أ.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر كلية الدفاع – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
منذ مدة ليست بالقليلة أصبح الواقع الافتراضي والواقع المعزز من المكونات المهمة للتدريب العسكري في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا. مثلا في الولايات المتحدة. تم إنشاء مشروع أطلق عليه Project BlueShark ، وهو مشروع يستخدم تقنية تسمح للبحارة بتشغيل السفن والتعاون في بيئة افتراضية، وفي عام 2014م تم اطلاق مشروع Project Avenger من قبل مكتب الأبحاث البحرية ومعهد USC للتقنيات الإبداعية يستخدم الواقع الافتراضي والمعزز لتدريب الطيارين للبحرية الأمريكية. كذلك استخدمت القوات الجوية الأمريكية الواقع الافتراضي لتدريب الطيارين على قيادة الطائرات وإكمال المهام. كما أنشأت شركة بوينج شركة واقع معزز يحتوي على تقنية تسمح للميكانيكيين بالتدرب على إصلاح الطائرات قبل الصعود على متن طائرة حقيقية، كذلك يستخدم الطيارون في الولايات المتحدة نظارات الواقع المعزز مثل Microsoft HoloLens للتدريب على القتال والتزود بالوقود الجوي والتشكيلات والمناورات. وفي عام 2021م عقدت القوات الجوية الأمريكية تجمعًا افتراضيًا مع ما يقرب من 250 مشاركًا من دول العالم. كذلك تعاونت الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة مع شركة بريطانية خاصة تعمل في مجال الواقع الافتراضي والمعزز لإنشاء ساحات قتال افتراضية حيث يمكن أن يتدرب 10000 جندي بريطاني في وقت واحد.
وفي 28 أكتوبر 2021م سمع القطاع المدني في كل العالم لأول مرة مصطلح “الميتافيرس” بعد أن أعلن “مارك زوكربيرج” أن شركة فيسبوك ستغير اسمها إلى “ميتا” Meta وستبدأ في بناء نسخة مستقبلية من الإنترنت تسمى “ميتافيرس” “Metaverse”. لنكتشف بعدها أن الميتافيرس ليست مجرد تقنية لعمالقة وادي السيليكون، لكنها تستخدم منذ فتره مع الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والمعزز في التدريب العسكري للدول العظمى، وأن هذه التقنية معروفة جيدًا للجيش الأمريكي. والميتافيرس هي عبارة عن “عالم رقمي مشترك يجمع بين الواقع المادي والمعزز والافتراضي في الوقت اللحظي”، أيضا هي بيئة تسمى “الواقع الممتد” التي قد يتفاعل فيها المستخدمون مع بيئة تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر ومستخدمين آخرين. في هذه البيئة هناك متاجر حيث يمكنك ممارسة الألعاب وشراء السلع الرقمية والذهاب إلى المدرسة وقراءة الأخبار والتعرف على أشخاص جدد، والتعلم، والتصنيع، والتدريب، والسفر. وحتى تكون هذه البيئة فعالة تحتاج إلى قوة حاسوبية كبيرة لتجنب الأعطال. تعتمد الحلول الحالية على عدد هائل من الخوادم أو فرق بشرية كبيرة بتكلفة كبيرة. وتعتمد الميتافيرس على التصميم المتطور في الواقع الافتراضي والواقع المعزز والواقع الممتد.
ولأن الدول العظمى خاصة الولايات المتحدة والصين تعي أن البيئة التي تعمل فيها الجيوش تتغير بوتيرة سريعة، وأن التهديدات المتعددة الأقطاب التي تنتشر بسرعة وبشكل متزايد تعني أن ساحة المعركة في الغد ستكون أكثر شراسة وخبث وقساوة من أي وقت مضى. ومع الحاجة إلى العمل بطرق جديدة لمكافحة ظهور بيئات جديدة وتهديدات جديدة، تأتي الحاجة إلى تدريب جيوش الغد بطرق جديدة أيضًا. لذلك تبنت العديد من الدول أبحاث عسكرية لخلق تقنية الميتافيرس مستعينة بذلك بالشركات الخاصة والمراكز البحثية لامتلاك كل التقنيات التي لها علاقة بكفاءة هذه التقنية مثل الواقع المعزز والواقع الافتراضي والمحاكاة ثلاثية الأبعاد والشاشات المثبتة على الرأس والبيئات الافتراضية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. لقد استخدمت تلك الدول تقنيات الميتافيرس في العديد من المجلات التي لها علاقة بالأمور العسكرية، فمثلا لأن التدريب يعد أحد أهم مكونات فعالية ساحة المعركة، استخدمت تقنية الميتافيرس في ميادين التدريب العسكرية، ففيها يتم جمع طبقات المحاكاة العديدة معًا، مثل التضاريس وشبكات الأقمار الاصطناعية وأجهزة إنترنت الأشياء والسلوك البشري، كذلك يمكن تعديل المشهد على نطاق واسع دون الحاجة إلى التعرض للمخاطر. كذلك يمكن حل التحديات اللوجستية والعملية المرتبطة بحالات التدريب على نطاق واسع. أيضا يمكن نشرها على نطاق واسع، وكذلك مزامنة التدريب في أكثر من وحدة أو سلاح. وهذا يمكن المخططين العسكريين محاكاة الأساليب القتالية التكتيكية والعملياتية الموجهة بالذكاء الاصطناعي، وبالتالي يزودهم برؤى مهمة، مما يساعد على فهم نقاط الضعف والحلول المطلوبة لها، كذلك سوف يوفر مواد دراسية قيمة من خلال دمج الأدوات والتقنيات التجريبية والبيانات الشخصية، بالإضافة أن التدريب العسكري في عوالم الميتافيرس سوف يقلل تكاليف التدريب بشكل كبير.
الأخطر أنه يمكن أن تكون الميتافيرس ساحات معارك بديلة، فجيش التحرير الشعبي الصيني يستعد لشن حرب عالية التقنية في الميتافيرس. يتصور جيش التحرير الشعبي ساحة معركة مستقبلية للصراع المتقدم في الميتافيرس . حيث تُعرِّف الصين الحرب المعرفية بأنها مزج الأنظمة غير المأهولة مع الذكاء الاصطناعي لإنتاج قدرات قتالية جديدة. وفقًا لصحيفة PLA Daily، يمثل الميتافيرس “الآفاق الجديدة للحرب المعرفية المستقبلية”. وتشمل هذه أسراب الطائرات بدون طيار، والحرب الإلكترونية، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومنصات الشفاء الذاتي، وعباءات التخفي المملوءة بالمواد الحيوية، والحمولات والأجزاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد. كذلك يعتبر الجيش الأمريكي أن الميتافيرس يمثل أولوية قصوى، فقد أعلن الجيش الأمريكي في عام 2018م أنه سينفق ما يصل إلى 22 مليار دولار على نظام التعزيز البصري المتكامل (IVAS)، وهو نسخة من نظام الواقع المعزز HoloLens من Microsoft لجندي المستقبل. وقد قال “لدوج فيليبون” قائد الدفاع العالمي في شركة Palantir في أكثر من لقاء “الميتافيرس ليس فقط مستقبل التدريب العسكري، ولكنه أيضًا مستقبل كيفية القتال العسكري واتخاذ القرارات”. كذلك صرح “إلمر فرانسيسكو” الرئيس التنفيذي لمؤسسة VetCoin لصحيفة The Sun أن الميتافيرس هي الخطوة التطورية التالية في الأسلحة بعد الطائرات بدون طيار. ووفقا “لجوش بومان” خبير القوات الجوية الأمريكية الذي يفحص جميع عمليات الطيران والفضاء في الدول الآسيوية، فإن الصين والهند انضمتا إلى قائمة البلدان التي تبحث في إمكانيات الميتافيرس لتكون ساحات معركة بديلة في المستقبل.
في الجزء الثاني من هذا المقال سوف نقدم كيف سوف يكون ذلك، وما هو دور هذه التقنية الخطيرة في تغير شكل حروب المستقبل!