العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني الأنصاري
لا يزال الخلط بين معنى العقيدة العسكرية وبين الواجب المهني للقوات المسلحة قائماً وإيضاح هذا الأمر مهم جداً وينبغي الإنتباه له ومعرفته ولو بمستوى الحد الأدنى لفهم معاني مفردات الفكر العسكري فالعقيدة هي المذهب العسكري الذي تتخذه الدولة لبناء
وإعداد القوة العسكرية للدولة وهي التي تحدد النهج المتبع في مناهج التعليم العسكري والإعداد القتالي والمعنوي وتكون قاعدة تؤطر إحتياجات الدولة من مختلف أنواع الأسلحة ومدى ملاءمتها لظروف الدولة وإختلاف جغرافيتها وطبيعة العمليات العسكرية المتوقعة فيها.
إن لفظ العقيدة هو تعريب لكلمة (Doctrine) وتعني الأيدلوجيات أو النظرية العملية والفسلفية وتترجم أيضاً بمعنى ( مذهب ) ولذلك فقد قد تكون الترجمة الحرفية للكلمة في أصلها اللاتيني هي السبب في تداخل المعنى لدى المتلقي والذي بدوره ساهم في خلط المفهوم العام للعقيدة العسكرية مع العقيدة الدينية ليعتقد الكثيرين بأنها الدفاع عن الوطن والإيمان بالله فالأولى واجب مهني لأي قوات مسلحة والثانية تتجه بمعناها نحو العقيدة الدينية الصرفة وهذه تختلف باختلاف الدين الذي يعتنقه مواطنو تلك الدولة او هذه ، على الرغم من أنها أيضاً تعتبر أحد أهم مرتكزات العقيدة العسكرية.
ولذلك فالعقيدة العسكرية في أبسط تعاريفها تعتبر بمثابة القانون الأساسي للدولة في المجال العسكري وهي التي تمنح المشروعية للعمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة داخل الدولة وخارجها وتقوم بتوجيهها وضبط سلوكياتها وإجراءاتها أثناء تنفيذ مهامها وهي متغيرة بحسب تغير السياسات والظروف المحيطة وحالة الدولة ودرجة ونوع سلاحها والواجب المهني هو الأعمال التي يؤديها العسكريين وغيرهم في حال تعرض بلادهم لعدوان خارجي أو خلل أمني يتحتم معه تدخل الجيش لضبط أمن الدولة ويكون عمله تحت مفهوم تلك العقيدة وهنا أيضاً يكمن الفرق مابين القوات المسلحة المنضبطة وما بين الميليشيات الفوضوية التي لا يخضع افرادها لحساب ولا عقاب تحت طائلة الاعراف والقانون العسكري.
وقد يكون الخلط الحاصل بينهما ناتج عن تداخل مفاهيمهما فالواجب المهني يأتي من المنهج الذي تدرب عليه العسكري وفق العقيدة التي انتهجتها قيادته لتحدد من خلالها مفاهيم الدفاع والقتال والحرب ومتي وكيف ولاي شئ يكون.
وقد ثبت من خلال الأحداث التي عصفت ولا تزال تعصف بالكثير من دول العالم بأنه لايمكن إستخدام قوة الدولة ( الجيش ) كأداة وطنية ضاربة وحاسمة لضمان الأمن والأمان في الدولة ومنع الإحتراب والنزاعات الداخلية المسلحة والسيطرة عليها بدون عقيدة عسكرية واضحة ومتكاملة بكافة مستوياتها وفق قواعد وأسس منصوصة لا يمكن بأي حال من الأحوال الخروج عليها إلا بما تقتضيه مصلحة البلاد العامة و لابد أن يتم تطويرها كل فترة وأخرى بما يتماشى مع حالة الدولة وظروفها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وحالة الموقف الدولي العام وما تقتضيه المصالح المشتركة بين الدول.
وفي ذات السياق نجد أن الدول العظمى تتخذ سياستها الخارجية الدفاعية بما يتماشى مع عقائدها النابعة من توافق مصالحها وتعدل عقائدها كل فترة وأخرى بما يخدم تلك السياسات.
قم بكتابة اول تعليق