مسار عبد المحسن راضي
الإعلام المصري رسم الآنسة داليا العقيدي كداود يواجه طالوت، من أصلٍ صومالي، تجسَّدَ في شخص السيدة إلهان عمر، ممثلة الكونغرس الأمريكي، عن المنطقة الخامسة في مينيسوتا. والقضاء على دورة الحياة السياسية لهذه النائبة يبدو الحل الوحيد للآنسة العقيدي، كي لا تهرب إلى القمر.
عمر مصابة بفقر الدم الأمريكي ولُزوجة ساميَّة
الآنسة العقيدي، العضو في الحزب الجمهوري، تجد أنَّ السيدة عمر لا تحِبّ أمريكا بما فيه الكفاية، كما تعاني تصريحاتها من أعراض معاداة الساميَّة وأمريكا، وهي بذلك تلهم الأعداء في الشرق الأوسط ضِدَّ وطنها الأم؛ فالعِراق بالنسبة للآنسة الشقراء لا يعدو كونه المدينة التي وُلِدت فيها.
ترى العقيدي في النائبةِ الديمقراطيّة غريمةً شخصيَّةً لها. تعيب عليها تحويل الكونغرس الأمريكي إلى مسرحٍ لممارسة حياة المشاهير، السماح لنفسِها بتمثيل جميع المسلمين في الوطن، وإعطاء حقنة شرعية – ثقافية وسياسية للإخوان المسلمين وواجهاتها كمجلس العلاقات الإسلامية – الأمريكية.
مثالب السيدة عمر ربّما نستطيع ترشيقها في الجملة التالية: دعوتها المستمرة إلى ترشيد استخدام إسرائيل في السياسات الأمريكية الخارجية.
تلك الدعوة للنائبة المسلمة، تأتي من امتلاكها رصيداً طبيعياً من المزايا – العيوب، ومنها: لِسانها الحاذق، ولون بشرتها. طبعاً؛ يعتمِد تقرير الصالح والطالح، في رصيد عمر الطبيعي، على الناخب الأمريكي، والذي بات مستقطباً ما بين الأزرق والأحمر.
“المزايا-العيوب” السياسية للسيدة عمر، نلخِّصها ديمقراطياً: لاجئة من شرق إفريقيا، مسلمة، وعضو في “فرقة النائبات اليساريات”، المكوَّن من رباعي نسائي، يمثِّلن الواجهة الأكثر إثارةً؛ إعلاميّاً، في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي. أمّا عيوبها الجمهورية فهي: مزاياها الديمقراطية.
الصومال: مصنع غافني الابن لـ”الإسلاموفوبيا”
موقف الآنسة العقيدي من السيدة عمر لا يمكننا فكّ شِفرته، بالاعتماد على ثنائيات الأحمر والأزرق، لكننا سنعرض نسخة تفسيرية، تقف على بعدِ شَعْرَة من الصحف الصفراء.
العقيدي زميلة في مركز “السياسة الأمنية”. مؤسس المركز، هو السيد فرانك غافني الابن. هذا “الريغاني” العتيق، نسبة إلى الرئيس رونالد ريغان، مصاب بـ”الإسلاموفوبيا”، وعاشق لنظريات مؤامرةٍ، مفادها: سعي الإخوان المسلمين لإبدال الدستور الأمريكي بـ”الشريعة الإسلامية”. غافني لديه أيضاً ما نستطيع وصفه بـ”صومالوفوبيا” مزمنة، دفعته لإعلان رعبه من عمل اللاجئين الصوماليين، في سلسلة مصانع تعالج اللحوم.
غافني الابن وزملاؤه نجحوا في إقناع العديد من المشرِّعين على مستوى المقاطعات بسنَّ تشريعٍ معادٍ لتطبيق الشريعة الإسلامية. الخبراء اعتبروا ذلك نوعاً من الثرثرة القانونية، حيث لا يوجد في الدستور الأمريكي أيّة ثغراتٍ تمكِّن القوانين الأجنبية منه.
ثرثرة الإسلاموفوبيا تلك استطاعت أن تمنع وكمثال: إعادة توطين اللاجئين السوريين في بعض المقاطعات. غافني وزملاؤه باتوا كـ”اللقلق”. اللقلق الأصلي في أفلام الرسوم المتحركة، يحمل طفلاً إلى الزوجين السعيدين، لكن النسخة السلبية من اللقلق “بيزارو” التي ألَّفها غافني، تعمل كغراب يسرق الثمين ويدفع الثمن بترك الإسلاموفوبيا على النوافذ الأمريكية.
حالة العقيدي تبدو تطويراً لتلك التشريعات، متجسِّدةً في دمٍ ولحم. هي تشعر بغبطة التنافس بينها وبين النائبة عمر، في مينيسوتا – منطقة الكونغرس الخامِسة – رغم أن الحاضنة الجمهورية فيها تشبِه ريشةً تصارع ريحاً ديمقراطية، بالقول: “إنَّها المرّة الأولى في تاريخ السياسة الأمريكية تقف فيها مسلمة بوجه الإسلامويين”.
مع الأسف، فإنَّ ذلك له علاقة بالحقيقة، لكن بطريقةٍ جانبية – وصف الشاعر بودلير لطبيعة العلاقة بين الشِّعْر والحقيقة – بينما الواقع يفصِح لنا، إنّها تطبِّق إحدى توصيات غافني الابن: “منع وصول الإسلامويين إلى المناطق التي يوجد فيها ناخبون مسلمون”.
حقائق من خردة الإنترنت وذهب الميديا
الغريزة الصحفية للآنسة العقيدي تشبه جنرالاً قاد العديد من المعارك، في كل أرجاء العالم. تلك المعارك استمرت لزمنٍ طويل فاق الثلاثين عاماً. هي تعتبِر المصادر المجهولة: “الذهب الأحمق للصحافة”.
الصحافة أيضاً بحسب العقيدي وجه آخر للسياسة. هكذا؛ إذا أردنا أن نستخدم آراءها لصياغة جملةٍ موحية، ستكون هذهِ المحاولة: الدعم المجهول هو الذهب الأحمق للسياسي.
كان عليها مثلاً معرفة أن السيد غافني وزملاءه هم بالأدلَّةِ البحثية: لِسانٌ ناطِق للإسلاموفوبيا؛ ذوو صِلاتٍ وثيقة بالداعمين لإسرائيل. كذلك ربّما كان عليها أن تسأل عن التحالف العريض الذي شكَّله غافني، من المراكز والمنظمات المعادية للمسلمين، المهاجرين، والمنادين بالتفوق الأبيض.
الخطر الحقيقي الذي تمثِّله غفلة الآنسة العقيدي أنّها تسمح وبحسبِ ما قاله عضو سابق في “أيباك”، بأن تستمر “النفعية السياسية لإسرائيل، باستغلال “رهاب الأجانب” عند المواطنين الأمريكيين”. وإبقاء صورة العربي المسلم: متخلِّفاً، غبياً، ومتوحشاً، في الوعي السينمائي لمواطنيها الأمريكيين، عندما يقفز الشرق الأوسط للواجهة.
الخطر الموازي الآخر قد يصيب العراقيين الأمريكيين، ويعرِّضهم لفقدان رصيدهم المعنوي، باعتبارهم أقلّيةً عددية، بين إخوانِهم من العرب الأمريكيين. العراقيون لا تتجاوز أعدادهم بحسب ما بيَّنته لي ميشيل ميتلستات الـ250 ألفاً. و هي مديرة الاتصال في – معهد سياسة الهجرة في أمريكا والاتحاد الأوروبي.
عصا “اللوبيات” الإسرائيلية تعشق الجغرافيا العراقية
مصدرٌ من العراقيين الأمريكيين، طلب منِّي عدم ذِكر اسمه –ميوله ديمقراطية- كان قد كشف لي ما أستطيع أن أعتبره تناحراً ثقافياً وسياسياً، بين الجمهوريين والديمقراطيين من أصولٍ عراقية: “أنا من اختلاطي وملاحظتي للعراقيين الذين التقيت بهم؛ فإنَّ أغلبهم جمهوريون، وكانوا مؤيدين لإسقاط النظام في 2003”. أمّا عن رأيه بالتهجم الذي شنَّته الآنسة العقيدي، وما زالت، بحقِّ منافستِها السيدة عمر، “هو كأي نزاع بين ديمقراطي وجمهوري، لكن التهجم هو أسلوبٌ يتَّبِعه أغلب الجمهوريين”.
عند التركيز على سياسات الأحمر والأزرق، وجدت أنَّهم يستخدمون المواطنين الأمريكيين الذين ترجع أصولهم إلى بلادٍ تحكمها أنظِمةٌ فاشِلة مثل العراق، كأدواتٍ لشرعنة سياسات القوّة العسكرية المزمنة لدى الإدارة الأمريكية، في بلد الأصل. أو للقيام بخلق تغييراتٍ ديموغرافية، وللحدود المرسومة في خرائط المنطقة التي يوجد فيها ذلك البلد.
الكارثة الكبرى أنَّ إسرائيل باتت تستغل العرب الأمريكيين عموماً، للدفعِ بأفكارٍ خاطئة عن حالِ بعض الأقلّيات في بلدان المشرق العربي، للترويج لمشاريع قوانين تقسِّم تلك الدول. هي بذلك تلتف على محاولات العقلاء في الحزبين، مستخدِمةً منشار سياسات الهوية الدينية، والعرقية.
نصيحتي أن تضاف فقرة في قانون تسجيل العملاء الأجانب، تمنع عمل المواطن الأمريكي من أصولٍ عربية، مع أي جهةِ ضغطٍ إسرائيلية، لديها مصالح في البلد الأصل للمواطن -والبلدان المجاورة له- وأن تقصِرَ قبولها لنشاطات “اللوبي” لأي عميلٍ أجنبي من الدول المنكوبة، على من يكون ممثلاً لحكومة بلاده الشرعية -المعترف بها دولياً- لا ممثلاً لجماعته الطائفية أو العرقية.
في الختام، أنوِّه بأنني قد حاولت الاتصال بالآنسة العقيدي مرّتين -كتابياً- عن طريق حسابِها على موقع تويتر، لكني لم أحظَ بردٍّ منها. أيضاً مجلس العلاقات الإسلامية – الأمريكية، لم يرد على أسئلتي -أرسلتها إلى عنوان بريده الإلكتروني- وكذلك السيد نهاد عواد، المدير التنفيذي للمجلس، لم يجب عن أسئلتي التي وجهتها له، عبر منصة تويتر.
قم بكتابة اول تعليق