أ.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر – كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية العليا
تستثمر القوات العسكرية في جميع أنحاء العالم الأموال والموارد في انتاج وامتلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن الولايات المتحدة الأمريكية والصين مصممتان على أن يكون كل واحدة منها لها السبق في امتلاك أحدث هذه التقنيات في القطاعين المدني والعسكري. لذلك مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية تدعو الحكومة قادة الذكاء الاصطناعي في القطاعين العام والخاص للمساعدة في إبقاء أمريكا في صدارة هذا المجال. ولدعم الأمر بشكل أكثر والتأكد من قبول القادة في هاتين القطاعين لاستخدام الذكاء الاصطناعي خاصة في الأمور العسكرية، قام العام الماضي فريق بحثي من مؤسسة RAND بإجراء مسحًا قدم فيه سيناريوهات مختلفة حول كيفية استخدام الجيش الأمريكي للذكاء الاصطناعي. طلب الفريق من المشاركين مشاركة مستوى راحتهم في استخدام الذكاء الاصطناعي لهذه السيناريوهات، والتي تباينت من حيث العوامل، مثل المسافة من ساحة المعركة، ومستوى التدمير، ودرجة الرقابة البشرية على خوارزمية الذكاء الاصطناعي. وقد أظهرت نتائج الاستطلاع أن معظم خبراء الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة لا يعارضون المهمة الأساسية لوزارة الدفاع الأمريكية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في جميع التطبيقات العسكرية المختلفة. وبعد صدور الأمر التنفيذي للرئيس دونالد ترامب لعام 2019م -الذي يؤكد فيه على أهمية الحفاظ على القيادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي- أشارت التقديرات إلى أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية دعمت بأكثر من 6 مليارات دولار أمريكي في مشاريع البحث والتطوير المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في عام 2021م. وفي يناير من هذا العام 2023م قامت وزارة الدفاع الأمريكية (DoD) بتحديث توجيهها بشأن تطوير ونشر أنظمة الأسلحة المستقلة وشبه المستقلة التي تتضمن الذكاء الاصطناعي.
يقول “أنتوني بلينكين”، وزير الخارجية الأمريكي، الذي شغل أيضًا منصب نائب مساعد الرئيس باراك أوباما ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن من عام 2009م إلى عام 2013م: “هناك ثورة تقنية عالمية جارية الآن”، وأضاف “تتسابق القوى الرائدة في العالم لتطوير ونشر تقنيات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والتي يمكن أن تشكل كل شيء في حياتنا الفترة القادمة، من كيف نحصل على الطاقة إلى كيفية قيامنا بوظائفنا، إلى كيفية خوض الحروب. نريد أن تحافظ أمريكا على تفوقنا العلمي والتكنولوجي لأنه أمر بالغ الأهمية لنا في الازدهار في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وللبقاء أكبر قوى اقتصادية في العالم “.
نتيجة لكل هذه الجهود والقرارات قامت الولايات المتحدة عن طريق شركة لوكهيد مارتن بإنتاج أول طائرة تكتيكية يقودها خوارزميات الذكاء اصطناعي اطلق عليها اسم VISTA X-62A تم تطويرها بواسطة معمل Skunk Works التابع لشركة لوكهيد مارتن. VISTA هي طائرة معدلة من طراز F-16D Block 30 Peace Marble Il تم ترقيتها باستخدام إلكترونيات الطيران Block 40 ومزودة ببرنامج يسمح لها بتقليد خصائص أداء الطائرات الأخرى. يمكن لمنصة VISTA التي تعمل بالذكاء الاصطناعي معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة وبدقة، وتمكينها من تحسين الخدمات اللوجستية ، وتحديد التهديدات المحتملة ، واكتشاف الحالات الشاذة في مجموعات البيانات. كذلك تستطيع VISTA القيام برحلة كاملة لمدة 17 ساعة وأكثر من خلال مجموعة من أنظمة متقدمة تم بنائها في شركة لوكهيد مارتن، بما في ذلك نظام محاكاة VISTA وخوارزمية تتبع النموذج ونظام التحكم الذاتي في المحاكاة. تمكن هذه الأنظمة VISTA من إجراء تجارب اختبار الطيران الأكثر تقدمًا مع التركيز على الاستقلالية.
ويقول كريستوفر كوتنج، مدير الأبحاث في مدرسة اختبار تجريبية بالقوات الجوية الأمريكية: “سوف تسمح لنا VISTA بموازنة تطوير واختبار تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة مع تصميمات جديدة للمركبات غير المأهولة”. “هذا النموذج جنبًا إلى جنب مع الاختبارات المركزة على أنظمة المركبات الجديدة أثناء إنتاجها، سوف ينضج بسرعة الاستقلالية للمنصات غير المأهولة ويسمح لنا بتقديم قدرة ذات صلة تكتيكية لمقاتلنا.” تعمل شركة لوكهيد مارتن أيضًا على تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي في نظام “إيجيس” القتالي (هو أحد برامج وكالة الدفاع الصاروخي التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تم تطويره لتوفير الدفاع الصاروخي ضد الصواريخ البالستية القصيرة ومتوسطة المدى. وهو جزء من استراتيجية الدفاع الصاروخي الوطني للولايات المتحدة. المنظومة مصممة لاعتراض الصواريخ البالستية في مرحلة ما بعد الدفع وقبل إعادة الدخول) المصمم لتقديم حل متفوق وبميزات تكتيكية للبحرية الأمريكية.
يقول جو ديبيترو، نائب الرئيس والمدير العام لأنظمة القتال البحري وأنظمة الدفاع الصاروخي في شركة لوكهيد مارتن: “يجمع نظام Aegis Combat System أكثر من 50 عامًا من التطور المستمر لتوفير تحديثات سريعة وحديثة للمحاربين”.
ويضيف: “اليوم، نستكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي توفير وقت استجابة أسرع للنظام ودعم القرار للمشغلين والقادة.”
في النهاية، اعتقد نظرًا لأن الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر أهمية في القطاع العسكري، فلن يتم تحديد الهيمنة العسكرية من خلال حجم الجيش، ولكن من خلال أداء خوارزمياته، لذلك فهو يستحق في عالمنا العربي دراسة كيفية استخدام الجيش حاليًا للذكاء الاصطناعي وكيف يمكنه استخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل من قبل جيوشنا بطريقة تضمن لنا الحفاظ على أمننا القومي.