قال وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” عن العملية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي في لبنان ضد حزب الله، والتي سبقها إغتيالات عديدة لقيادات فلسطينية ولبنانية، ثم تفجيرات أجهزة البايجرز والووكي توكي، بأنها مثيرة للإعجاب بسبب النجاحات التي تم تحقيقها، وهذا واقع لا يمكن إغفاله وسيشجع القيادات العسكرية والسياسية في إسرائيل على المضي قدماً لتحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة وغير المعلنة، أما في شأن مسارات العملية ومراحلها، فهي ستستمر مع مزيد من العنف وإستكمال الإغتيالات والتدمير، وعلى الأرجح ستطال في مرحلة لاحقة البنية الإقتصادية والمالية للحزب، ولن تتوقف هذه المعركة حتى يتم القضاء على كامل قدرات الحزب العسكرية ومنظومة القيادة والسيطرة لديه، وكل حديث عن مسارات ديبلوماسية ومبادرات ووساطات لوقف الحرب هو مجرد تضليل ووهم وتمنيات لن تتحقق. أما في شأن الهجوم البري، فهناك خططاً جاهزة لذلك، وتكمن المفاجأة أن هذا الهجوم البري قد لا يقتصر على الأراضي اللبنانية، وقد يشمل المناطق اللبنانية والسورية المحاذية للجولان المحتل، بحيث يتم توسعة منطقة اصبع الجليل والإنطلاق منها للتوغل داخل الاراضي اللبنانية والسورية المنوي إحتلالها، ويتم ترجيح ذلك لأن قدرات حزب الله منتشرة على الاراضي السورية واللبنانية سواء، وهذه المنطقة هي الأضعف عسكرياً والأسهل لتحقيق توغل ناجح، وبالتالي فإن أي تفاوض لاحق سيشمل ليس فقط شريطاً حدودياً آمناً في لبنان، بل أيضاً في المنطقة المقابلة للجولان المحتل.
أما بالنسبة لدعم الجبهة اللبنانية من قبل حلفاء الحزب، فإن شعار وحدة الجبهات لم يتحقق وكان الدعم خجولاً وأدنى بكثير من ما هو متوقع، أقله لغاية الآن، وقد جاءت التصريحات على لسان الخارجية الإيرانية متطابقة مع خطاب الرئيس الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، والذي أبدى فيه إستعداد إيران لتحسين العلاقات مع دول العالم، بينما صرَّح وزير الخارجية الإيراني بأن قوة حزب الله تكمن في قدراته الخاصة وفي الدعم الشعبي، ما يشير إلى عدم النية بالتدخل العسكري لصالح الحزب في هذه المرحلة، والجدير ذكره هنا، أن صواريخ الحزب الإستراتيجية البعيدة المدى، يرتبط إستعمالها بالقرار الإيراني، ولم يتم إعطاء الأوامر باستخدامها لغاية الآن، بانتظار المسار الديبلوماسي والعملية السياسية التي تستعجلها إيران، حيث يبدو أن الوقت لا يسير لصالح حلفائها في هذه المعركة، لا سيما في وجود دعم أميركي وغربي غير مسبوق لإسرائيل.
تندلع الحروب ليس لمجرد القتل والتدمير، بل لتهيئة الظروف لعملية سياسية يتم فيها فرض الإرادة من قبل المنتصر على خصومه الآخرين، وفي الوقت الذي يضيع فيه الكثيرون بالتفاصيل التكتية ومجريات الأحداث وهول المعارك والبطولات والخطابات، يتم على المستويين الإستراتيجي العسكري والسياسي كتابة شروط التسويات وبنود الإتفاقات، التي تكون ترجمة للواقع الميداني ونتائج المعارك، والتي توفر مكتسبات وفرص لصالح الطرف المنتصر، وفي هذا الإطار، سقطت الإتفاقات التي جاءت بنتيجة حرب 2006 في الجنوب اللبناني إلى غير رجعة، وما تعمل عليه حكومة نتانياهو هو فرض واقع ميداني جديد متمثل بتحييد قدرات حزب الله وممارسة الضغط الأقصى على الحكومة والشعب اللبناني والمجتمع الدولي، بما يفضي إلى عملية سياسية تضمن الحدود الشمالية بشكلٍ نهائي، بينما تكمن أهداف الحزب الإستراتيجية، إضافةً إلى مساندة جبهة غزة، البقاء والمحافظة على الثقة بدوره وعلى شعبيته في الداخل اللبناني.
في المقابل يحاول حزب الله تخطي الصدمات المتكررة التي تلقاها، واسترجاع المبادرة وإثبات قدرته على الصمود والمحافظة على جهوزيته للرد على العدوان الإسرائيلي بكميات كبيرة من الصواريخ، وهذا ما نجح به بالفعل، فما زال لديه الكثير من القدرات المخبأة، ويبدو أن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من التصعيد النوعي من قبل طرفي المواجهة، والذي قد يصل إلى الهجوم البري أو إستهداف المنشآت الخطرة والحساسة، إضافة إلى عمليات الإغتيال التي تطال الصف الأول من قيادات الحزب.