العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
هي مجموعة من المباديء والتعليمات والتوجيهات التي تلتزم بها وحدات القوات المسلحة للدولة في حالة إعلان النفير والإستعداد للحرب وأيضا خلال حالات الصدام العسكري والنزاعات المسلحة وتشمل الأوامر العسكرية التي يصدرها المستوى الأعلى بشكل وثيقة بكيفية التصرف والرد على الطرف المعادي في حال قيامه بالتعدي على الدولة ووجود خطر الصدام المسلح والحرب مع طرف آخر.
وتعتبر وثيقة قواعد الإشتباك القتالي تفويضًا باستخدام القوة وتوضح السياسة والمبادئ والإجراءات والمسؤوليات المتعلقة باستخدامها وهي تتداخل في مفهومها ما بين السياسة والحرب وهي تحدد عملياً الأوامر والتدابير التي بموجبها تبدأ العمليات القتالية وتحدد أيضاً الظروف والطريقة والدرجة التي يتم بها الرد وإستخدام القوة.
لمحة تاريخية :
في خمسينات القرن الماضي وخلال مرحلة الحرب الباردة قدمت قيادة القوات البحرية الأميركية لوحداتها التابعة لها مبادئ توجيهية للعمل بها خلال أية مواجهة ممكنة شملت شروط استخدام القوة وموجباتها، ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث عملياً عن قواعد اشتباك يمكن الأخذ بها كوثيقة مرجعية في العمليات القتالية وبناءاً على ذلك شاع إستخدامها وعملت جيوش عدد من دول أوروبا ، وكذلك القوات متعددة الجنسيات التي تعمل تحت إشراف منظمات دولية في الحروب في المنازاعات المسلحة بها.
و ورد في بعض الدراسات الأكاديمية، بإن قواعد الاشتباك لم تتشكل على مستوى قانوني دولي بل على مستوى أمريكي داخلي ومن ثم أصبحت قواعد “عرف وعادة” دولية يُقتدى بها من قبل الدول الأخرى.
ولا تزال بعض الدول تستخدم قواعد الإشتباك في العمليات الداخلية والخارجية وفي دول أخرى تستخدم فقط في العمليات العسكرية ولذلك يتوفر نوعان من وثائق قواعد الإشتباك المتاحة دولياً كمصادر معروفة نوع مستخدم من طرف دول حلف الناتو للعمليات الخارجية وآخر يعرف بكتيب سان ريمو وهو وثيقة صدرت عن المعهد الدولى للقانون الإنساني وترجم إلى لغات عديدة من بينها اللغة العربية وتستخدمه بعض الدول لوضع قواعد الإشتباك الخاصة بها.
وينظم المعهد الدولى للقانون الإنساني دورة سنوية للتدريب على خيارات قواعد الاشتباك التي تتوافق مع القانون الدولي وضوابط النزاعات المسلحة بحيث لا تنتهك تلك القوانين من قبل واضعي تلك القواعد.
تعريف قواعد الإشتباك :
على الرغم من أنه لا توجد قواعد اشتباك متوافق عليها دولياً لكن تتفق تعريفات قواعد الإشتباك في مضمونها وربما كان تعريف حلف الناتو لقواعد الإشتباك محققاً لمعناها ما جعل العديد من الدول وخاصة الأعضاء في الحلف تأخذ به وقد عرف الحلف القواعد بأنها مجموعة أوامر وتعليمات تصدر من قيادة عسكرية رسمية ترسم الظروف والحدود التي يسمح فيها للقوات المسلحة بالشروع في الإشتباك أو مواصلته ويتحمل القادة العسكريون في المقام الأول مسؤولية ضمان أن تحترم قواتهم قواعد الإشتباك القتالي.
وجاء في بعض الدراسات الأكاديمية، فإن قواعد الاشتباك لم تتشكل على مستوى قانوني دولي بل على مستوى أمريكي داخلي ومن ثم أصبحت قواعد “عرف وعادة” دولية يُقتدى بها من قبل الدول الأخرى.
تعد القيادة العسكرية للبلد المعني “رئاسة أركان عامة” أو الجهة المعنية ” قيادة حلف – قوات حفظ السلام دولية” قواعد الاشتباك الخاصة بها قبل الدخول في أي عملية أو مهمة عسكرية تحدد فيها ظروف استخدام القوة وحجمها في تلك العملية وموقعها وزمنها والكيفية التي ستنفذ بها بما يوافق سياستها مع استحضار قوانين الدولة والقانون الدولي العام وكذلك القانون الدولي الإنساني وقد يشار فيه إلى بعض فصول ميثاق الأمم المتحدة كالفصل السادس ويتم عرضها بعد ذلك على المسؤولين التنفيذيين والسياسيين لإعتمادها كمستند رسمي صادر عن جهات مسئولة.
مشتملات قواعد الإشتباك :
تهتم قواعد الإشتباك بالقواعد التي تلتزمها القوات المسلحة عند إستعمال القوة وذلك ضمن العمليات العسكرية سواءاً كانت في المسرح الدولي أو الإقليمي أو الوطني ومن ذلك النزاعات المسلحة بين الدول أو في داخل الدولة نفسها وأيضاً ضمن مهمات حفظ السلام الدولية .
ومن المفترض أن تلعب قواعد الإشتباك دوراً مهماً في تقليص عدد الضحايا العسكريين والمدنيين خلال المهمات القتالية وذلك من خلال التحكم في ظروف الإشتباكات في العمليات العسكرية وأهدافها وأبعادها وتجري العادة بأن يقوم القادة العسكريين بتوزيع قواعد الاشتباك في بطاقات أو كتيبات على أفراد القوات المسلحة تحدد فيها تعليمات متعددة تشمل كون الهدف العسكري المعادي مشروع أم لا ومتى يكون البدء في التعامل وإطلاق النار على الأهداف المعادية مع الرجوع للقائد الأعلى للفصل في القرار حال الالتباس قبل تنفيذه ، وأيضاً عدم الاشتباك مع أي شخص استسلم أو أصيب خارج المعركة أو بسبب مرض أو جروح وتنص قواعد الإشتباك كذلك على عدم استهداف المدنيين والمستشفيات والمساجد والمؤسسات الوطنية، والمعالم التاريخية والثقافية، والمناطق المأهولة بالسكان المدنيين، إلا إذا كان العدو يستخدمها لأغراض عسكرية وعدم استهداف وضرب البنى التحتية للطرف الآخر والمرافق التجارية والاجتماعية والمواصلات، وبالمقابل تأذن باستعمال القوة للدفاع حال تجاوز العدو الحدود وأيضاً للدفاع عن النفس أو الوحدة العسكرية مع تقليل الأضرار ما أمكن وأيضاً الدفاع عن المدنيين العاملين مع المنظمات الإنسانية الدولية كالهلال والصليب الأحمر أو الفرق المساعدة للأمم المتحدة، وتمنع بشكل قاطع الاستيلاء على ممتلكات المدنيين والتعامل معهم باحترام وتقديم المساعدة والدواء لهم إذا كانوا في وضع صعب.
وتشمل قواعد الاشتباك مبادئ توجيهية في كيفية التعامل مع عملية عسكرية معينة تجمع بين الضوابط العسكرية والاعتبارات السياسية، وتسمح لصاحب القرار السياسي كأعلى سلطة في الدولة باستخدام القوة بشكل ملائم للموقف، ومن ثم العمل على التحكم في مجريات الأزمة ووقف التصعيد ولذلك يعتبر بعض الخبراء قواعد الاشتباك أنها أداة رئيسية تمكّن السلطة المدنية المسؤولة من ضمان استخدام الجيش بمختلف تشكيلاته وقوته وفق تعليمات محددة في عملية عسكرية معينة وبالتالي فهي ليست تعليمات تعبوية يسترشد بها القادة عند تنفيذ العمليات القتالية فحسب بل إنها تعد وثيقة قانونية هامة ترسم التعليمات والأوامر والإجراءات الخاصة بالإشتباك كتنظيم حمل الأسلحة أو التصدي لهجوم معادي يمكن الرجوع إليها عند الفراغ من القتال وعند التحاكم والتقاضي أمام الجهات المعنية وخاصة في حالات حدوث جرائم حرب .
وتشمل أيضاً القواعد العرفية في القانون الدولي الإنساني التي تحكم أمور الصراع والنزاعات المسلحة ومتى يشرع الرد على العدو والواجبات التي تقع على المكلفين بذلك والأهم أنها تضمن حقوق الأسرى بما يكفل تأمين حياتهم خلال العمليات القتالية.
وينبغي التأكيد على أن قواعد الإشتباك ليست تعليمات جامدة لا تتغير بأي حال من الأحوال ولكنها تتعدل لتتوافق مع الظروف السائدة للعمليات الحربية وبما يسمح بالرد المباشر والكافي على أي طارئ وفق ما يراه القادة العسكريين بعد مناقشته مع الجهات المعنية وعادة ما تتغير قواعد الإشتباك حسب الأوضاع التي تمر بها الدول تلبية لمتطلبات سياساتها الدفاعية وبما يحفظ أمنها وإستقرارها وسيادتها ومن المهم جداً وضع قواعد الإشتباك ضمن إطار قانوني يمكن وحدات القوات المسلحة من التفاعل معها بحيث تكون واضحة عند إستخدام القوة والشروع في الإشتباك مع العدو وبما يجعلها تكون أيضاً حجة قانونية لمنفذي تلك التعليمات عند تعاملهم مع الأحداث بالقوة الكافية لحسم الأمر.
خرق قواعد الإشتباك :
في واقع الحال تتعرض قواعد الإشتباك للإختراق والعبث والتصرف بلا مسئولية وهذا الأمر يضع الدول في تحديات صعبة داخلية وخارجية ولذلك وضعت الدول والمنظمات الدولية ضوابط عملية لتلافي آثار الخرق رغبة في المحافظة على الهدوء السلمي الذي من المفترض أن يكون قائماً بين علاقات الدول مع بعضها البعض وخاصة الجارة منها فبدلاً من المضي قدماً نحو الحروب وتطوير الإختراقات الحاصلة في قواعد الإشتباك تلجأ الدول إلى الرد المحدود على ذلك الخرق الحاصل مع الطرف الآخر مع التنبيه على عدم تكرار ذلك صوناً للوفاق والسلم الوطني والأقليمي والدولي وإحتراماً لحقوق الدول وحقها في حماية أراضيها وإقرار سيادتها .
ومع أن العديد من دول العالم وخاصة العظمى تتبجح بإحترامها لقواعد الإشتباك إلا أنها وفي ذات الوقت لا تزال تمارس الخرق المتعمد لتلك القواعد في حروبها وعملياتها القتالية وليس لذلك مبرر سوى العنجهية والصلف والطغيان في ممارسة القوة لتطيح وتخرق بتلك القواعد الأخلاقية في الحروب والتي يحترمها ويقدسها المقاتلين بشرف والأمثلة على ذلك كثيرة فتدمير “هيروشيما” وإبادة الأطفال في مدارسهم وحرق مزارع الأرز على رؤوس المزارعين والقرويين في فيتنام وما شاهده العالم أجمع من قتل الصحفيين بالطائرات المروحية وضرب ملاجيء المدنيين في العراق وغيرها تعد من أكثر الأعمال وحشية عبر التاريخ وشاهداً على خرق تلك الدول للقواعد والأعراف الدولية دون التقيد بتعليمات أية قواعد إشتباك متعارف عليها ودون وجود عقوبات رادعة لتلك الحالات لتصبح قواعد الإشتباك أمراً ترفياً وحلماً لا تمارسه حتى الجيوش المتقدمة وهنا ينبغي التأكيد على شرعية تلك القواعد ووجوب العمل بها حتى لا تنحرف الجيوش عن مهامها أثناء تأدية واجباتها وتحفظ للآخرين حقوقهم الإنسانية قبل كل شيء.
قم بكتابة اول تعليق