حسين موسى
العقيدة العسكرية هي: مجموعة المبادئ والأفكار التي تعتمدها دولة ما لترسيخ استراتيجية عسكرية خاصة بها، بحيث تشكل هذه الاستراتيجية أساسًا صالحًا لتحقيق استراتيجيتها العليا أو القومية. تستمد العقيدة العسكرية الصهيونية (التي هي أساس الاستراتيجية العسكرية “الإسرائيلية” المعاصرة) جذورها من معتقدات وأفكار مستمدة من الكتاب اليهودي المقدس، أي “العهد القديم”، الذي يعدّ التاريخ العسكري المعتمد لدى اليهود، بدءًا من تاريخ خروجهم من مصر (القرن الثالث عشر ق.م) حتى ثورة المكابيين على السلوقيين (في القرن الثاني ق.م)، رغم ما يشوب أحداث هذا الكتاب من أساطير وشكوك نظرًا لابتعادها عن المنطق والواقع معًا. وإذ تتخذ الحركة الصهيونية كتاب اليهود (العهد القديم) حجة ومبررًا، بل سندًا إلهيًا لمطالبتها السياسية بأرض الميعاد وطنًا لليهود (ولسنا هنا في مجال مناقشة هذه المطالبة القائمة على العنصرية والوهم والأسطورة)، نرى أنه لا بد لأي باحث في العقيدة العسكرية الصهيونية أن يلمس بوضوح ارتباط هذه العقيدة بالفكر العسكري الديني التاريخي لليهود، والذي أسهب “العهد القديم” نفسه في التعبير عنه والتأكيد عليه، بحيث شكّل هذا الفكر مصدرًا لا يمكن إهماله من مصادر العقيدة العسكرية “الإسرائيلية” المعاصرة.
ويرى اللواء الدكتور/ فوزي طايل أن إسرائيل اعتمدت في نشأتها على القوة العسكرية؛ إذ كان جيل الرواد من رؤساء العصابات الصهيونية وقادة المجتمع اليهودي “الييشوعي” هم أنفسهم من تولوا القيادة السياسية العليا في الدولة بعد إعلان قيامها.
أهم المعتقدات والأفكار التي تشكل العقيدة العسكرية الصهيونية: يمكننا أن نستخلص من مراجعة “العهد القديم” المعتقدات والأفكار التي تشكل بدورها العقيدة العسكرية الصهيونية، وهي:
- الطبيعة العدوانية.
- العنف والإرهاب.
- الاحتلال والتوسع والسيطرة.
- الحرب الجماعية أو الأمة المسلحة.
- التعبئة النفسية والمعنوية.
ويرى الأستاذ/ طه محمد المجدوب أن العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية وُضعت بعد قيام الدولة في أوائل الخمسينيات بواسطة دافيد بن غوريون، مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء ووزير دفاع لها. وقد ارتكزت إسرائيل في عقيدتها العسكرية خلال هذه الفترة المبكرة من نشأة الدولة على فكرتي الردع والتفوق النوعي القائم على التقدم التكنولوجي على الجيوش العربية. كما اعتمدت على سرعة التدخل العسكري باستخدام “الذراع الطويلة” المتمثلة في قواتها الجوية، لذلك حظيت هذه القوات بالاهتمام الأول في بناء القوة المسلحة الإسرائيلية منذ قيام الدولة. أما القوات البرية فقد اضطرت إسرائيل -نظرًا للنقص الذي تعانيه في القوى البشرية- إلى الاعتماد على تعبئة القوات الاحتياطية التي شكّلت القسم الأكبر من الجيش الإسرائيلي.
ويرى الأستاذ/ عادل زعرب (كاتب وصحفي متخصص في الشؤون الإسرائيلية) أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية قائمة على القتل وسفك الدماء، وهي عقيدة فاسدة تهدف إلى الإبادة والتطهير العرقي لمن هو غير يهودي. يستمد الكيان الإسرائيلي عقيدته هذه من التلمود والأفكار العقائدية القديمة من التوراة المحرفة ومن القوانين الوضعية التي وضعها جنرالات صهاينة وحاخامات يهود لاغتصاب فلسطين. ومن أقوال موشيه ديان، أحد وزراء دفاع “إسرائيل”: “إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية وإنما سياسة دفاعية فقط”، أي أن إسرائيل تضع سياستها الخارجية في خدمة استراتيجيتها الشاملة ومفهومها الأمني، وليس العكس كما في بقية دول العالم، حيث تضيع تلك الدول استراتيجياتها الشاملة في خدمة تحقيق أهداف السياسة الخارجية.
أما الآن، فقد تطورت الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية عما كانت عليه في الفترة الماضية، حيث كانت تعتمد في عقيدتها العسكرية على الحرب السريعة الخاطفة وتعتمد بشكل كامل على سلاح الجو الذي يدك قوى الأعداء، مما يسهل الغزو البري وتحقيق النصر السريع دون عناء. لكن الآن اختلفت تلك الاستراتيجية وأصبحت تفتح العديد من الجبهات، تارة مع دول الجوار وتارة مع قوى إقليمية مثل إيران. فهل تعتمد إسرائيل على حليفتها الأمريكية أم تستغل الضعف والصمت العربي؟
الحقيقة أن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى تطور عقيدتها العسكرية واستراتيجيتها في إدارة المعركة، منها ما يلي:
الفقر المائي والأطماع في المياه العربية:
احتلت المياه موقعًا هامًا في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة إسرائيل. وقد استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة ناتجة عن الاعتقاد بما جاء في التوراة: “كل موقع تدوسه أقدامكم أعطيته لكم…”. كما اعتقدوا أن الحدود المثالية لدولة إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات، كما ورد في التوراة. بناءً على هذه الادعاءات، قامت الحركة الصهيونية بإيفاد خبراء لدراسة الموارد المائية في فلسطين. وفي عام 1919، كان من أهم قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي في بازل: “ضرورة إدخال المياه الضرورية ضمن الحدود، وتشمل نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ”. إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض، خصوصًا من الفرنسيين. وفي عام 1941، قال بن غوريون: “يجب أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان بقائها”. تستهلك إسرائيل معظم المياه في الأراضي الفلسطينية، وقدرت بعض الدراسات أن استهلاكها بلغ 2460 مليون م³، ولا تزال تطمع في المزيد. وبعد موجات الهجرة اليهودية المكثفة من دول أوروبا الشرقية، عانت إسرائيل من نقص حاد في مصادرها المائية.
التقاء المصالح الخليجية الإسرائيلية:
التقت مصالح كل من الإمارات والسعودية مع المصالح الإسرائيلية؛ فالإمارات تسعى لقيادة المنطقة اقتصاديًا كما فعلت الصين على المستوى العالمي، ولتحقيق ذلك كان لا بد من تحقيق الاستقرار في المنطقة وإزالة حركات المقاومة مثل حزب الله وحركة حماس والحوثيين في اليمن.
من جهة أخرى، تخلصت الإمارات والسعودية من الأذرع الإيرانية في المنطقة التي كانت تمثل تهديدًا كبيرًا لهما. أما السعودية، فقد تخلصت من تهديد الحوثيين الذي كان يشكل خنجرًا في ظهر المملكة. كذلك، حصلت السعودية على عرض عسكري مغرٍ يشمل صفقة تسليح بأحدث أنواع الطائرات الأمريكية F35، وأحدث أنظمة الصواريخ القادرة على ضرب إيران من أراضيها، وذلك مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع الكامل معها.
انشغال مصر بأمنها المائي وتأمين الجبهة الجنوبية والغربية:
انشغلت مصر بشكل كبير بتأمين ملف المياه، خاصة مع تصاعد التوغل الإثيوبي في منطقة القرن الأفريقي ورغبة إثيوبيا في الحصول على منفذ بحري، وإمكانية إغلاق مضيق باب المندب، وما قد يترتب على ذلك من تأثير على قناة السويس.
لهذا، رأت القيادة المصرية أن تأمين ملف المياه والحدود الجنوبية، بالإضافة إلى تقليص النفوذ الإثيوبي، هو من الأولويات في الوقت الحالي.
وأخيرًا، يمكن القول إن العقيدة العسكرية الإسرائيلية استغلت الأسباب السابقة وطورت من أهدافها، حيث:
- تأمين مصادر جديدة للمياه.
- فرض التطبيع الكامل مع المملكة العربية السعودية، والتي تعتبر قبلة المسلمين، ما قد يؤدي إلى اعتراف بقية الحكومات الإسلامية بإسرائيل.
- استغلال انشغال مصر بملفها الاقتصادي وتحديدًا بتأمين ملفها المائي وحدودها الجنوبية، خاصة مع تحديات مثل تجاسر حمدتي على الدولة المصرية وتأمين حدودها الغربية في ليبيا.
- استغلال التقاء المصالح السعودية والإماراتية بإنهاء الأذرع الإيرانية في المنطقة.
- حماية عرش نتنياهو الذي سيصعب خلعه في ظل حرب قائمة وتخوف اليمين المتشدد في إسرائيل.