واصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية التحذير الشديد من تعاظم قوة الجيش المصري وقوته العسكرية غير المسبوقة خاصة داخل شبه جزيرة سيناء وتأثير ذلك على الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي تقرير مطول لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية تحت عنوان “اتفاقية السلام لم تغير موقف الجيش المصري من إسرائيل كتهديد”، قالت الصحيفة العبرية إنه في حين يرى الكثيرون أن فكرة دخول الجيش المصري لحرب عفا عليها الزمن، إلا أنه لا يتوقف عن تعزيز قوته بمئات الآلاف من الجنود النشطين والأسلحة الثقيلة والخفيفة من دول مختلفة حول العالم على رأسها روسيا ويزعم أن هناك تعاونا مع إسرائيل ولا توجد أي حرب في الأفاق.
وقالت الصحيفة في تقريرها إنه على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، كان الجيش المصري يعتبر أحد أعداء إسرائيل الرئيسيين، وحتى بعد اتفاقية السلام عام 1978، تعتبر العلاقة بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي “قضية حساسة”، وقبل أسبوعين فقط تلقت تل أبيب مثالا على ذلك مع حادثة إطلاق النار عند معبر رفح.
وقال المحلل العسكري بالصحيفة العبرية والذي أعد التقرير، ليئور بن آري، إنه عندما نتحدث عن جيش مصر، فإننا نتحدث عن جيش يمثل حرفيًا جزءًا من البلاد ويؤثر عليها في كل جانب ممكن تقريبًا، وأن هذا الواقع ليس جديدا في البلاد، مشيرا إلى أن معظم رؤساء مصر تقريبًا جاءوا من المؤسسة العسكرية، جمال ناصر وأنور السادات، وحسني مبارك والسيسي.
وأضاف تقرير الصحيفة العبرية أن الجيش المصري يعتبر من أكبر الجيوش المجاورة لإسرائيل ويتمتع بقدر لا بأس به من المعدات العسكرية والذخيرة، وأنه إذا كان في الماضي من يعتقد أن هذا جيش عفا عليه الزمن، فهذه نصف الحقيقة، فالأسلحة والأدوات والذخيرة تأتي إليه من مصادر مختلفة، بحيث تكون في الحقيقة جديدة وقديمة معًا.
وتابع: “رغم أن بعض الأدوات والأسلحة التي بحوزة الجيش المصري قديمة، إلا أن مصر ليست ضعيفة، واحتلت المرتبة 15 في تصنيف القوة العسكرية لعام 2024 لموقع GlobalFirePower، بعد مرتبة واحدة تحت إيران وأكبر بمكانتين فوق إسرائيل التي احتلت المرتبة 17، وبحسب هذا الموقع المتخصص في الجيوش حول العالم، فتمتلك مصر أكثر من 1000 طائرة عسكرية من مختلف الأنواع، لا تشمل الطائرات بدون طيار، وأكثر من 5000 دبابة وعشرات السفن الحربية، من بينها ثماني غواصات”.
وأضاف: “يعتمد معظم التعزيز العسكري لمصر على منح المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة، لكن الجار الجنوبي لمصر لا يعتمد على الأسلحة الأمريكية فقط، ويشترون معدات عسكرية من روسيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا أيضًا، وهذا درس من السنوات الماضية، عندما توقفت المساعدات الأميركية، ولم يكن لدى مصر إمكانية تسليح نفسها، لكن الوضع الحالي يعني أنه إلى جانب المعدات الأمريكية، تمتلك مصر مدمرات إيطالية ودفاع جوي روسي متطور للغاية”.
واستطرد قائلا: “في الوقت نفسه، تعمل مصر على تعزيز علاقاتها الطيبة مع روسيا والصين، وتقوم موسكو ببناء مفاعلات نووية مدنية في جميع أنحاء مصر، وهو ما يحقق طفرة في قدرات المصريين ومعارفهم بالطاقة النووية، ومن ناحية أخرى، تتعاون الصين مع القاهرة في مجالات النقل وتنمية المدن والمناطق الصناعية”.
وتابع: “وفقا لبيانات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فإن الجيش المصري لديه حوالي 450 ألف جندي عامل، ويُلزم كل شاب يزيد عمره عن 18 عامًا بالتجنيد في الجيش لمدة تتراوح بين 14 و36 شهرًا، حسب مستوى تعليمه، وسيُطلب من أولئك الذين يتركون المدرسة الحد الأقصى الممكن، بينما يخدم خريجو الجامعات لفترة زمنية أقصر، وبعد التسريح من الخدمة الإلزامية، يلزم كل جندي في الخدمة الاحتياطية لمدة تسع سنوات”.
وأضاف التقرير العبري: “التهديد الرئيسي الذي يشغل بال الجيش المصري هو الإرهاب في أراضي البلاد، وعلى وجه التحديد في شبه جزيرة سيناء، وفي القاهرة، يحاولون الحفاظ على الاستقرار الداخلي، بينما تعمل التنظيمات المسلحة مثل داعش والإخوان المسلمين في أراضيها، تتم العمليات العسكرية للجيش داخل منطقة سيناء جزئيًا بالتنسيق مع إسرائيل”.
وأوضح الخبير الإسرائيلي في الشأن المصري الذي أكتفت الصحيفة بكتابة الحرف الأول فقط من اسمه “س”: “إنه بموجب اتفاقية السلام هناك حدود لدخول القوات المصرية، وحتى داخل سيناء هناك تقسيم للمناطق، والمنطقة المتاخمة للحدود هي المنطقة (ج)، حيث يُسمح فقط لقوات الشرطة وهناك قيود على القوات الجوية والمراقبة الجوية، وبسبب المصلحة المشتركة، سمحت إسرائيل بالمرونة ودخول القوات المصرية لمحاربة داعش خلال السنوات الأخيرة”.
وقال الدكتور أوفير وينتر، الباحث الإسرائيلي البارز في معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، إن “الحرب ضد العناصر الإرهابية في شبه جزيرة سيناء أدت إلى رفع مستوى التنسيق العسكري بين مصر وإسرائيل على حدود البلدين”.
وأضاف: “إلى جانب الموافقة على إدخال قوات عسكرية كبيرة إلى سيناء، دعمت إسرائيل بيع أسلحة غربية متقدمة لمصر، مثل الطائرات المقاتلة والغواصات”، على حد زعمه.
وأضاف وينتر: “بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لتقارير أجنبية، نقلت إسرائيل تقنيات عسكرية واستخباراتية عملياتية إلى مصر، بل وقامت بتشغيل طائرات هجومية في سيناء بموافقة القاهرة”، وكشفت لها بعض أنفاق التهريب بين غزة وسيناء، والتي شملت تدمير أكثر من 1500 نفق، بحسب مصادر مصرية، وإنشاء منطقة عازلة على الجانب المصري من الحدود”.
وتابع: “على مر السنين، تحرك الجيش المصري بشكل مكثف ضد الأنفاق المؤدية إلى قطاع غزة، وهو نشاط لم ينجح فيه بشكل كامل، كما ظهر في الأيام الأخيرة في القتال في منطقة رفح، خلال العملية في محور فيلادلفيا، حيث عثر الجيش الإسرائيلي على نحو 20 نفقا في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة ومصر، بعضها يعبر السياج الحدودي”.
وفسر المحلل الإسرائيلي “س” ذلك بالقول إن المصريين في وضع بين صخرة ومكان صعب، فمن ناحية، يخشى الجيش المصري من انتقال العناصر الإرهابية من قطاع غزة إلى سيناء، ومن ناحية أخرى، يعيش السكان البدو في سيناء على الأنفاق، ففي اللحظة التي تغلق فيها تجارة الأنفاق التي تشمل الأسلحة والمخدرات أمام القبائل، فإنك قد تضر باستقرارهم وولائها للحكومة، لذلك تحاول مصر إظهار أنها تعمل ضد الظاهرة، ولكن لا تزال هناك أنفاق، على حد قوله.
وتابع: “قبل نحو شهرين زار الرئيس المصري السيسي الكلية الحربية، وظهر في الصورة التي نشرها مكتبه، وسرعان ما تمت إزالتها بعد ذلك، المتدربون المصريون وهم يجلسون ويتعلمون كيفية التعامل مع الدبابة ميركافا الإسرائيلية، فبعد مرور أكثر من 50 عامًا على الحرب الأخيرة بين البلدين، تجري في مصر دراسة قدرات الجيش الإسرائيلي”.
وأضاف: “تاريخ نشر الصور، قبيل العملية العسكرية في رفح، أثار التساؤل عما إذا كانت رسالة مصرية لإسرائيل تحذر فيها من العملية أم لا، ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادر زعمت أن مصر نشرت الصور للتأكيد على أنها تدرس نقاط الضعف والقوة في الدبابة الإسرائيلية وكيفية التعامل معها، وقال مسؤول مصري آخر للصحيفة إن التعرف على الأسلحة الإسرائيلية أمر طبيعي”.
وأوضح : “اتفاقية السلام لم تغير الموقف الأساسي تجاه إسرائيل باعتبارها تهديدًا كبيرًا لمصر، فمن بين أمور أخرى من وجهة نظر عسكرية تريد مصر، في هذا الإطار، أن تكون مستعدة لانهيار اتفاق السلام وللحظة التي يتعين عليها فيها مواجهة الجيش الإسرائيلي، وليس من الواضح ما الذي يستعدون له وما هو التهديد الذي يشيرون إليه، فلن تكون مصر هي التي ستتخذ خطوة لإلغاء اتفاق السلام، لكن الأحداث في الشرق الأوسط يمكن أن تتكشف بسرعة كبيرة”.
وتابع: “من الناحية العسكرية، إذا تم إلغاء اتفاق السلام في أي مرحلة، فستكون مصر قادرة على إرسال قوات إلى سيناء وتشكل تهديدًا للحدود بأكملها، وهي حدود طويلة، ويعيش في مصر حوالي 110 ملايين شخص معظمهم من الشباب، لذا فإن إمكانيات التجنيد كبيرة جدًا، والجيش المصري معروف أيضًا بروحه القتالية، وعندما يكون أمام إسرائيل يمكن أن يثير مشاعر أقوى”.
وأضاف: “لكن في هذه الأثناء لا يوجد خطر حقيقي على اتفاق السلام، وهناك تنسيق أمني واسع النطاق بين إسرائيل ومصر، حتى لو ظلت العلاقات العسكرية تحت السطح”.
فيما قال البروفيسور الإسرائيلي أون باراك، الخبير في شؤون مصر من قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب للصحيفة العبرية: “أن الجيش المصري مرتبط بإسرائيل كشريك تجاري واقتصادي لا يقل عن كونه حليفًا عسكريًا، وعلى سبيل المثال، نزودهم بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي من خزان تمار، ويعتمد عليه المصريون – من مستوى احتياطياتهم من النقد الأجنبي إلى استقرار شبكة الكهرباء التي تتعثر خلال أيام موجات الحر الشديدة، ولهذا السبب من المستحيل فصل أمن الطاقة عن الجوانب الأمنية الأخرى التي يثق بها الجيش”.
ووفقا للبروفيسور باراك، فإن “الأمن هو أيضا أمن الطاقة والتغذية والأمن الاقتصاد،. فالجيش المصري هو ركيزة أساسية للاقتصاد المصري، والقيادة المصرية ليست عمياء عن الأبعاد الاقتصادية والأمنية للعلاقة مع إسرائيل، وكل هذه الأمور”.
وأضاف أن “المستويات مهمة لفهم الخيارات التي يتخذها المصريون وسيتخذونها، فضلا عن مرونة اتفاق السلام”.
ولفت تقرير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن اتفاقية السلام سمحت للجيش المصري بالإخلاء وتوجيه الموارد من التسليح إلى قنوات أخرى، قائلا: “”لقد فعلنا ذلك أيضًا، وقد فعلوا ذلك أيضًا”.
وأوضح البروفيسور باراك: “إن المدخلات التي يستثمرها الجيشان في الحدود، وهي حدود السلام، مختلفة تمامًا مقارنة بفترة ما قبل عام 1979، وهذه هي ميزانية الدفاع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي انخفضت بشكل كبير في مصر بعد السلام”.
فيما خلص البروفيسور باراك حديثه للصحيفة العبرية قائلا: “سلوك الجيش المصري يثير شكوكا جدية حول نيته تجاه إسرائيل، كما أن سلوك إسرائيل في الأشهر الأخيرة يدل على أنه ليس من المستحسن الاعتماد على العقلانية الاقتصادية بشكل مفرط في التعامل مع مصر، ويظهر أن هناك حكومات لا تتردد في العمل ضد المصالح العامة الواضحة، ولسوء الحظ، هذا صحيح في كل من مصر وإسرائيل”.
فيما قال الدكتور وينتر: “فضلت مصر عدم الإعلان عن مساعدتها لإسرائيل في الحرب على الإرهاب بسيناء، وظلت الطبيعة الدقيقة للتعاون العسكري ملكًا لعدد قليل من الجانبين”.
وتابع الدكتور وينتر: “حتى خلال الحرب الحالية، تستمر العلاقات الأمنية الهادئة بين البلدين وتجتمع الوفود الأمنية على مختلف المستويات”، مضيفاً أن “هذه العلاقات تساعد في تخفيف بعض التوترات القائمة بين الأطراف وحل النزاعات والأزمات، مثل حادثة إطلاق النار على حدود رفح”.
وتابع: “كانت هناك بالفعل عدة حالات في الماضي تمركز فيها جنود على الحدود مع إسرائيل وقاموا بتنفيذ هجمات إطلاق نار قُتل فيها إسرائيليون أيضًا، وقبل عام، قُتل ثلاثة جنود إسرائيليين برصاص شرطي مصري اخترق الحدود مع إسرائيل، حيث اخترق الشرطي المصري السياج في منطقة هار حريف دون أن يتم اكتشافه، وقدر الجيش أنه سار مسافة عدة كيلومترات حتى وصل لباب الطوارئ الذي كان يغلق بالأصفاد فقط وفتحه بسهولة وقتل الشرطي المصري الذي كان يدعى محمد صلاح مقاتلاً ومقاتلة كانا معاً في الموقع، وأثناء تبادل إطلاق النار مع القوات الموجودة في الميدان، سقط مقاتل آخر”.
وتابع: “على الرغم من هذا الحدث، وما سبقه، فإن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر استمر، ومن مصلحة الجانبين الحفاظ عليه”.
واختتم حديثه قائلاً: “ومع ذلك، يجب أن تكون أعيننا متيقظة دائماً لجيشهم وما يخططون له، وإذا انقلب الأمر قد نجد الجيش المصري في مواجهة لنا، وهو ما سيتطلب توجيه قوات كبيرة لردعه أو إيقافه أو مواجهته”.
المصدر: يديعوت أحرونوت