي ٢٧ قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي بقليل فلم يولى أهمية من قبل الروس بعد ذلك. الأمر الذي أدى بهم باعتماد ما هو متوفر لديهم على الرفوف نتيجة لعدم توفر المال ولا الوقت اللازم للتطوير.
فلسفة الخفاء
لا بد من الإشارة إلى أن مقاتلة “F-22” صممت طبقا لفلسفة قدرة الكشف المتزنة أو بما يعرف بـ (Balanced Observables) التي تجعل من قابلية التخفي شاملة سواء بالنسبة للموجات الرادارية و المجسات الحرارية IR فمنافث الاحتراق بها غير مالوفة الشكل وجاءت مشقوبة ومشرشرة ويسمح هذا بالتقليل من انبعاث الحرارة من المحرك عبر خلط الهواء المحيط البارد بالهواء الساخن المنبعث من المحرك عبر المنافث الثنائية الأبعاد (2D-Nozzles) والتي تكون مسطحة الشكل الذي يعمل على نشر تلك الانبعاثات الساخنة في مساحة واسعة مما يسهل ويسرع مزجها بالهواء الخارجي اما ما تبقى من أشعة تحت الحمراء التي قد تصدرها الطائرة ومصدرها عادة أشعة الشمس المنعكسة من البدن يمتصها الدهان الداكن بالطائرة ويشتت التي تنتج عن احتكاك الطائرة بالبدن أثناء التحليق السريع ويبددها فتنخفض معه بصمتها الحرارية بشكل كبير نسبيا. هذا ويمكن لدهانها الداكن تحمل درجات احتكاك وحرارة عالية وظروف جوية سيئة نتيجة لطبيعة عمل الطائرة المعترضة والتي تكون عادة في العراء وهو أحد أسرار قدرة الرابتور على العمل من عدة مطارات غير مجهزة في العالم.
التحول الكبير
يعد الجيل الخامس من طائرات القتال ذو تأثير استراتيجي عميق وخصوصا اذا ما تم استخدامه بالصورة التي يجب أن يتم العمل بها. وينقسم هذا الجيل إلى قسمين، الأول وهو الأساس ومنبعه فقط الولايات المتحدة الأمريكية، تعود فكرته الى نهاية الحرب الباردة. في حين ينتمي القسم الثاني لما هو ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي وهذا يحتاج إلى تدقيق بسيط.
عموما تتميز مقاتلات الجيل الخامس جميعها بقدرتها على الخفاء (ستيلث) ثم حملها لاسلحتها الأساسية في جوفها بمخازن داخلية، وتتميز بمحركات نفاثة قادرة على supercruise اي قابلية دفع المقاتلة إلى سرعات فوق صوتية من دون استخدام معزز الدفع او afterburner .
كذلك تحمل رادارات ومستشعرات متطورة الى جانب قدرتها على الحرب الإلكترونيه كي تحمي و تهاجم الكترونيا الخصوم.
وبالعودة إلى النقطة التي ذكرناها مسبقا بالجيل الذي ينتمي إلى فترة نهاية الحرب الباردة او قبلها بقليل فإنها صممت في الأساس كمقاتلة هيمنة جوية وليست كطائرة ضاربة. وهذا يعود إلى الصراع الشبه متكافيء ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق.
اما الجيل الذي تلى الحرب الباردة فإنه جيل صمم من الأساس كطائرة مقاتلة مزدوجة المهام (جو – جو / جو – ارض) وبالتالي اختلفت التجهيزات او قل بعضها مقابل زيادة في البعض الآخر. فنجد أن المقاتلة الأساسية وهي التي تنتمي لفترة ما قبل نهاية الحرب الباردة “F-22” الرابتور احتاجت إلى عملية تطوير وتحويل من طائرة متخصصة فقط للمهام الجوية (جو – جو) إلى طائرة مزدوجة الاستخدام كمقاتلة “F-35” وكذلك الحال بالنسبة إلى المقاتلات المنافسة كالروسية سوخوي Su-57 و الصينية “J-20” وما سواها.
فرص صينية ثمينة
بعد الخوض في أهمية القدرات الصناعية في دعم التصنيع العسكري محليا فإننا نخلص إلى نتيجوة مفادها أن الصين باتت تقترب من مقارعة ما لدى الولايات المتحدة الأمريكية من تكنولوجيا عسكرية مقصية روسيا في ذلك. ولا شك أنها استفادت من مشروع نقل تكنولوجيا طائرة Lavi الملغاة إليها ومعطيات النموذج المتطور للـ J-10 المزود بمحرك من نوع AL-31F القوي مع منافث احتراق (العادم) متغيرة الزاوية في دعم مشروعها الحالي نحو تطوير المقاتلة الأكبر حجما “J-20” لجعلها في مصاف المقاتلة الأمريكية “F-22” المتقدمة وهو ما سيغير بالفعل من قواعد اللعبة في أية مواجهة.
قم بكتابة اول تعليق