ا.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة والتكنولوجيا – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكرية
في 10 أبريل 1953م ألقى “إلن دوليس” مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بعد تعيينه مباشرة -وهو أول مدير مدني لوكالة تزداد قوة يومًا بعد يوم – خطابًا أمام مجموعة من خريجي جامعة برينستون، لإعطاء لمحة مبكرة عن أولوياته في إدارة الوكالة، فقال للحاضرين “في السنوات القليلة الماضية اعتدنا على سماع الكثير عن المعركة من أجل عقول الرجال، حرب الإيديولوجيات”. وشرح كيف أصبحت المعركة الشريرة لعقول الرجال في أيدي السوفييت، وأطلق عليها “حرب السيطرة على العقول”، وشرع “دوليس” في وصف تقنيات التحكم في الدماغ التي يقوم بها السوفييت بأنها فعالة، لكنها “بغيضة” و “شريرة”. وألمح لأسرى الحرب الأمريكيين العائدين من كوريا، كيف أصبحوا ببغاء الدعاية الشيوعية التي زرعت أفكارها في أدمغتهم. وأصر “دوليس” على أن هذا النوع من الأسلحة يتناقض مع القيم الأمريكية، كما أنه يتناقض مع ما ينبغي أن تكون عليه القيم الإنسانية. بعد ثلاثة أيام من خطاب “دوليس” الذي انتقد فيه التكتيكات السوفيتية في التحكم في الأدمغة، وافق على بدء برنامج “MK-Ultra”، وهو برنامج سري للغاية من أجل الاستخدام للمواد البيولوجية والكيميائية والكهربائية للتحكم في العقل البشري، وعلى تعديل السلوك من خلال العلاج بالصدمة الكهربائية والتنويم المغناطيسي والإشعاع ومجموعة متنوعة من الأدوية والسموم والمواد الكيميائية. اعتمدت تجارب هذا البرنامج على مجموعة من البشر، بعضهم تطوعوا بإرادتهم مقابل الحصول على المال، وبعضهم تطوعوا تحت الإكراه (المساجين أو الأسرى)، وبعضهم لم يكن لديه أي فكرة على الإطلاق عن مشاركتهم في برنامج أبحاث دفاعية سرية، من الأولاد المعاقين ذهنيا في المدارس الحكومية، إلى الجنود، إلى المرضى النفسيين في المستشفيات الحكومية، وطبعا المدارس والمستشفيات الحكومية لأنهم عادة يكونوا من ضعاف المجتمع.
وفي أكتوبر 2000م قدم عضو الكونغرس “دنيس كوسينيتش” مشروع قانون، يلزم الرئيس الأمريكي بالمشاركة في مفاوضات تهدف إلى حظر “الأسلحة الفضائية” كما سماها، وقد جاء تعريف هذه الأسلحة في مشروع القانون كالتالي: “أي وسيلة غير معترف بها ممكن أن تسبب إلحاق الوفاة أو إصابة لأي شخص أو ممكن ان تؤثر على الحياة البيولوجية، أو الصحة الجسدية، أو الصحة العقلية، أو الراحة الجسدية والاقتصادية للشخص، أو إلحاق أضرار به أو تدميره. من الأنظمة الأرضية أو البحرية أو الفضائية التي تستخدم الإشعاع، أو الموجات الكهرومغناطيسية ،أو الصوتية أو أشعة الليزر أو غيرها من الطاقات الموجهة إلى الأفراد أو السكان المستهدفين لغرض إدارة المزاج أو السيطرة على هؤلاء الأشخاص أو السكان بالتحفيز الصوتي أو الضوئي أو الكهرومغناطيسي للدماغ البشري”. وهذا هو السبب في خروج قانون حظر استخدام هذه التقنيات في معظم البلدان، دون موافقة الفرد المعني -من الناحية النظرية- ورغم هذا القانون تستخدم هذه التقنيات سراً، دون علم أو موافقة الأفراد المستهدفين.
وهنالك ابتكارات وطرق عديدة للتحكم او للتأثير على الدماغ، مثل الأجهزة التي تستخدم الضوء لتحفيز الدماغ التي يمكن بواسطتها استخدام وميض الضوء تحت ترددات معينة للتأثير على نفسية الإنسان. وأيضا هناك آلية استخدام الصوت، فقد تم الإبلاغ عن جهاز ينقل حزمة موجات صوتية، والتي لا يمكن سماعها إلا من قبل الأشخاص الذين تستهدفهم تلك الحزمة من الموجات الصوتية، مما يؤدي إلى سماع الشخص المستهدف الصوت داخل رأسه. مثل هذا الإجراء يمكن أن يؤثر على التوازن العقلي للفرد المستهدف، فضلاً عن إقناعه بأنه يعاني من مرض نفسي نتيجة الهلاوس التي تنتج نتيجة لهذه الاصوات. وواحدة من الطرق الرئيسية للتحكم بالعقول هي استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية، مثل تلك التي أعلن عنها في عام 1974م في الاتحاد السوفياتي، داخل وحدة عسكرية في “نوفوسيبيرسك”، التي تم فيها تسجيل جهاز أطلق عليه (Radiosleep) في اللجنة الحكومية المعنية بمسائل الاختراعات والاكتشافات الروسية، والذي وصف الجهاز بأنه وسيلة لتحريض على النوم عن طريق موجات الراديو. أيضا من الطرق الأخرى استخدام الموجات الميكروويف، التي بتكرارها يمكنها التأثير على الخلايا العصبية، وبالتالي تسبب نشاط في الدماغ ممكن أن يحرم الإنسان من النوم، كما إنه أكتشف أن تكرار تعرض الانسان لموجات الميكروويف ممكن أن يؤثر على تدفق أيونات الكالسيوم من الخلايا العصبية، وبما أن الكالسيوم يلعب دورًا رئيسيًا في إطلاق الخلايا العصبية، فإنه يؤثر على القدرة على التركيز والتفكير. وفي عام 1975م قام معهد أبحاث الجيش الأمريكي “والتر ريد”، بعمل تجربة عسكرية أنتجت فيها نبضات الميكروويف، في دماغ كائن بشري، ونجحت تلك التجربة في إقناع الفرد بأنه مريض عقليا أو أنه يعاني من الحزن والاكتئاب. وقد قام نفس المعهد ببرنامج اختبار يعتمد على لتحفيز السمعي الفوري والذي يهدف إلى التأثير على الدماغ بترددات الموجات فوق الصوتية تعادل كلمات لخلق أفكار يستقبلها المخ كأنها أفكاره وميوله الشخصية!!!
في عام 1999م نشرت مجموعة تقييم الخيارات العلمية والتكنولوجية (STOA)، وهي جزء من الهيئة العامة للبحوث في البرلمان الأوروبي، تقرير حول تقنيات التحكم في الحشود، حيث يقيم هذا التقرير أسلحة التحكم في العقول التي تخرج من مختبرات الأسلحة العسكرية والنووية الوطنية في الولايات المتحدة كجزء من عقيدة إدارة الحرب” غير الفتاكة ” والتي تشمل على الأسلحة التي تستخدم شعاع الطاقة الموجهة، تردد الراديو، الليزر والآليات الصوتية لإعاقة الأهداف البشرية “. ومن بين الدول التي لديها أكثر التقنيات العسكرية تطوراً في التحكم في العقل البشري هما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية التي لم تقدما أي مبادرة تطالب بحظر التقنيات التي تتيح التحكم عن بُعد في العقل البشري.
إن إحدى النتائج الواضحة لاستمرار السياسة الظاهرة للسرية المحيطة بالتقنيات التي تتيح التحكم عن بُعد في الدماغ البشري هي أن الحكومات التي تمتلك هذه التقنيات، يمكن أن تستخدمها دون الحاجة إلى استشارة الرأي العام. وغني عن القول إن أي ديمقراطية ذات معنى في عالم اليوم يمكن أن تتعطل، من خلال عمليات سرية للتحكم في مزاج الجماهير، وليس من الغريب أن تكون مجموعات سكانية بأكملها خاضعة لتقنيات التحكم في العقل في المستقبل تعيش في “ديمقراطية مزيفة” حيث يمكن لحكومتهم أو قوة أجنبية تشكيل آرائهم السياسية على نطاق واسع عن طريق تقنيات التحكم في العقل.