العقيد الركن م ظافر مراد
جاء إعلان الولايات المتحدة الاميركية عن إرسال منظومة صواريخ “ثاد” (Terminal High Altitude Area Defense) إلى إسرائيل ليشير إلى احتمالات التصعيد بدرجاتٍ عالية في الأيام القادمة على جبهة إسرائيل الشمالية، لا سيما بعد استهداف مركز تدريب لواء “غولاني” في “بنيامينا” جنوب حيفا، بواسطة مسيرة وإيقاع 4 قتلى وأكثر من 60 جريحاً في في هذا المركز.
يبدو أن هناك فشلاً في مكان ما لدى الإدارة الأميركية الحالية في محاولة ضبط المواجهة بين إسرائيل وإيران، ويقود الرئيس بايدن الديموقراطي وفريقه المساعد هذه الجهود، ضمن سياسة المهادنة التي تعتمدها هذه الإدارة تجاه المنطقة وتجاه إيران، مقابل تمرد من قبل حكومة نتانياهو، بالتزامن مع تسريب معلومات عن علاقة إيران بدعم حماس ومعرفتها المسبقة لعملية “طوفان الأقصى” وهذا يؤشر لمحاولات التأثير في الرأي العام الإسرائيلي والأميركي والدولي، على مستوى الشعوب وعلى مستوى الحكومات. وينتظر الجميع الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني والذي تأخر بسبب التحضيرات الكبيرة لهذا الهجوم، والذي تريده الولايات المتحدة ضمن الإيقاع المنخفض بحيث تكون تداعياته قابلة للضبط والسيطرة، بينما في المقابل تريد حكومة نتانياهو أن يكون هجوماً حاسماً ومؤلماً جداً لإيران، بحيث لا تعيد الكرة مرةً أخرى، وبحيث تضع إيران في موقف ضعيف على مستوى موقعها التفاوضي وعلى مستوى دورها في المنطقة في الناحيتين العسكرية والسياسية.
تأتي منظومة “ثاد” لتكمل وتسد الثغرات في منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي، والتي ينتظرها مهام كثيفة وعالية المستوى في المواجهة المرتقبة مع إيران وحلفائها في المنطقة. وتتألف منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي باستثناء الطائرات المعترضة للطيران المعادي والأهداف الجوية، عدة أنظمة دفاع جوي، كل منها مصمم لاعتراض الصواريخ القادمة على ارتفاعات ومسافات مختلفة.
وهي على الشكل التالي:
- القبة الحديدية-Iron Dome : وهي الدروع الصاروخية الأكثر شهرة لدى إسرائيل، مصممة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية والهواوين، على مسافات تتراوح بين 4 كيلومترات إلى 70 كيلومترا من قاذفة الصواريخ. لقد أصبحت القبة الحديدية نظام الدفاع الجوي الأكثر اختباراً في القتال في العالم، وذلك بسبب عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس والفصائل الفلسطينية من غزة، وحزب الله من لبنان، على إسرائيل في السنوات الأخيرة، تنتشر بطاريات القبة الحديدية في مختلف أنحاء إسرائيل، وكل بطارية تتألف من ثلاث أو أربع منصات لإطلاق الصواريخ، تحتوي كل منها على عشرين صاروخاً اعتراضياً.
ترصد القبة الحديدية الصواريخ القادمة وتتعقبها بالرادار وتحسب الصواريخ التي من المرجح أن تسقط على مناطق مأهولة بالسكان. ثم تطلق مقذوفاتها على هذه الصواريخ، في حين تترك الصواريخ الأخرى لتسقط على أرض مفتوحة. وكان الجيش الإسرائيلي قد زعم في وقت سابق أن القبة الحديدية تدمر 90% من الصواريخ التي تستهدفها وقد جرى تحديث هذه المنظومة بعد حرب العام 2006. وتبلغ كلفة الصاروخ حوالي 50 ألف دولار، تم تصميم القبة الحديدية من قبل شركتي رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة وإسرائيل للصناعات الجوية – مع بعض الدعم من الولايات المتحدة – وتم نشرها في عام 2011.
- مقلاع داوود- David’s Sling: تم تصميم نظام مقلاع داود لتدمير الصواريخ طويلة المدى والصواريخ المجنحة والصواريخ الباليستية متوسطة أو طويلة المدى من مسافة تصل إلى 300 كيلومتر. يطلق عليه باللغة العبرية اسم “العصا السحرية”، تم تطويره بشكل مشترك من قبل شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة الإسرائيلية وشركة رايثيون الأمريكية.
بدأ تشغيله في عام 2017. تستخدم هذه المنظومة صواريخ “ستونر” المصممة لإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى على ارتفاعات منخفضة، وتبلغ قيمة الصاروخ حوالي مليون دولار. ومثل القبة الحديدية، لا يستهدف مقلاع داود سوى الصواريخ التي تهدد المناطق المأهولة.
- السهم أو “حيتس” -Arrow : توفر أنظمة “حيتس 2” و “حيتس 3” وهي أحدث نسخ من هذا النوع، الدفاع ضد الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى وعلى مسافة تصل إلى 2400 كيلومتر.
تم تصميم صاروخ “حيتس 2” لتدمير الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى أثناء طيرانها عبر الغلاف الجوي العلوي، على ارتفاع حوالي 50 كيلومترًا فوق سطح الأرض. بدأ العمل على هذا النظام بعد حرب الخليج الأولى عام 1991، عندما أطلق العراق عشرات من صواريخ سكود السوفييتية الصنع على إسرائيل. ودخل النظام الخدمة عام 2000. ويمكن لهذا النظام اكتشاف الصواريخ من مسافة 500 كيلومتر، كما يمكنه اعتراضها على مسافة قصيرة نسبياً على مسافات تصل إلى 100 كيلومتر من موقع الإطلاق، وتطير صواريخ هذه المنظومة بسرعة تعادل تسعة أضعاف سرعة الصوت، ويمكنها استهداف ما يصل إلى 14 هدفًا في وقت واحد. وتشير التقارير إلى أن نظام “حيتس 2” استخدم في القتال لأول مرة في عام 2017، لإسقاط صاروخ أرض-جو سوري. أما صاروخ “حيتس 3” فقد نشر لأول مرة في عام 2017، وهو مصمم لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى أثناء انتقالها في الجزء العلوي من قوسها، خارج الغلاف الجوي للأرض. ويبلغ مداه 2400 كيلومتر، تم استخدامه لأول مرة في القتال في عام 2023، لاعتراض صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون في اليمن على مدينة إيلات الساحلية، في جنوب إسرائيل، تم تطوير النظام من قبل شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية المملوكة للدولة، بمساعدة شركة بوينج الأمريكية.
دفعت كثافة التهديدات والإستهدافات بالصواريخ والطائرات المسيرة والتي طالت مناطق ومواقع للجيش الإسرائيلي، أن تعزز إسرائيل دفاعاتها ضد التهديدات الجوية، فاستقدمت بعد التنسيق مع القيادة المركزية الأميركية، بطارية واحدة من نظام “ثاد-TAAD”، وهو نظام دفاع صاروخي مضاد للصواريخ الباليستية أمريكي مصمم لإسقاط الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى في مرحلتها النهائية، أي مرحلة الإنقضاض قبل وبعد الدخول في الغلاف الجوي، عن طريق اعتراضها بطريقة الضربة القاتلة أو الإصطدام المباشر. لا يحمل نظام ثاد الإعتراضي أي رأس حربي، بل يعتمد بدلاً من ذلك على طاقته الحركية للتأثير لتدمير الصاروخ القادم، كان من المقرر في الأصل نشر نظام ثاد في عام 2012، لكن النشر الأولي حدث في أيار 2008. تم نشر نظام ثاد في الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل ورومانيا وكوريا الجنوبية، وفي 17 كانون الثاني 2022، نفذت منظومة ثاد أول اعتراض تشغيلي لصاروخ باليستي معاد متوسط المدى قادم إلى الإمارات العربية المتحدة. اختار الجيش الأمريكي شركة لوكهيد لوكهيد مارتن كمقاول رئيسي لتطوير ثاد، وتشمل الشركات الفرعية الرئيسية Raytheon و Boeing و Aerojet Rocketdyne و Honeywell و BAE Systems و Oshkosh Defense و Milton CAT، وهي جميعاً عملت وتعمل في تطوير هذا النظام وتأمين مجموعاته التقنية.
تضم بطارية “ثاد” عادة 6 منصات إطلاق منفصلة، وكل منصة تحمل 8 صواريخ، إضافةً إلى محطة الرادار ومراكز التشغيل الأخرى، ويشغِّل هذه البطارية حوالي 100 تقني، وهذا النظام يستطيع سد الثغرات في الدفاع الجوي الإسرائيلي بين المجالات المتوسطة والبعيدة المدى وعلى ارتفاعات عالية، أما الحاجة الأساسية لهذا النظام في إسرائيل فهي، فعالية الاعتراض ودقة الإصابة والتي وصلت إلى 100% وفقاً لكافة التجارب وعمليات الاعتراض للصواريخ في استهدافات حقيقية والتي حدثت سابقاً، وتريد إسرائيل من هذا النظام ان يضمن حماية مراكز ومقرات حساسة وهامة جداً في أي مواجهة متوقعة مع إيران أو مع حزب الله عند استخدامه لصواريخه الإستراتيجية بعيدة المدى، مثل مفاعل ديمونا النووي، وزارة الدفاع الإسرائيلية، أو حاويات الأمونيوم في حيفا أو في أي مكان آخر.
يأتي هذا الدعم من الولايات المتحدة لإسرائيل، كأحدث مؤشر على أن الولايات المتحدة تتوقع أن يكون الهجوم الإسرائيلي “شاملاً لدرجة أن الإيرانيين سيضطرون إلى الرد”. ويضاف نشر نظام ثاد إلى أكثر ألوف الأطنان من القنابل والأسلحة والمعدات العسكرية التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل منذ بدء الحرب في تشرين الأول الماضي.