العقيد الركن م. ظافر مراد
ارتفعت سمعة وشهرة “القوات الخاصة” مؤخراً في الجيوش الحديثة، والتسمية الأصح هي “قوات العمليات الخاصة” أي “SOF-Special Operations Forces” وهي القوات التي نحتاجها لتنفيذ مهام تختلف عن القتال التقليدي، وهذا الاختلاف قد يكون سببه طبيعة منطقة القتال أي ما يسمى “القتال في محيط خاص” (مثل القتال في المناطق المبنية أو في الغابات الكثيفة أو في الجبال والمناطق الثلجية) أو سببه الحاجة إلى طرق انتقال غير تقليدية للوصول إلى مناطق خطرة في عمق اراضي العدو، وهنا نحتاج إلى “تقنيات ومهارات ووسائل انتقال خاصة” (مثل الإنزالات الجوية بالمظلات أو بواسطة الطوافات خلف خطوط العدو، أو الإبرار على شواطىء العدو بالزوارق السريعة) أو يكون الاختلاف في “طبيعة المهمة” بحد ذاتها ( مثل تحرير الرهائن- قطع خطوط إمداد العدو- استطلاع في العمق المعادي- تفجير مقرات قيادة، خطف وأسر أشخاص…)، وفي جميع الأحوال يجب أن يتمتع عناصر هذه القوات بالقدرات الجسدية والنفسية عالية المستوى، إضافةً إلى التدريب والخبرة في القتال واستعمال المواد والأعتدة الخاصة التي يحتاجونها لتنفيذ مهامهم مثل المتفجرات والبنادق القناصة ووسائل الانتقال الخاصة.
بدأ مفهوم قوات العمليات الخاصة في الظهور منذ الحرب العالمية الثانية، حين أنشأ الجيش الألماني وحدات “Brandenburgers” التي كانت تقوم بمهام خاصة سرية خلف خطوط العدو.
وتقوم الجيوش حالياً بإنشاء “قوات عمليات خاصة” ضمن هيكليتها التنظيمية، بسبب أن الوحدات التقليدية لديها تكون غير قادرة على تنفيذ كافة المهام، لا سيما الخطرة والنوعية، كون طبيعتها في التدريب والتسليح لا تلائم هذه المهام الصعبة والمعقَّدة المطلوب إنجازها، وتأتي مهام القوات الخاصة لتكمِّل عمل القوات التقليدية في الخطط الكبرى ولتحقيق الأهداف في مسرح العمليات، أو تكون مهام مستقلة عن مهام القوات التقليدية، ولكن تؤمن جزءًا من الأهداف العسكرية، وتخدم الوصول إلى الحالة النهائية المرجوة. ويختلف تخطيط العمليات الخاصة عن التخطيط في العمليات التقليدية، حيث أن التفاصيل الصغيرة والتوقيتات الدقيقة تكون محددة وصارمة ولها أهمية قصوى، فإن أي خطأ أو تأخير أو سوء تقدير يتسبب بفشل كامل العملية، ويكون عامل السرية ومفاجأة العدو في المكان والزمان والإسلوب، من أهم عوامل النجاح. والجدير ذكره هنا أن قوات المهام الخاصة قد تنفذ عمليات غير حربية ولكن خطرة ومعقدة مثل أعمال البحث والإنقاذ والإغاثة.
يختلف تصنيف القوات الخاصة على المستوى العالمي عن تصنيف الجيوش التقليدية، حيث تخضع الأخيرة لمعايير معروفة أبرزها مستوى التسليح من طائرات ودبابات وسفن حربية وغواصات وصواريخ باليستية وقدرات نووية…ألخ، بينما يخضع تصنيف القوات الخاصة لعاملين أساسيين وهما أولاً مستوى القدرات الجسدية والنفسية (القدرة على القتال والصمود والبقاء)، وهذا شيء يصعب مقارنته وقياسه بشكلٍ دقيق، وثانياً مستوى تطور وفعالية الوسائل والمعدات التي تمتلكها هذه القوات، وهذه مسألة لا تعتمد فقط على الشق التقني الذي يغلب عليه طابع السرية والغموض، بل أيضاً على عوامل وإعتبارات أخرى خاصة بالمقاتلين، مثل المهارة والشجاعة والذكاء والخبرة التي تحكم إستعمال هذه الوسائل والمعدات. لذلك نجد أن معظم التصنيفات للقوات الخاصة على مستوى العالم، تكون مرتبطة بالسمعة الجيدة لهذه القوات، وبحدثٍ أو مهمة تم تنفيذها في زمنٍ مضى، وهذا التصنيف قد يكون بعيداً بعض الشيء عن الواقع الحالي والحقيقة. وفي هذا الإطار لا نجد فارقاً بين مصدر وآخر في تصنيف الجيوش التقليدية على المستوى العالمي، بينما في نصنيف القوات الخاصة نجد إختلافاً كبيراً، ووفقاً لتقرير نشر في صحيفة “The Independent” البريطانية، جاء تصنيف أفضل 8 وحدات من القوات الخاصة عالمياً على الشكل التالي:
- The US Navy SEALs (Sea-Air-Land operators)، وهي الأكثر شهرة عالمياً.
- The UK Special Boat Service.
- The British Special Air Service.
- Israel’s Sayeret Matkal.
- France’s National Gendarmerie Intervention Group, or GIGN.
- Russia’s Alpha Group.
- Spain’s Unidad de Operaciones Especiales.
- The Special Services Group in Pakistan.
أما على صعيد الدول العربية، ووفقاً لموقع “SPUTNIK” فيأتي الترتيب على الشكل التالي:
- قوات الصاعقة المصرية.
- القوات الخاصة السعودية.
- القوات الخاصة الجزائرية.
- القوات الخاصة المغربية.
- القوات الخاصة الأردنية.
ومن العمليات الخاصة التي اشتهرت مؤخراً، عملية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في العام 2011 على يد قوة خاصة أميركية من وحدة ” SEALs” حيث تمت العملية في منطقة أبوت اباد في باكستان، وتم جلب جثته من قبل القوة المنفذة.
تتصاعد أهمية وجود “قوات العمليات الخاصة” في الجيوش الحديثة، في زمن مواجهة الإرهاب، والجريمة المنظمة عبر الحدود، ومكافحة التمرد ومواجهة المجموعات العسكرية العنيفة غير الحكومية، أو ما يُطلق عليه تسمية (Violent Non-State Actors (VNSAs))، وأيضاً في ظروف إنتشار وتوسُّع كبير في العالم لما يسمى “المنطقة الرمادية” (Grey-Zone) أي حالة اللاحرب واللاسلم، حيث يمكن للقوات الخاصة تنفيذ مهام سرية متناسبة مع هذه الحالة عندما تكون الحرب الشاملة غير مرغوبة. وتعتبر “قوات العمليات الخاصة” واحدة من أكثر الأدوات مرونة وفائدة في أدوات القوة لأي دولة إذا ما تم استخدامها بطريقة ذكية ومحترفة، ويمكن لهذه القوات القيام بأشياء عظيمة على المستوى التكتيكي، تعطي نتائج ومفاعيل ذات مستوى استراتيجي، كما أن استخدامها في بعض الأحيان يوفِّر ويجنِّب نشر وزج تشكيلات كبرى من القوات التقليدية، وبالتالي يتم تخفيف الكلفة والخسائر بالأرواح وبالعتاد. ونُلاحظ قيام العديد من الجيوش، لا سيما في الدول العربية، بإنشاء وتنظيم قوات عمليات خاصة، والاهتمام بتطوير قدرات هذه القوات من حيث التدريب الجسدي والنفسي، وتأمين أفضل العتاد والسلاح اللازم لها. وعلى المستوى العالمي، وبسبب تعاظم دور قوات العمليات الخاصة، أنشأت الولايات المتحدة في العام 1987، وضمن القيادات المعتمدة في القوات الأميركية، “قيادة العمليات الخاصة الأميركية-USSOCOM” والتي يقع مقرها الرئيسي في قاعدة “ماكديل الجوية” في تامبا، في ولاية فلوريدا، ويبلغ عديد القوات الخاصة الأميركية الفاعلة والمقسَّمة إلى وحداتِ مختلفة ومتعددة، حوالي 36 ألف عنصر، يقومون بمهام خارج الولايات المتحدة في 7 مسارح عمليات رئيسية حول العالم، ومن أبرزها مسرح عمليات القيادة الأميركية الوسطى (USCENTCOM) الذي يضم منطقة الشرق الأوسط.
لا شك أن مستقبل قوات المهام الخاصة سيكون واعداً حيث سيتم تزويدها بأحدث المعدات والتكنولوجيات العسكرية، وسيتطور دورها وتزداد مهامها أهمية على المستويات التكتيكية والعملياتية وأيضاً الإستراتيجية، وستكون الأكثر فعالية وتأثيراً في دعم العمليات القتالية التقليدية، كما أنَّ مجالات عملها ستمتد لتطال الفضاء الإلكتروني والحروب السيبرانية، ويُلاحظ عدم إيلاء شركات تصنيع الأسلحة والمعدات القتالية الإهتمام اللازم بمتطلبات وحاجات “قوات العمليات الخاصة”، لذا على هذه الشركات تطوير صناعاتها لتكون متناسبة مع طبيعة المهام وظروف القتال التي تواجهها هذه القوات، لا سيما في ما خص البذات القتالية والدروع والبنادق الرشاشة والمسدسات وأجهزة ووسائل الإتصال والمراقبة. وفي ظل الكلفة الباهظة لإنشاء الجيوش الكبيرة، ستكون “قوات المهام الخاصة” بديلاً ممتازاً عن الوحدات الثقيلة الكبرى للكثير من الدول، لا سيما تلك الصغيرة ذات القدرات المادية المحدودة.