أطلقت روسيا صاروخا باليستيا غامضاً جديداً على مدينة دنيبرو في شرق أوكرانيا في ساعة مبكرة من يوم 21 نوفمبر 2024، ليكون هذا التاريخ مرحلة انتقالية جديدة من التصعيد في الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي أراد منها بوتين الرد على السماح لأوكرانيا باستعمال صواريخ غربية من نوع “Storm Shadow” البريطانية و “ATACMS” الأميركية ضد العمق الروسي بعد أن كان ذلك محظراً عليها، وفي العادة يتم عند توقيع عقود التسليح أو منح الهبات بين الدول المصنعة للسلاح واي دولة أخرى مستوردة أو مستفيدة منه، وضع شروط تقيد استخدام هذه الأسلحة، بهدف منع استخدامها ضد الحلفاء والأصدقاء، وفي العادة تبقى هذه الشروط سرية وغير معلن عنها.
أُطلقت تسمية “أوريشنيك” على الصاروخ الروسي الباليستي متوسط المدى، وهي كلمة روسية تعني “شجرة البندق”، وهذا الصاروخ هو نسخة محدثة عن الصاروخ “RS 26″، ويبلغ وزن صاروخ آر إس-26 أربعين طناً، ويعمل بالوقود الصلب، تبلغ سرعته 10 أضعاف سرعة الصوت، ويوجد منه عدة نسخ برأس حربي واحد أو بعدة رؤوس حربية، ومداه حوالي 3500 كلم، وقد تم الإنتهاء من آخر المراحل التجريبية لصاروخ “أوريشنيك” في الضربة على “دنيبرو” والنجاح في تدمير مجمع صناعي عسكري أوكراني، مما أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمباني وإصابة العشرات من الأشخاص، والجدير ذكره هنا أن القيادة الروسية أبلغت الأميركيين بحدث إطلاق هذا الصاروخ قبل نصف ساعة، وهذا إجراء متفق عليه بين الدولتين في التجارب الصاروخية كي لا يحدث أي تقدير خاطئ أو فهم ملتبس يعتبر أن هناك هجوماً نووياً على البلد الآخر، والأهم من ذلك، أنه وعلى الرغم من معرفة الأميركيين للحدث واستعداد الدفاعات الجوية الأوكرانية للتصدي للصاروخ، لم تنجح عملية اعتراضه ووصل إلى هدفه بسرعة فائقة، وهذه هي رسالة بوتين بالتحديد “إن منظومات الصواريخ الروسية الحديثة عصية على كافة الدفاعات الجوية الغربية ولا يمكن التصدي لها”، وهذا تهديد كبير أيضاً لكييف، حيث أن الحدث يُثبت أنه لا توجد منطقة آمنة في أوكرانيا من ضربات هذه الصواريخ، وبالتالي فإن اي تصعيد في استهداف العمق الروسي سيقابله خسائر ودمار هائل ومؤكد عند الجانب الأوكراني.
أمر بوتين بعد نجاح آخر مرحلة تجريبية لهذا الصاروخ المتوسط المدى بإنتاج كميات كبيرة منه، وتمتلك روسيا كميات كبيرة من الصواريخ الباليستية التي تحمل رؤوساً نووية، وسينضم هذا الصاروخ الجديد لهذه العائلة من الصواريخ الباليستية الروسية، حيث تعتبر المجالات المحققة للصواريخ الباليستية معياراً هاماً جداً في تحديد القدرة على تهديد الخصوم وإطالة الذراع العسكرية، وتلجأ الدول الكبرى والأحلاف الى تركيز منصات الإطلاق في مناطق تستطيع من خلالها تهديد أهداف العدو الهامة، داخل أراضي الدولة أو في أراضي دولاً صديقة، إضافة الى اعتماد منصات إطلاق متحركة في الأرض والجو والبحر، وتصنف الصواريخ الباليستية من حيث المدى وفقاً للمفهوم الغربي الى الأنواع التالية:
- الصواريخ الباليستية ذات المدى القصير (SRBM: Short Range Ballistic Missiles) مداها من 150 كلم الى 1000 كلم.
- الصواريخ ذات المدى المتوسط (MRBM : Medium Range Ballistic Missiles)، التي يكون مداها بين 1000 و3000 كم.
- الصواريخ ذات المدى الوسيط (IRBM : Intermediate Range Ballistic Missiles)، التي يتراوح مداها بين 3000 كم و5500 كم.
- الصواريخ ذات المدى البعيد (ICBM : InterContinental Ballistic Missiles)، التي يبلغ مداها أكثر من 5500 كم.
- الصواريخ التي تطلق من الغوّاصات وتُعرّف بـ( SLBM : Submarine Launched Balistic Missiles)
حتى عام 2019، كانت الولايات المتحدة وروسيا طرفين في معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987، والتي حظرت اختبار ونشر الصواريخ التي مداها بين 310 و3400 ميل. باعتبار أن الصواريخ الباليستية متوسطة ووسيطة المدى قادرة على حمل حمولة نووية وقادرة أيضا على الضرب بأقل قدر من التحذير، وهي تعتبر خطر كبير وداهم، ومن هنا جاءت المعاهدة. لكن يبدو أن روسيا واصلت سراً تطوير الصواريخ في هذه الفئة، مما دفع الولايات المتحدة في نهاية المطاف في عام 2019 إلى الانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، على الرغم من بعض الاعتراضات من دعاة الحد من الأسلحة، وسرعان ما حذت روسيا حذوها.