العقيد الركن م ظافر مراد
أجرت وزارة الدفاع الروسية مناورات عسكرية نووية، تضمنت إطلاق صواريخ، وسط تصاعد التوترات مع الغرب بشأن أوكرانيا. وقد تم إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز “يارس” من قاعدة “بليسيتسك” الفضائية، وشملت هذه المناورات الغواصات والقاذفات الإستراتيجية والصوامع الأرضية الثابتة وقواعد الإطلاق المتحركة، وكل ذلك بهدف التأكد من سلامة عمل وفعالية القدرة النووية لدى روسيا، وبأنها قادرة على توجيه “الضربة الإنتقامية” في حال تعرضها لأي خطر وجودي من الغرب.
تعني “الضربة النووية الإنتقامية” أو وفقاً للتسمية الغربية “تأمين الضربة الثانية -Secure Second Strike” القدرة على الرد بالأسلحة النووية والتسبب في أضرار جسيمة للعدو بعد التعرض لهجوم نووي. وهذا يعني الإحتفاظ بقدرات نووية كبيرة لا يمكن للعدو إستهدافها وتدميرها من الضربة الأولى، بحيث يستطيع البلد الذي تلقى الضربة النووية الأولى، الرد بشكلٍ كبير وفعال بالضربة النووية الثانية، أما ما هي القدرات التي تسمح بتأمين الضربة الثانية، فهناك عدة إعتبارات وعوامل يجب أن تتوافر عند الدولة التي تريد أن تضمن قدرتها على القيام بها، وهي على الشكل التالي:
- حيازة عدد كبير من الصواريخ والرؤوس النووية.
- إمتلاك عمق إستراتيجي على مستوى مساحة الدولة، بحيث يصبح من الصعب أستهداف كافة المنشآت وقواعد إطلاق الصواريخ النووية.
- حيازة الوسائل النووية التي تستطيع الإفلات والنجاة من الضربة النووية الأولى، مثل الغواصات التي تجوب اعالي البحار والمحيطات، والقاذفات الإستراتيجية والمركبات الفضائية المسلحة.
- إمتلاك قواعد إطلاق صواريخ نووية برية سرية منتشرة في العمق، أو متحركة يصعب رصدها أو استهدافها.
- إمتلاك صواريخ نووية ذات قدرة كبيرة من حيث السرعة الفرط صوتية ومن حيث القدرة على المناورة وتحاشي أنظمة الكشف والرادارات المعادية، فيصبح إسقاطها مسألة صعبة جداً.
وفقاً لهذه الشروط، يتبين أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية هما الدولتان الأكثر قدرة على تأمين الرد بالضربة الثانية، وذلك بسبب إمتلاكهما لعدد كبير من الرؤوس النووية ونشرها بشكلٍ واسع، إضافةً إلى تطويرهما لوسائل الإطلاق المتنوعة والمتعددة من الأرض والبحر والأعماق والجو والفضاء.
نشر موقع “Statista” تقريراً للعام 2024، عن الدول التي لديها قنابل أو رؤوس نووية في العالم، وجاء الترتيب على الشكل التالي: روسيا (4380)، الولايات المتحدة الأميركية (3708)، الصين (500)، فرنسا (290)، بريطانيا (225)، الهند (172)، باكستان (170)، إسرائيل (90)، وكوريا الشمالية (50).
يندرج تأمين الضربة الثانية في سياق تكريس مفهوم “الردع النووي بالإنتقام” وهو الذي كان سائداً إبان الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية، وتم اليوم إعادة تفعيل هذا المفهوم بسبب التوترات بين روسيا والغرب، وقد كان لافتاً تصريح وزيرة الخارجية لكوريا الشمالية “تشوي سون هوي” أثناء زيارتها الحديثة لموسكو، بأن كوريا الشمالية تريد من خلال التعاون والشراكة الإستراتيجية مع موسكو، أن تعزز قدراتها في مجال “ضربة نووية إنتقامية” رداً على ما اعتبرته مخطط أميركي-كوري جنوبي لتنفيذ هجوم نووي على بلدها، أي أنها تريد ضمان قدرة بلدها على الرد الفاعل والمؤكد على أي هجوم نووي عليها، ويُعتقد أن تعزيز قدراتها في مجال الضربة النووية الإنتقامية يندرج في تحسين قدرات غواصاتها على إطلاق الصورايخ النووية. مع الإشارة إلى أن كوريا الشمالية كانت تمتلك أكبر إسطول غواصات في العالم في العام 2021 (71 غواصة)، قبل أن تتخلى عن تلك القديمة منها ويصبح لديها 35 فقط، مقابل 65 غواصة لروسيا و64 للولايات المتحدة الاميركية، وذلك وفقاً لموقع “Global Fire Power” عن العام 2024.
في سياق هذا الموضوع الهام، وفي استعراض لقدرات كل الدول النووية في مجال الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية واستهداف أراضي ومصالح الخصوم، تنقسم فئات هذه الصواريخ من حيث السرعة، نسبة لسرعة الصوت التي تساوي 330 م/ث = 1 ماخ (Mach)، إلى 5 فئات وعلى الشكل التالي:
- Subsonic ، تحت سرعة الصوت.
- Supersonic، بين 1 و 5 ماخ.
- Hypersonic، فوق 5 إلى 20 ماخ.
- High Hypersonic، فوق 20 إلى 25 ماخ.
- Re-entry Speed، فوق 25 ماخ.
تتميز روسيا عن غيرها بأنها تمتلك صاروخاً باليستياً لا يوجد مثيلاً له في العالم، حيث تتحدث معظم المراجع الغربية ويؤكِّد الخبراء العسكريون، إستحالة إعتراض هذا الصاروخ أو إسقاطه، وذلك بسبب سرعته الرهيبة “27 ماخ” ، وقدرته على المناورة وتخطي الرادارات بحيث لا يمكن ملاحقته أو تعقبه، وهو صاروخ “أفانغارد-Avangard” الذي يقلق الناتو بشدة.
ينقضّ أفنغارد نحو هدفه الارضي من مركبته الباليستية التي تحمله خارج الغلاف الجوي للأرض، بسرعة هائلة، وهو يستطيع تدمير عدة أهداف في أي نقطة من العالم في أقل من 30 دقيقة. وهذا يقلص الوقت بين إطلاق رأس الصاروخ النووي، ووصوله إلى الهدف، الأمر الذي يغير موازين القوى ولا يسمح للعدو بأن يكون لديه الوقت لإتخاذ قرار بتوجيه الضربة الإنتقامية. و”أفانغارد” هو أحد أنظمة الأسلحة المتقدمة العديدة التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آذار 2018. وقال المسؤولون الروس حينها إن السلاح قادر على الطيران بسرعة تزيد على سرعة الصوت 27 مرة، ومن المستحيل اعتراضه. ويزن صاروخ أفانغارد حوالي ألفي كيلوغرام، ويبلغ مداه أكثر من 6 آلاف كيلومتر، وهو قادر على حمل حمولة نووية أو تقليدية. يتم نقل أفانغارد إلى أقصى ارتفاع (حوالي 100 كلم) بواسطة صاروخ باليستي، بعدها ينفصل الرأس الحربي الذي يحمل عدة قنابل نووية عن صاروخه، ثم ينطلق نحو أهدافه عبر الغلاف الجوي وبسرعة رهيبة، ويتكون الرأس من مواد صلبة قادرة على تحمل درجات حرارة عالية جداً نتيجة الطيران السريع، قد تصل إلى 3000 درجة فهرنهايت، ويعتبر “أفنغارد “صاروخ الضربة النووية الإنتقامية الروسية بامتياز. ويعزز هذا الصاروخ قدرة الردع الروسية، ويسمح لها بتوجيه ضربة نووية أولى حاسمة، أو ثانية إنتقامية.