العقيد الركن م ظافر مراد
من المفيد جداً مناقشة الإسلوب العسكري الذي اعتمدته حركة حماس والقوى الفلسطينية في عملية “طوفان الأقصى” المباغتة، لقد أعدَّت هذه الحركة هجوماً مفاجئاً منسَّقاً ومتزامناً من البر والبحر والجو، ترافق مع هجمات سيبرانية على منظومات الاتصال الإسرائيلية وإطلاق مئات الصواريخ المختلفة المدى على الجبهات الأمامية وفي العمق، إضافةً إلى اختيار التوقيت الأمثل في لحظة استرخاء سياسية وعسكرية إسرائيلية.
لم يقتصر الأمر على ذلك فقط، وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة هامة جداً وهي دور العامل البشري ونوعية المشاركين في الهجوم، والذي قاده وشارك فيه مجموعة كبيرة من المقاتلين المدربين بشكلٍ ممتاز، والمعبئين نفسياً ومعنوياً ضد عدوهم، وهم توَّاقون لمواجهته والاشتباك معه والاستشهاد. وأنا أعتقد أنَّ هذه العملية النوعية وغير المسبوقة للمقاومة الفلسطينية والتي فاجأت العالم، ستكون مفصلاً هاماً في تاريخ المنطقة وتاريخ إسرائيل، وستشكِّل نموذجاً جديداً للحرب غير المتماثلة، ودليلاً للكثير من المجموعات العسكرية غير النظامية في قتالها ضد الدول والحكومات والجيوش.
قد يتحدث البعض عن التوقعات المستقبلية وعن التفاوض لاحقاً وكيفية إنهاء الصراع والعملية السياسية التي يجب أن تتبع العمليات العسكرية، وقد يكون ذلك مفيداً أيضاً، ولكن يجب الإقرار أن أصحاب القرار على المستوى السياسي، يقفون حالياً عاجزين أمام مجموعة مقاتلة إنتزعت منهم سلطة القرار، وفرضت واقعاً جديداً لا يتناسب مع سلوكياتهم ومسارات تعاطيهم في مسألة الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، إن هؤلاء المقاتلون فقدوا الإيمان بالعملية السياسية، وكل أهدافهم الحالية تركِّز على الإنتقام وإذلال عدوهم، دون التوقف عند حسابات الربح والخسارة في لعبة الأرقام، وهم يبعثون رسالة إلى العالم تقول: لا يمكنكم هزيمتنا، فمعايير إنتصارنا هي الثأر ثم الإستشهاد.
إن وقع هذه العملية يفوق التوقعات على المستويات المادية والمعنوية، ويتجاوز بأبعاده النطاق الجغرافي الإقليمي المحصور في منطقة الشرق الأوسط، ليطال العالم كله، إن ما حدث وما سيحدث في الأيام القادمة، لا يمكن إبطال مفعوله ومحو تداعياته أو تعويض خسائره، ليس فقط على مستوى الجانب الإسرائيلي، بل أيضاً على مستوى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المصابة بصدمة كبيرة، أما أبرز النتائج المتوقعة بعد هذا الحدث فهي ما يلي:
- سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية وإقالة وتغيير عدد كبير من المسؤولين السياسيين والأمنيين في إسرائيل.
- تراجع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدن وإحتمالات كبيرة لهزيمته في الإنتخابات المقبلة، بسبب مراهنته على إعادة إحياء الإتفاق النووي مع إيران والتواصل معها.
- إرتفاع حظوظ ترامب بالفوز في الإنتخابات الرئاسية، وتأكيده على صوابية قراره بنقض الإتفاق مع إيران ورفضه للتفاوض معها.
- توقف المحاولات الأميركية للتطبيع بين السعودية وإسرائيل وتراجع حظوظها بالنجاح.
- خسائر اقتصادية هائلة لإسرائيل وانسحاب وتراجع الاستثمارات الأجنبية فيها.
- ظاهرة نزوح داخلي للكثير من المستوطنين على حدود غزة ولبنان، ورفض للعودة وبشكلٍ نهائي.
- تأجيل البحث بالخط البري الذي سيربط الهند بالشرق الأوسط عبر السعودية وبأوروبا عبر إسرائيل، علماً أن هذا الخط هو المنافس الكبير لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
- تراجع الزخم في دعم الجيش الأوكراني من قبل الولايات المتحدة بسبب انخراطها في هذه الأزمة وإرسالها مساعدات عسكرية طارئة وكبيرة لإسرائيل.
إنَّ ما حصل ويحصل حالياً هو حدثٌ بالغ الأهمية على المستوى الإقليمي والعالمي، فالتداعيات الكارثية على إسرائيل وحلفائها في المنطقة والعالم كبيرةٌ جداً، والقرارات التي قد تتَّخذ قد تصل إلى حد الحرب الشاملة التي ستنخرط فيها أطراف عديدة، فلا يمكن تغطية هذا الفشل والهزيمة إلا بحربٍ كبيرة ومُدمِّرة، ولا يمكن لأي عملية سياسية أن تبدأ في ظرف تكون فيها إسرائيل في أضعف مواقفها وأصعب ظروفها.
إسرائيل تعلن بدء الحرب وتستدعي قوات الإحتياط، الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات مع مجموعتها القتالية البحرية إلى جانب إسرائيل، الجميع مُحرج بمواقفه وقراراته وردات فعله، والموقف العام غامض جداً وخطير، بدأت الحرب ولا أحد يعرف كيف ستنتهي، نعم إنه الطوفان الذي قد يُغرق الجميع.