العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني
طبيعة الصراع المسلح القائم بين روسيا وأوكرانيا لم يخرج في شكله ومضمونه عن قائمة المبادىء الإستراتيجية العسكرية التي صيغت منذ زمن الاتحاد السوفيتي وعلى اعتبار أن روسيا هي الوريث الأقوى له فقد تبنت نفس تلك المبادىء في سياستها الدفاعية مع بعض التعديلات بما يتوافق ومصالحها وهذه المبادىء تم صياغة أصولها في صورة أحكام وتوجيهات تلتزم بها القيادة الروسية في عملها ومن أهمها :
1- تبعية الإستراتيجية العسكرية الروسية للسياسة وأهمية الأهداف السياسية العسكرية لتحديد المصالح ومهام الصراع المسلح.
( وهذا المبدأ كان واضحاً منذ بداية الحملة وبمتابعة تصريحات الرئيس بوتين ووزير دفاعه والناطق الرسمي لوزارة الدفاع ووزير الخارجية الروسية نجدها ملتزمة بخط واضح تتداخل معه السياسية بخيار الحرب وضرورة المحافظة على الأمن القومي لروسيا وحماية حدودها مع ترك خيار نافذة المفاوضات السياسية مفتوحة لمزيد من المفاوضات المحسوبة التي تهدف إلى إقناع واشنطن وحلفائها بقبول مطالب روسيا).
2- يتوقف النجاح في الصراع العسكري على طبيعة ومستوى التطور الاقتصادي والتقني في الدولة ومدى توفر وسائل الحرب الحديثة لدى القوات المسلحة الروسية.
( وهنا نجد أن روسيا أستعدت أقتصاديا وتقنيا في مختلف المجالات على مدار السنوات الماضية جيداً لأن تواجه حرباً ذات طابع إقتصادي تتخفى وراء صراع عسكري قد يطول أمده ليكون للإقتصاد تأثيراته بعيدة المدى على وضع الدولة الروسية , كما أنها عملت على توفير أسلحة نوعية جديدة لا يوجد مثيل لها في العالم لتكون في وضع متقدم يسمح لها يالتحرك والمناورة عسكريا وسياسياً بكفاءة عالية ).
3- المحافظة على درجة استعداد قتالي عالي للقوات المسلحة في جميع الأوقات.
( وقد دأبت القوات الروسية منذ زمن على المحافظة على درجة إستعدادها القتالي بدءا من التغييرات على بنية وحدات الجيش الروسي المختلفة فقد دخلت أفواج جديدة لقوات الصواريخ الاستراتيجية من أنواع “أفانغارد” و “توبول” و”توبول .ام” و”يارس” للمناوبة القتالية ، كما تم تأسيس الحرس الوطني الروسي المكلف بمهام مكافحة الإرهاب، وحماية النظام العام للدولة ، وحراسة المواقع المهمة التابعة للدولة وأنشأت كذلك إدارة لقيادة الطائرات بدون طيار في مختلف المناطق العسكرية الروسية , وتم إنشاء نظم حديثة لوسائط النقل للمسافات البعيدة ووضعها في مستوى الجاهزية الشاملة لتنفيذ عمليات قتالية دون تحضيرات مسبقة إلى جانب نظم جديدة في الإتصالات والسيطرة بما يضمن التناسق والتناغم بين الوحدات العسكرية خلال تنفيذ الأعمال القتالية , وتم أيضاً إدخال منظومة غلوناس للملاحة الفضائية للعمل في شكلها العسكري ما زاد من قوة الجيش الروسي وهيبته في أعين أعدائه والعالم على حد السواء , وتناقلت الأنباء مؤخراً في ذات السياق بأن الرئيس بوتين قد أمر بوضع قوة الردع الإستراتيجي النووية في حالة تأهب قصوى).
4- الطبيعة الهجومية للإستراتيجية العسكرية هي الصفة الأساسية التي تحدد اتجاه إعداد القوات المسلحة.
( وهو ما تحقق في عمليات غزو أوكرانيا التي أتخذت طابعاً هجومياً واضحاً منذ بدايتها بإعتبار أن الهجوم هو الأساس في الصراع المسلح وأن الدفاع هو مرحلة ثانوية فيه ويلاحظ أن الهجوم الروسي على لأوكرانيا حقق مباديء الحرب التقليدية لنجاح أية عملية عسكرية بدءاً التحشد والاتجاه للهجوم الرئيسي والانتشار والمفاجأة والمباداة إلى التعاون والسيطرة والأمن وتنظيم الدعم اللوجستي بشكل يضمن إستمرار الحملة وفق ما هو مخطط لها ).
تأثرت الحرب الدائرة حالياً في اوكرانيا بهذه الأصول والأحكام وهي ما يجري إتباعه بدقة على مستوى القيادات الروسية وهي في الوقت ذاته ما يزيد حساسية دول الغرب والناتو تجاه روسيا وخاصة في هذه المرحلة على إعتبار أن روسيا عدوهم التقليدي وهم لا ينفكون عن وصفها بالعدو برغم التقارب السياسي الذي كان قائماً فيما بينهم مع أنهم لا يخفون تخوفهم منها ولذلك تراهم يفتحون عيناً ويغمضون الأخرى تجاه التصرفات الروسية وخاصة تدخلها في أوكرانيا وتسلسل التصريحات السياسية والعمليات والعسكرية , ويدركون في ذات الوقت حجم القدرات العسكرية الروسية وما وصلت إليه من مستوى متقدم في الآداء وهذا يزيد من درجة التوتر فيما بينهم حتى أن أحد الجنرالات الغربيين وهو الجنرال الألماني المتقاعد “هارالد كويات” قال قبل سنوات في برنامج على القناة الألمانية الثانية ” أن كل قدرتنا العسكرية تكفي لإيقاف الروس في أوروبا الشرقية لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع” وهذه حقيقة لا يجهلها أحد فهي تعتمد أساساً على مساعدة الناتو , ولذلك شكل الحلف قوة دفاعية للدول الغربية وأمريكا وقع تمويلها بنسبة 70% على كاهل الولايات المتحدة الأمريكية وهذا الأمر بدا وكانه عبء حاولت أمريكا التنصل منه وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد طلب من الدول الأعضاء في حلف الناتو أن تنفق دولهم على الاحتياجات العسكرية للحلف مع ملاحظة أن عدوان روسيا على أوكرانيا في عام 2014 قد جعل خمس من دول الحلف تحقق هدف الإنفاق بما لا يقل عن 2% من إجمالي ناتجها القومي , وما نراه من مساعدات عسكرية خجولة للجيش الأوكراني من دول الحلف لا يخرج عن محاولة التقيد بالإلتزام الأدبي فقط مع دول الحلف وقيادته لأنهم يعلمون جيداً بأن مساعداتهم المحدودة لا يمكنها بحال من الأحوال تغليب كفة الأوكرانيين في الحرب وهذا ما يدركه القادة هناك وأعتقد بأنه من الأفضل لهم تجنيب بلادهم وشعبهم ويلات الحروب وعدم المضي في هذا الخيار وإن كان مفروضا عليهم.
قم بكتابة اول تعليق