أهمية مراكز البحوث في صنع القرارين السياسي والأمني

العقيد الركن م. ظافر مراد

يُعتبر القرار السياسي والمواقف الناتجة عنه على مستوى الأمن والدفاع، مسألة غاية في الأهمية وفي التعقيد، حيث أنه من ناحية التأثير، يأخذ مداه في المساحة الوطنية أو الحزبية، وربما يتجاوز الحدود لتصل مفاعيله إلى المستوى الإقليمي أو الدولي، وللقرار السياسي عدة أوجه وإعتبارات، أولها وأهمها هو إعتبار المسؤولية، فالقرار السياسي يؤثر في مستقبل الأوطان وفي حياة شريحة كبيرة من الناس على مستوى الوطن بكامله، لذلك على متَّخذ القرار السياسي أن يتحلى بدرجة عالية من المسؤولية، وأن يكون ملماً جداً بمجال قراره، ويتحلَّى بالخبرة العميقة والحكمة والدراية.    

يحتاج أصحاب القرار في قضايا الأمن والدفاع إلى الكثير من التفاصيل والمعلومات الدقيقة والصحيحة في مجال عملهم الهام والحساس، والذي يتَّسم بكثير من الخطورة، وتترتب عليه الكثير من العواقب المميتة والمدمرة في حال أي خطأ أو سوء تقدير، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في تاريخ الجيوش العربية.

من المفترض أن يتبوأ صانع القرار مركزه بنتيجة كفاءته وجدارته في تولي المنصب، والذي يمنحه حق صناعة القرار، أو المشاركة في صناعة القرار، أو حتي إتخاذ القرار من تلقاء نفسه، ولكن هذه الكفاءة والجدارة تكون في معظم الأحيان غير كافية لتوضيح الرؤية والتفاصيل الدقيقة على طريق تحضير القرار، وسط كم هائل من المعلومات المتناقضة والمتعارضة، لذلك يتم الإستعانة بمستشارين وباحثين في شؤون متعددة، وهؤلاء هم أشخاص ومؤسسات متخصصة في مسائل الأمن والدفاع وتكنولوجيا الأسلحة الحديثة ونظريات القتال على المستويات التكتية والعملياتية والإستراتيجية، لذلك يُفضَّل أن يكون السياسي صاحب القرار المهتم بشؤون الدفاع، أو وزير الدفاع، حائزاً على خلفية وتاريخ مهني عسكري، لكي يفهم اللغة العسكرية وطرق ووسائل الدفاع، ونظريات الصراع والمواجهة التي سيتحدث بها مع مستشاريه ومرؤوسيه العسكريين.

تُعتبر مراكز البحوث والدراسات المتنوعة الإختصاصات، مصدراً للكثير من المعلومات الهامة والدقيقة، والتي تنتجها مجموعة من الخبراء والمتخصصين، وإزدادت أهمية مراكز البحوث بشكلٍ خاص في شؤون السياسة والأمن والدفاع، وأصبحت مُنتجاتها من أهم مصادر صناعة القرار. 

‌إشتهر مصطلح “Think Tank” أو مراكز الفكر، وهو مصطلح أميركي، في التأثير في صناعة القرار في الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعتبر الأولى عالمياً في عدد مراكز الأبحاث ودرجة كفاءتها، وتُعَرِّف مؤسسة راند “RAND” مراكز الأبحاث بأنها ” تلك الجماعات أو المعاهد المنظمة بهدف إجراء بحوث مركزة ومكثفة، وهي تقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنولوجية، والإجتماعية، والعسكرية، والاستراتيجية، وأيضاً ما يتعلق بالأمن القومي والتسلح” ‌، ويمكن النظر الى مراكز البحوث والدراسات على أنها تقع ضمن مقتضيات الضرورات السياسية والأمنية، وذلك بإعتبارها الطريقة الأمثل لإيصال المعرفة، من خلال ما تقدمه من إصدرات علمية وندوات متخصصة من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار ولدى المؤسسات والأفراد، وتساعدهم على الربط بين الوقائع الميدانية وإطارها العلمي النظري.

من أهم ما يميِّز مراكز البحوث، أنَّها بمعظمها مؤسسات مستقلة غير حكومية وغير هادفة للربح ، تسعى لتقديم المعرفة من خلال الربط بين البُعد الأكاديمي والفعل العملي على أرض الواقع، ولديها القدرة وفقاً لإختصاصها، على إيجاد حلول آنية ومستقبلية للمشاكل والمعضلات، ووضع البيانات والمعلومات الدقيقة بين يدي صانع القرار، ولكي تنجح بعملها، يجب أن تكون متجردة من أي تأثير سياسي أو أيديولوجي أو مادي.

تَختصر مهمة مراكز البحوث عبارة موجزة لمركز بحوث أميركي يلخص مهمته في العبارة التالية: “Helping to bridge the gap between knowledge and policy” وتعني أن مهمة المركز هي “المساعدة في سد الفجوة بين المعرفة والسياسات”، ومن المعلوم أن لدى الولايات المتحدة ما يزيد عن 1835 مركزاً بحثياً (حوالي 400 مركز في واشنطن وحدها)، وهو رقم يتجاوز ما لدى أوروبا مجتمعة التي أمكن رصد 1770 مركزاً فيها، أما بالنسبة للدول العربية، فلديها حوالي 140 مركز ابحاث، أي ما يعادل نسبة 6% من العدد العالمي.

يتم تقييم عمل مراكز البحوث العالمية إستناداً لعدة إعتبارات، أبرزها الشفافية والمصداقية والتجرد والقدرة على التأثير والقدرة على إيجاد الحلول والإجابات المناسبة للمعضلات…، ويأتي ترتيب مراكز البحوث العالمية التي تعني بالشؤون السياسية والأمنية على الشكل التالي:

  1. Carnegie Endowment for International Peace – United States
  2. Bruegel – Belgium
  3. French Institute of International Relations (IFRI) – France
  4. Center for Strategic and International Studies — United States
  5. Fundação Getulio Vargas — Brazil
  6. Chatham House — United Kingdom
  7. International Institute for Strategic Studies (IISS) — United Kingdom
  8. Heritage Foundation — United States
  9. Peterson Institute for International Economics (PIIE) — United States
  10. Woodrow Wilson International Center for Scholars — United States
  11. Center for American Progress (CAP) — United States
  12. RAND Corporation — United States
  13. Japan Institute of International Affairs — Japan
  14. Fraser Institute — Canada
  15. Konrad Adenauer Foundation — Germany

أما على صعيد منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، فيأتي الترتيب على الشكل التالي:

  1. Institute for National Security Studies (INSS) — Israel
  2. Carnegie Middle East Center — Lebanon
  3. Al-Ahram Center for Political and Strategic Studies — Egypt
  4. Al Jazeera Centre for Studies (AJCS) — Qatar
  5. Brookings Doha Center — Qatar
  6. Emirates Policy Center — United Arab Emirates
  7. OCP Policy Center — Morocco
  8. International Institute for Iranian Studies, Rasanah – Saudi Arabia
  9. Israel Democracy Institute (IDI) — Israel
  10. Turkish Economic and Social Studies Foundation (TESEV) — Turkey

تحتاج كل منطقة وكل بلد وكل مجموعة سياسية إلى أن يكون لديها مراكز أبحاثها الخاصة، ومن الخطأ الإعتماد على مراكز البحوث الأجنبية في قضايا الأمن والدفاع، فتلك المراكز تقارب تلك المسائل من وجهة نظر مختلفة، لا تأخذ بعين الإعتبار العديد من العوامل والإعتبارات الهامة في استخلاص الحلول والنتائج وفي صناعة القرار. وفي مسائل الأمن والدفاع، تُعتبر عملية تحليل وفهم البيئة الداخلية لمنطقة العمليات أو لمسرح الصراع، من أصعب القضايا التي تعترض مراكز الأبحاث وصناع القرار، ونعطي مثلاً ما حدث مع القوات الأميركية في أفغانستان والعراق، حيث كانت النهايات معاكسة تماماً لرغباتهم ومخططاتهم التي عملوا من أجلها، فتسبب ذلك بخسائر كبيرة وفي فشل عملية إعادة الإستقرار وتمكين السلطة في هذين البلدين، وعدم القدرة على خلق بيئة موالية تضمن مصالح الولايات المتحدة لزمنٍ طويل.

 وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية صاحبة النفوذ والقدرة الأكثر تأثيراً على الأحداث الدولية، فإن دور مراكز البحوث والدراسات بالغ الأهمية وله تأثير مباشر في صنع سياستها الخارجية، حيث أن دوائر صنع القرار فيها، تلجأ إلى منتجات ومخرجات هذه المراكز، وهناك ترابط هام ومحوري بين ما تتوصل إليه تلك المراكز من نتائج بحثية والتوصيات المقترحة وبين السياسات التي تنتهجها الإدارات الأمريكية المختلفة والمتعاقبة.

‌يلفتنا في نهاية هذا المقال، الواقع المتواضع والضعيف لمراكز البحوث والدراسات في الدول العربية، ودرجة الإعتماد الكبيرة على دراسات وتقارير وأبحاث المراكز الدولية المشهورة، خاصة تلك الغربية منها، إضافةً إلى وجود مراكز أبحاث غير شفافة وغير متجردة، وبعضها خاضع لجهات سياسية معينة، مهمتها الأساسية التأثير السياسي في الرأي العام وتضليل الجماهير.