تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية توتراً متزايداً منذ أحداث 7 أكتوبر الماضي، خاصة بعد ما أعلن الجيش الإسرائيلي مؤخراً سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الفاصل بين قطاع غزة ومصر.
وقبل ذلك بأيام، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأكاديمية العسكرية المصرية، يشاهد عرضاً اعتبره البعض رسالة إلى تل أبيب، حيث أثارت لقطات تُظهر تلقي الطلاب تدريبات خاصة على أسلوب مجابهة دبابات ميركافا (Merkava) الإسرائيلية وعيوبها، تفاعلاً كبيراً بين المراقبين وجدلاً في الإعلام الإسرائيلي.
ورغم التفوق التقني الهائل للدبابة الإسرائيلية، إلّا أن منافستها الدبابة أبرامز (Abrams) المصرية من النسخة A1M1 مع التحسينات التي أجريت عليها في القاهرة، جعلت ساحة التنافس بين الدبابتين مليئة بالتفاصيل الفنية، خاصة أن مصر تنتج الدبابة الأميركية باتفاق وقعته مع واشنطن منذ 1988، بعد إنتاج إسرائيل لأول دبابة من طراز ميركافا عام 1979.
ولم تتواجه الدباباتان من قبل على الإطلاق في أي معارك، إذ أن آخر المعارك بين الجيشين المصري والإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، وكانت مصر وقتها تستخدم الدبابات السوفيتية، فيما كانت القوات الإسرائيلية تستخدم دبابات أميركية وبريطانية الصنع.
رحلة التصنيع
وكشفت حرب 1973، عن معادلات جديدة في ميدان القتال المدرع بين مصر وإسرائيل، إذ وجدت تل أبيب نفسها مهددة كقوة مدرعة كبيرة، خاصة في مواجهة المقذوفات المضادة للدبابات من طراز “ساجر” روسية الصنع. وبعد معاهدة السلام بين البلدين في 1979، سعت إسرائيل إلى البحث عن تصميم جديد يلبي احتياجات جيشها، خاصة في المناطق الوعرة، مع توفير أقصى قدر من الحماية للجنود.
بينما كانت القاهرة تتوجه غرباً في عالم الدفاع، وتسعى لاستبدال ترساتنها السوفيتية بأخرى أميركية وغربية أكثر تطوراً وحداثة.
وفي سباق تطوير المعدات العسكرية بعد اتفاقية السلام، أنتجت إسرائيل أولى دباباتها من طراز ميركافا في 1979، بينما بدأ أول عمل ميداني للدبابات الإسرائيلية، في الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إذ ظهرت “الميركافا -1” كدبابة قتال رئيسية في الجبهة الشمالية التي تتميز بتضاريس وعرة.
في المقابل، كانت مصر تختبر أنظمة مختلفة من الدبابات غربية الصنع في ذلك الوقت، بما فيها دبابات تشالنجر (Challenger) البريطانية وأبرامز الأميركية، إلا أن اختيار القاهرة وقع على أبرامز التي أحدث ما تنتجه الترسانة الأميركية وقتها، وحتى اليوم ظلت الأبرامز بطرازاتها المختلفة، دبابة القتال الرئيسية للجيش الأميركي.
وبحلول أواخر عام 1988، توصلت مصر إلى اتفاق مع واشنطن لإنتاج 880 دبابة قتال رئيسية من طراز A1M1 على أن تنتج القاهرة 40% من المكونات مقابل إنتاج 60% من الدبابة في الولايات المتحدة ليتم نقل الإنتاج الأميركي إلى القاهرة لتجميعه بشكلٍ نهائي.
وفي يونيو 1992، أنتجت مصر أول دبابة من مصنع 200 الحربي حسبما أكدت صحيفة الأهرام الحكومية االرسمية، وبحلول 1994 كانت مصر قد أنتجت أول 100 دبابة من هذا الطراز، واستمر الإنتاج وزيادة المكون المحلي بصورة مستمرة.
وبحسب الموقع الحكومي للمعرض الدولي للصناعات العسكرية في مصر في عام 2018، فإن القاهرة أنتجت حوالي 1200 دبابة قتال رئيسية من طراز M1A1.
دبابة “الموت الهامس”
كانت مصر أول عميل خارج الولايات المتحدة، يتسلم طلبية من الدبابة أبرامز M1، حيث اختار الجيش المصري الطراز M1A1.
وتم تسليح النسخة الأولى من M1 Abrams بمدفع واحد عيار 105 مليمترات، بينما تم تسليح M1A1 بمدفع أملس M256 عيار 120 مليمتراً مزود بنظام مرجعي لقياس انحناء أنبوب المدفع، وتضم M1A1 Abrams طاقماً مكوناً من أربعة أفراد، بما في ذلك السائق والقائد والمدفعي ومحمل الذخيرة.
وتتميز الدبابة الأميركية التي تنتجها مصر، بمواصفات عدّة تجعلها واحدة من أكثر دبابات القتال الرئيسية MBT قدرة من ناحية النيران والمرونة. وهو ما يشكل ميزة رئيسية في استخدامها من قبل الجيش المصري، خاصة في المناطق الصحراوية المفتوحة مثل سيناء والصحراء الغربية.
وحسب نشرة المواصفات الفنية على موقع وزارة الإنتاج الحربي المصرية، فإن السرعة القصوى للدبابة على الطرق الممهدة تصل إلى 66.9 كيلومتر في الساعة، بينما على الطرق غير الممهدة تصل السرعة القصوى إلى 48.3 كيلومتر في الساعة.
ويبلغ الطول الكلي للدبابة مع المدفع الرئيسي موجهاً للأمام 9.8 متر وعرضها 143.8 بوصة. فيما يرتفع بطن الدبابة عن الأرض نحو نصف متر (19 بوصة)، ويبلغ ارتفاع سطح البرج عن الأرض 93.5 بوصة. فيما يبلغ وزن الدبابة 63 طناً.
ورغم قدراتها الحركية المميزة للغاية، إلا أن أبرامز المصرية تستطيع عبور موانع طبيعية وصناعية متعددة، فهي تستطيع تجاوز حاجز رأسي والمضي للأمام حتى ارتفاع 42 بوصة، كما تستطيع اجتياز خندق عرضه 9 أقدام.
وتمتلك الدبابة المصرية هيكلاً مدرعاً متقدماً، يشبه درع Chobham الذي تم تطويره في بريطانيا ويوفر الحماية ضد الأسلحة الموجهة المضادة للدبابات المعروفة باسم ATGWs وكذلك الذخيرة القياسية.
وتعتبر الميزات الرئيسية لـ M1A1 هي نظام التعليق الجديد، وتعديلات ناقل الحركة المختلفة، وحماية محسنة للدروع، وحامل مدفع برج M1A1 المعاد تصميمه ورف الصخب، من بين أشياء أخرى.
ووفقاً لموقع Military today، تتمتع M1A1 بحماية محسنة للدروع مقارنة بسابقتها. ويتم تخزين الذخيرة في البرج بألواح قابلة للتفجير لتحسين القدرة على البقاء وحماية الطاقم.
وتعتبر أحد أهم التحسينات، هو المدفع الأملس M256 عيار 120 مليمتراً، الذي تم تطويره في الأصل بواسطة Rheinmetall وتم إنتاجه في الولايات المتحدة الأميركية. وجرى تركيب نفس المدفع على Leopard 2 حتى الإصدار 2A5.
وتمتلك M1A1 Abrams مدى نيران فعال يزيد عن 4 كيلومترات، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال عملية “عاصفة الصحراء” عام 1991.
وجرى تطوير جولة خاصة خارقة للدروع من طراز M829A2 من أجل M1A1 لمواجهة التهديد الذي كانت تمتلكه أحدث دبابات القتال الرئيسية السوفيتية وقتها، ومن بعدها الروسية مثل T-80U وT-90، المزودة بدرع Kontakt-5 التفاعلي المتفجر.
ويتكون التسلح الثانوي من مدفع رشاش متحد المحور عيار 7.62 ملم، ومدفع رشاش آخر عيار 7.62 ملم مثبت على السقف يديره المدفعي، ومدفع رشاش عيار 12.7 ملم يديره القائد.
ويتم تشغيل الدبابة بواسطة محرك توربين غازي Avco Lycoming، بقوة 1500 حصان، وهو في الأساس محرك مروحية معدل، تم تكييفه للاستخدام على الدبابات.
ويتمتع هذا المحرك بأداء مثير للإعجاب وهو صغير الحجم بالنسبة لإنتاج الطاقة، ما جعل Abrams أسرع من العديد من الدبابات الأخرى ولها أداء متفوق، ويوصف المحرك بأنه “هادئ بشكل ملحوظ”، ليُطلق على دبابة Abrams “الموت الهامس”.
ويتمتع محرك توربين الغاز بفترات خدمة أطول بكثير من تلك الخاصة بمحركات الديزل، إلا أنه صيانته تحتاج خبرات أكبر من صيانة محركات الديزل.
قدرات “أبرامز” النيرانية
ومع السرعة العالية والفاعلية الديناميكية للدبابة المصرية، فإن لديها أجهزة رؤية ليلية/ نهارية مزدوجة ذات مجالات واسعة وضيقة، ضمن جهاز الرؤية الرئيسي للرامي.
كما تتضمن التجهيزات جهاز رؤية ليلية زوجية، وجهاز تحديد الأهداف بأشعة الليزر، بمدى يتراوح ما بين 200 إلى 7500 متر، فضلاً عن جهاز رؤية إضافة للرامي، وجهاز طوارئ لإطلاق النيران، وحاسب آلي باليستيكي، فضلاً عن جهاز لحركة البرج وتوازن المدفع، يمكن استخدامه مع قدرة طاقم الدبابة على تشغيل المدفع الرئيسي في الوقت نفسه.
وتتسلح الدبابة بخلاف المدفع الرئيسي برشاش للقائد عيار نصف بوصة من طراز M2 محمل على صينية دائرية تتحرك آلياً، وتتمتع أبرامز بزاوية أفقية لمجال النيران تمتد 360 درجة.
بخلاف ذلك، يتم تركيب رشاش موازي من طراز M240 من عيار 7.62 الآلي، وكذلك رشاش مماثل لمعمر الذخيرة مثبت على مزلاج، مع قاذف دخان من طراز M250، وعدد5 قنابل دخانية.
ويملك المدفع الرئيسي للدبابة، إمكانية إطلاق 40 طلقة، فيما يستطيع رشاش القائد إطلاق 1000 طلقة، وتستطيع الدبابة إطلاق 12400 طلقة من رشاشي المعمر والرشاش الموازي معاً، فضلاً عن 24 مقذوف من قاذف الدخان.
“الموت الهامس” وهو الاسم الذي تعرف به الدبابة أبرامز، يمثل جزءاً رئيسياً في إمكانياتها، خاصة مع الحركة السريعة وقدرات المناورة المتفوقة وقدرات رصد الأهداف بالليزر على مسافات تتجاوز 7 كيلومترات، والتعامل معها بمختلف الأسلحة، فضلاً عن الحماية الجيدة من الهجمات المضادة للمدرعات، فضلاً عن الإنتاج المحلي الكبير وخبرات الصيانة والتذخير والتصنيع. كل هذا يجعل من الدبابة المصرية، خصماً شرساً في أي مواجهات مفترضة.
رحلة Merkava الإسرائيلية
رغم أن إسرائيل وقّعت في مارس 1979 اتفاقية السلام الأولى، إلّا أن جيشها ظل يحاول الحفاظ على تفوق نوعي في مجال الحرب البرية، فجاءت دبابة ميركافا في نسختها الأولى لمواجهة حرب المناطق الوعرة، مع توفير أقصى حماية للجنود فظهرت بمدفع عيار 105 مليمترات، مع محرك ديزل في الأمام.
جاء التصميم المختلف للميركافا لتحقق 3 أهداف معاً، الأول هو التدريع المكثف لحماية الطاقم، والثاني هو القوة النيرانية المتفوقة، والثالث هو القدرة على التكامل بين منظومات النيران والتكنولوجيا معاً في حالتي الثبات والحركة.
درس الجيش الإسرائيلي تطور التهديدات التي يواجهها، فزادت الصناعة الدفاعية الإسرائيلية قدرة المحرك من 1200 في طرازات ميركافا 3 إلى 1500 حصان لطرازات ميركافا 4 وميركافا البرق الأكثر حداثة.
وتمتلك الميركافا واحداً من أعقد الدروع التفاعلية لحماية طواقم الدبابات في العالم، وهو ما يجعل الدبابة أكثر ثقلاً، لكنها في الوقت نفسه، مثالية للتحرك في حروب المدن والمناطق الضيقة، إذ توفر طبقات التدريع المحكمة حماية كبيرة لطاقم الدبابة.
ومع تطور التهديدات التي تواجه الميركافا، من الدبابات إلى المقذوفات المضادة ثم العبوات الناسفة، تزايد وزن الدبابة مع إضافة طبقات متتالية من التدريع، حتى وصل وزنها من طراز “مارك 4” إلى 75 طناً، وإضافة نظام تروفي المضاد النشط للمقذوفات الموجهة، مع إضافة إمكانية توفير رؤية 360 درجة للمحيط خارج الدبابة عبر تقنيات خاصة تتصل بخوذة قائد المركبة.
ويتكون طاقم الميركافا من 4 أفراد، خاصة طراز ميركافا MK-4، وتزن الدبابة نحو 65 طناً، ويبلغ طولها 9 أمتار مع توجيه المدفع الرئيس للأمام، فيما تتمتع بمدى عملياتي يصل إلى 500 كيلومتر، ويبلغ ارتفاع الدبابة 2.66 متر عن الأرض، فيما يبلغ عرضها 3.72 متر، وتبلغ أقصى سرعة لها 60 كيلومتراً في الساعة.
وتتميز الدبابة الإسرائيلية بتنوع وسائل النيران على متنها، فهي تمتلك نظاماً لإطلاق قذائف الهاون فضلاً عن الصواريخ المضادة للدبابات، وبدأ إنتاج الدبابة لصالح الجيش الإسرائيلي في 2004، فيما ظهر تحسين جديد في طراز ميركافا MK.4 Meil Ruanch بتدريع إضافي في عام 2009، وأعلنت إسرائيل في 2011 عن تجهيز أول لواء مدرع بهذه الدبابات.
“البرق المدرع”
ورغم الخصائص المتعددة للدبابة الميركافا، استمر التطوير وأنتجت إسرائيل، أنظمة تقنية تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحسين خصائص الدبابة، وكشفت تل أبيب في 2023 عن أحدث نسخة من عائلة دبابات Merkava، والتي يطلق عليها جيش الدفاع الإسرائيلي “باراك” والتي تعني البرق عند الترجمة من العبرية.
وخضعت الدبابة الإسرائيلية Merkava V الأحدث، للتطوير والتجارب على مدار نصف العقد الماضي، وفقاً لما ذكره موقع Breaking Defense.
وقدمت وزارة الدفاع الإسرائيلية الدبابة الأحدث على أنها “المفتاح لمستقبل الجيش الإسرائيلي”، كونها تضم أحدث أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي والشبكات ونظام الحماية النشط وتطورات تكنولوجية ليس هيكلية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، في بيان في سبتمبر الماضي، إن العصر الجديد الذي بدأته دبابة باراك، هو “قفزة استثنائية” وتعبير عن القدرات التكنولوجية التي تعمل باستمرار على تعزيز وتأمين الميزة النوعية للجيش الإسرائيلي، سواء في الدفاع أو الهجوم. وتشمل التقنيات المتطورة في الدبابة باراك، خوذة Iron Vision، التي صنعتها شركة Elbit Systems، والتي سيتم نشرها لأول مرة مع الدبابة الجديدة.
وقال مسؤول في شركة Elbit Systems، في مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي، إن النظام الجديد، المرتبط بأجهزة استشعار على الجزء الخارجي من الدبابة، يُمكّن القائد، من رؤية محيطية خارج الدبابة.
ويظهر الفيديو الذي نشرته الدفاع الإسرائيلية، الدبابة متصلة بشبكة اتصالات مع المقر الرئيسي والوحدات الأخرى، من خلال نظام Torch C4i.
وذكرت شركة Elbit، أن الدبابة تتمتع بقدرات معالجة الصور والذكاء الاصطناعي الذي يساعد أجهزة الاستشعار الخاصة بها على فرز البيانات وتحديد الأشياء، بحيث يمكن للسائق أو المدفعي أو القائد استخدام الشاشات الموجودة داخل الدبابة للتحقيق في التهديدات وتحييدها.
ويستخدم المشغلون وحدة تحكم في السلاح تشبه عصا التحكم في الطيران، كما أن الدبابة “باراك” تشتمل أيضاً على نظام الحماية النشط من شركة Rafael.
ويتميز تصميم Merkava V بوضع السائق على الجانب الأيسر من الهيكل، والبرج الموجود في الجزء الخلفي من الهيكل، والمحرك الموجود في المقدمة.
وتعد الميركافا هي الدبابة الرئيسية التي تشكل العمود الفقري لسلاح المدرعات الإسرائيلي، بتنويعاتها المختلفة، وهي مصممة بالأساس لتحقيق أكبر قدرة نيرانية مع أفضل حماية للطاقم بداخلها مستعينة على نقاط ضعفها بمزيج من التقنيات الدفاعية التي تملكها الدبابة، وقدرة المدرعات الإسرائيلية على الاتصال بمختلف القوات الإسرائيلية في الوقت الفعلي خلال العمليات.