تصعيد في الجبهات من غزة إلى أوكرانيا.. ما وراء التنسيق الأميركي الإسرائيلي والتوترات المتزايدة

 العقيد الركن م. ظافر مراد

تبدو الأمور واضحة وعلى عكس ما يعتقد البعض، فحكومة نتانياهو لا تريد أي صفقة تعطي حماس جزءًا يسيرًا من طلباتها، كي لا تكون واقعة طوفان الأقصى مثالاً يُحتذى به مستقبلاً. وعلى الرغم من الضغوط المعلنة على هذه الحكومة، إلا أنه في مكان ما يتم التنسيق على أعلى المستويات مع الإدارة الأميركية في الشؤون العسكرية والأمنية، وتقديم كل الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل. وعلى الرغم من جرعات التفاؤل المتقطعة، لا يبدو أن هناك أملًا في التوصل إلى أي اتفاق حاليًا، خاصة مع إقدام الجيش الإسرائيلي على مهاجمة بعض مناطق الضفة الغربية، والتي يُعتقد أنها ستزداد شراسة مع الوقت. أما في شأن الجبهة الشمالية مع لبنان، فيخطئ من يظن أنها مرتبطة بالتفاوض على وقف القتال في غزة، فملف الشمال هو ملف مستقل سيتم الخوض فيه لاحقًا، والحرب فيه لم تنتهِ، وهو مفتوح على أقصى درجات التصعيد. وتعوّل إسرائيل فيه على الدعم الغربي والأميركي الاستخباراتي والعسكري، وقد استكملت بشأنه كافة تحضيراتها الميدانية. حيث يعتقد كثيرون في الداخل الإسرائيلي أن الجبهة الشمالية يجب أن تُعطى أولوية مقابل تخفيف الضغط والجهد العسكري في غزة. وفي المقابل، يستعد حزب الله لهذه المعركة بشكلٍ جدي، وهو لم يكشف إلا جزءًا قليلًا من قدراته الصاروخية، بانتظار المواجهة الكبرى المحتملة.

البحر الأحمر واستهداف العبور:

تواجه الولايات المتحدة والدول الغربية معضلة حقيقية في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وقد أُصيبت بنكسات عديدة بسبب فشلها في وقف هجمات الحوثيين الصاروخية، حيث إن ذلك يتطلب عددًا كبيرًا جدًا من المنظومات والوسائط العسكرية البحرية والجوية، التي يجب أن تعمل بشكلٍ متواصل ولفترة طويلة لتحييد قدرات الحوثيين بشكلٍ نهائي. وهذا سيكون أشبه بحرب شاملة لن تخوضها الولايات المتحدة ولا أي دولة أخرى حاليًا، فالكلفة المرصودة لهذه المهمة لا تكفي لذلك، وهي تجاوزت ما كان متوقعًا. وعلى الأرجح، سيبقى الوضع على ما هو عليه بانتظار قرار دولي حاسم لن يُتخذ قبل صدور نتائج الانتخابات الأميركية.

على صعيد الانتخابات الأميركية:

أتوقع سقوط هاريس في الانتخابات، فعلى الرغم من الحملة الإعلامية الكبيرة والمنظمة التي تدعم هاريس وتهاجم ترامب، إلا أن ذلك لم يقنع مجموعات الضغط المؤثرة ومعظم الجمهور الأميركي. وجاءت نتائج استطلاعات الرأي عند الأميركيين غير حاسمة بسبب التقارب الكبير في النتائج. وهنا يجب ألا ننسى أن أداء هاريس كمساعدة للرئيس لم يكن جيدًا أو مؤثرًا في الكثير من القرارات، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية كبرى في كل المسائل الخلافية، خاصة بعد أن ثبت تراجع الوضع الصحي والعقلي للرئيس بايدن. وهي في الحقيقة لا تمتلك أي شيء جديد يحفز الأميركيين لإعادة انتخاب نفس النهج السابق الذي بات معروفًا، وهو استكمال لنهج أوباما بما يشمله هذا النهج من تواصل وتفاوض مع إيران على نسخة جديدة من الاتفاق النووي. وهذا يفسر عودة محمد جواد ظريف عن استقالته كنائب للرئيس الإيراني المنتخب، وإعلان الرئيس الإيراني عن حاجة بلاده للاستثمار الأجنبي بقيمة 100 مليار دولار، ورغبته في زيارة نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا كله حدث بعد ظهور بوادر نجاح الديمقراطيين في الانتخابات الأميركية من خلال الظهور الإعلامي للمرشحة الديمقراطية. وفي هذا الشأن، يرفض اللوبي الصهيوني هذا النهج ويرفض الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وهو على الأرجح سيدعم ترامب وربما ستكون له كلمة الفصل في الانتخابات.

على الجبهة الأوكرانية:

فاجأ الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الروسية، والذي نجح في مراحله الأولى نجاحًا كبيرًا، القيادة الروسية وعلى رأسها بوتين، ومثّل ذلك أقصى ضربة عسكرية ومعنوية تلقتها روسيا في تاريخها الحديث، ونقطة سوداء من الصعب محوها أو تجاوز آثارها مستقبلاً. ويجب الاعتراف بأن الهجوم كان قرارًا جريئًا حمل الكثير من المخاطر، وكان الهدف منه تخفيف الضغط عن الجبهة الأوكرانية في منطقة بوكروفسك. ولكن الروس لا يزالون يركزون ويتقدمون في هذه الجبهة، ولم يؤثر الهجوم الأوكراني على زخم الهجوم الروسي الهادف إلى السيطرة على عقدة طرق الإمداد هناك، حيث تعتبر المدينة شريانًا حيويًا لخط الدفاع الأوكراني في دونباس. وتكمن المشكلة لدى الطرفين في أن المساحات الجديدة والكبيرة للأرض المسيطر عليها تتطلب أعدادًا كبيرة من الوحدات التي يجب أن تؤمن استمرارية السيطرة عليها، حيث تكمن المعضلة في عملية الاقتصاد بالقوى وتوزيعها بشكلٍ حكيم. ويبدو أن الجيش الروسي يتعامل مع القوات الأوكرانية في كورسك بمبدأ الاحتواء والتثبيت، ليصار لاحقًا إلى زج الهجوم المضاد، والذي لا يُتوقع أن يبدأ قبل السيطرة على بوكروفسك. ويكمن الخطر على القوات الأوكرانية في كورسك في أنها معرضة للتطويق في حال لم توسع جبهة الخرق لتصبح واسعة بما يكفي لمنع الروس من المناورة خلف القوات الأوكرانية، لأنها حينها ستصبح معزولة عن الإمدادات من الجانب الأوكراني. كما أن وفقًا للعدد المقدّر للقوات الأوكرانية هناك (حوالي 15 إلى 20 ألف)، فهي لا تستطيع استكمال الهجوم واحتلال مناطق جديدة وتشتيت قواها. وفي ظل المزيد من التعقيدات في المناورات البرية لدى الطرفين، يسعى الطرفان لتأمين خطوط الإمداد الطرقية قبل وصول الشتاء وحلول الثلج الذي سيعيق كثيرًا الإسناد اللوجستي وتقدم القوات.

سيكون العام الجديد مليئًا بالمتغيرات الحاسمة في معظم المناطق الساخنة في العالم، ولا شك أن الهوية السياسية والنهج الخاص بالرئيس الأميركي المنتخب سيكونان العاملين الأكثر تأثيرًا في هذه المتغيرات. وربما تنتقل السخونة والمواجهات إلى مناطق أخرى مثل بحر الصين الجنوبي حيث يتمدد نفوذ الصين وتتعاظم قوتها العسكرية، أو إلى القطب الشمالي حيث عسكرت روسيا هذه المنطقة وزرعت فيها العديد من القواعد العسكرية والوسائط الصاروخية. ولا يجب أن ننسى أن الرئيس السابق ترامب قدم مفاجآت مذهلة في التعاطي مع الخصوم التقليديين للولايات المتحدة الأميركية، فهو أول رئيس أميركي يعبر الحدود إلى كوريا الشمالية ويصافح زعيمها كيم جونغ أون في المنطقة المنزوعة السلاح. وترامب نفسه أخرج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران دون مراعاة رأي الحلفاء الأوروبيين، وهو يتحدث جدياً عن قدرته على إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية في حال وصوله إلى الرئاسة. وكان قد هاجم حلف الناتو وهدد بالانسحاب منه بسبب عدم وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها في تعزيز قدراتها العسكرية والمساهمة في دعم قوة هذا الحلف.

الجميع ينتظر نتائج الانتخابات الأميركية، فهل سيأتي ترامب ليغير الواقع الدولي؟