نجحت تركيا في العقد الأخير في تطوير منظومات ومنصات عسكرية متطورة وفعالة، وغير مأهولة يتم التحكم بها عن بعد استعداداً لخوض حروب المستقبل التي ستحل فيها الآلات مكان الجنود، وطورت منظومات رقمية لتمكين المنصات الجوية والبرية والبحرية للعمل ضمن فريق واحد.
في السنوات الأخيرة، لم تنجح تركيا في قفز قفزات نوعية في الصناعات الدفاعية المحلية واقتحام الأسواق العالمية وحسب، بل نجحت أيضاً في توظيف التكنولوجيا وآخر ما وصلت إليه الرقمنة في المجالات العسكرية والاتصالات للخروج بأسلحة ومعدات وأنظمة مسيّرة حديثة ومتطورة ذات قدرات عالية للغاية، ستعطي الغلبة لمستخدميها في ساحة المعركة.
وتزامناً مع كل الإنجازات التي حققتها شركات الصناعات الدفاعية التركية في هذا المجال، ما زالت أنقرة تواصل جهودها في دفع عجلة التكنولوجيا العسكرية خطوة أخرى إلى الأمام لتكون مستعدة لخوض حروب المستقبل منذ اليوم. ولأجل ذلك، نجحت الشركات التركية في إدخال الرقمنة إلى كل الأنظمة تقريباً، بدءاً من الطائرات المسيّرة والدرون الانتحارية وغيرها، مروراً بالمركبات البرية متعددة المهام غير المأهولة، وصولاً إلى القطع البحرية المسيّرة.
ولم يقتصر الأمر على إنتاج منتجات عسكرية غير مأهولة بشكل فردي وحسب، بل تم العمل على ابتكار نظام متطور يسمى بـ”منظومة الوحدة الرقمية”، يُمكّن المركبات الجوية والبرية والبحرية المسيّرة من أداء المهام العسكرية بشكل جماعي، من خلال تنسيق جميع هذه المنصات بواسطة وحدة تحكم واحدة ومشغل واحد.
طائرات مسيّرة
تُنتج شركات الصناعات الدفاعية التركية المختصة في صناعة الطائرات المسيّرة نوعين أساسيين، هما: طائرات مراقبة يطلق عليها اختصاراً (İHA)، وطائرات مسلحة تُعرف بـ(SİHA). وتُصنع عدة شركات تركية أنواعاً وأشكالاً مختلفة من الطائرات المسيّرة، أبرزها طرازا “عنقاء” و”أكسونغر” التي تُنتجها شركة صناعة الطيران والفضاء التركية “توساش”، وطرازا “بيرقدار تي بي 2″ و”أقينجي” من إنتاج شركة “بايكار” للصناعات الدفاعية.
وبنفس الزخم الذي دخلت به تركيا عالم تصنيع الطائرات المسيّرة ذات الاستخدامات العسكرية، فقد خطت خطوات ملموسة في إنتاج وتطوير طائرات الدرون الانتحارية التي تستخدم آليات وخوارزميات الذكاء الصناعي والتعليم العميق، حيث تنتج شركة التكنولوجيا العسكرية (STM) التركية نماذج مختلفة من هذه الطائرات الانتحارية، أبرزها “كارغو” ذو الأجنحة الدوارة و”ألباغو” ذو الأجنحة الثابتة.
وإلى جانب الطائرات المسيّرة والدرون الانتحارية الذكية التي تصنعها وتستخدمها تركيا، أعلنت شركة “بايكار” الدفاعية عن بدء العمل على “التصميم المفاهيمي” لمشروع مسيّرتهم الجديدة من الجيل السادس المسماة “ميوس”. وعلى الرغم من أنه لا تتوافر معلومات كثيرة عن المقاتلة المسيّرة الجديدة حتى الآن، فإن مهمتها الرئيسية ستكمن في تحقيق التفوق الجوي على مقاتلات العدو خلال حروب المستقبل، خصوصاً بعد استبعاد الولايات المتحدة لتركيا من مشروع المقاتلة من الجيل الخامس (F-35).
مركبات ومدرعات مسيّرة
خلال معرض إسطنبول للصناعات الدفاعية الدولي “آيدف 21″، الذي اخُتتمت فعاليات نسخته الخامسة عشرة يوم الجمعة الماضي، عرضت شركة “ألبيرا” التركية للأنظمة الدفاعية مركبتها البرية الكهربائية محلية الصنع من طراز “ألكار R8″، ذاتية القيادة، والتي سيبدأ إنتاجها التجاري مع حلول العام القادم. يذكر أن المركبة قد صُممت للعمل في مهام وأوقات وظروف مختلفة بسبب تمتعها بهيكل معياري مميز، يمكن تغييرها وفقاً لظروف وجغرافية المكان واحتياجاته.
وفي عام 2018، خلال عملية “غصن الزيتون” العسكرية التي نفذتها القوات العسكرية ضد المنظمات الإرهابية، استخدم الجيش التركي لأول مرة مركبات مسيّرة محلية الصنع متعددة الاستخدامات من طراز “أوكاب” صممتها وصنعتها شركة “قطمرجلار” التركية للصناعات الدفاعية، وتعد المركبة من نوع المركبات المتعددة الاستخدامات.
سفن وزوارق مسيّرة
بداية الشهر الجاري، كشف رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التابعة لرئاسة الجمهورية التركية، إسماعيل دمير، عن مشروع جديد يُعنى بتطوير منظومة سرب مركبات بحرية مسيّرة بقدرات محلية خالصة من خلال التعاون مع شركة “أسيلسان” التركية الرائدة في مجال الصناعات الإلكترونية العسكرية. ولفت دمير إلى أنهم استكملوا المرحلة الأولى من المشروع الذي يعملون من خلاله على دمج السرب البحري بمنظومة تحكم تخوله العمل مع المركبات المسيرة الجوية والبرية الأخرى.
وفي السياق ذاته، تمكنت شركتا “ميتيكسان” للصناعات الدفاعية، وشركة حوض بناء السفن “آريس” التركيتان، من صناعة نموذج أولي لزورق مسلح غير مأهول مسيّر يحمل اسم “سيدا”، نهاية العام الماضي. ويتميز الزورق الذي تم إنتاجه من مواد مبتكرة ومركبة متطورة بقدراته الفائقة على حراسة ومراقبة مياه الوطن الأزرق التركي من خلال الأجهزة والأنظمة المتطورة التي يمتلكها، فضلاً عن امتلاكه أنظمة اتصالات مشفرة محلية الصنع، وقدرته على المراقبة الليلية والنهارية.
منظومة الوحدة الرقمية
مؤخراً نجحت شركة “هافلسان (Havelsan)” التركية الرقمية في اختبار منظومة الوحدة الرقمية التي من خلالها يتم التحكم وإدارة الطائرات والمركبات البرية والسفن غير المأهولة، وذلك بواسطة وحدة تحكم واحدة ومشغل واحد. الأمر الذي يعتبر تطوراً بالغاً في تفوق تركيا واستعدها لخوض حروب المستقبل دون إلحاق الأذى بجنودها.
فمن خلال هذه المنظومة، سيتم ربط المنصات العسكرية غير المأهولة بعضها ببعض ضمن بيئة رقمية واحدة، الأمر الذي سيمنح غرف العمليات العسكرية مجموعة واسعة من المزايا، حيث سيتمكنون من رؤية ما يجري على ساحة المعركة بشكل واضح ودقيق قبل قيامهم بإرسال الجنود، فضلاً عن منحهم المعلومات لاتخاذ قرارات سريعة وفعالة قبل وخلال سير المعركة.
كما أن المنظومة التي تعمل على تطويرها شركة “هافلسان” ستمكن المنصات العسكرية من العمل ضمن قطيع واحد، الأمر الذي سينعكس بشكل مباشر على سير العمليات القتالية، من خلال ارتباطها وتبادلها المعلومات الآنية في ما بينها ومع مركز العمليات، بالإضافة إلى قدرتها على المداخلة والاشتباك الفوري جوياً أو برياً أو بحرياً وذلك بحسب ما تقتضيه الظروف.
trt عربي
قم بكتابة اول تعليق