أبرز الصناعات العسكرية السعودية ومنتجاتها: تعزيز القدرات الوطنية لتحقيق رؤية 2030

نسرين شاتيلا

تعمل المملكة العربية السعودية بجدية على تطوير قطاعها الدفاعي في إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تعزيز المحتوى المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية. يُعتبر هذا القطاع جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها لبناء قوة دفاعية قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

أحرزت السعودية تقدمًا كبيرًا في العديد من مجالات الصناعات العسكرية، سواء عبر تطوير الأنظمة الجوية، البحرية، البرية، أو من خلال تقدمها في التقنيات الإلكترونية والدفاع السيبراني. ومن المتوقع تخصيص 50% من الإنفاق الدفاعي محليًا بحلول عام 2030.

لم تشجع المملكة العربية السعودية على مدى عقود على إنشاء صناعة دفاعية قوية خاصة بها. وعلى الرغم من تأسيس بعض الشركات في السبعينيات، إلا أن قدراتها كانت تركز بشكل أساسي على التجميع والصيانة بدلاً من الإنتاج، ناهيك عن التصميم. والسبب الرئيسي لذلك هو أن الحكومة كانت تمتلك دائمًا أموالًا كافية لشراء أحدث الحلول في السوق العالمية.

وفي الوقت نفسه، حافظت المملكة العربية السعودية على شراكة كبيرة مع الغرب، الذي لم يكن لديه أي اعتراض على تزويد الرياض بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات. ووفقًا لشركة PwC، استوردت المملكة العربية السعودية بشكل أساسي من الولايات المتحدة (73%) والمملكة المتحدة (13%) بين عامي 2015 و 2019.

شهد الإنفاق العسكري السعودي ارتفاعًا ملحوظًا، حيث احتلت المملكة المرتبة الخامسة عالميًا في هذا المجال عام 2022، وفقًا لأحدث تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI). وبالنظر إلى التغيرات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية المتزايدة، اتجهت المملكة نحو تحول استراتيجي في قطاعها الدفاعي، مع التركيز على بناء قاعدة صناعية محلية متينة.

أدت عدة عوامل إلى هذا التحول الاستراتيجي. أولًا، تراجعت مرونة المملكة في الحصول على الأسلحة التقليدية من الأسواق العالمية، خاصة مع تزايد القيود المفروضة على صادرات الأسلحة، كما هو الحال مع الولايات المتحدة وألمانيا. ثانيًا، سعت المملكة إلى تقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي للدخل، وتحقيق تنويع اقتصادي أكبر. ثالثًا، جاءت الرغبة في مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في مجال الدفاع، والاستفادة من تجارب دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة، والتي حققت نجاحات ملحوظة في بناء صناعة دفاعية محلية.

ركائز استراتيجية الصناعات العسكرية

تعتمد الاستراتيجية على 3 ركائز رئيسية:

  1. المشتريات العسكرية: تستهدف توجيه الوكالات المحلية العاملة في القطاع العسكري والأمني، وتنظيم عمليات الشراء لتحقيق كفاءة التكلفة وإعطاء الأولوية لتوطين الصناعة. كما تهدف إلى دعم المصنعين المحليين وتوحيد الممارسات عبر الوكالات العسكرية، مع الاستفادة من قوة الشراء الجماعية للقطاع للحصول على أفضل الشروط التعاقدية مع الموردين.
  2. توطين الإنفاق العسكري: تسعى الاستراتيجية إلى تحقيق أكثر من 50% من توطين إنفاق المملكة على المعدات والخدمات العسكرية بحلول عام 2030. وقد حددت الهيئة 11 مجالًا مستهدفًا داخل الصناعة، وتعمل على تطوير أطر تنظيمية عالمية لتعزيز الشفافية وتشجيع الاستثمار، وتقديم حوافز للمصنعين المحليين وإصدار تراخيص التصنيع والتصدير.
  3. التقنيات العسكرية: تركز الهيئة على بناء القدرات الوطنية وتعزيز البنية التحتية المحلية للبحث والتطوير. يشمل ذلك تحديد التقنيات ذات الأولوية، وتطوير رأس المال البشري، وإنشاء مراكز أبحاث ومختبرات وطنية متخصصة في الصناعات العسكرية. حددت الهيئة 7 مجالات بحثية تضم 21 تقنية مستهدفة سيتم تطويرها وتوطينها على مدار السنوات القادمة.

أبرز الصناعات العسكرية السعودية

فيما يتعلق بالأنظمة الجوية، سجلت السعودية تقدمًا كبيرًا في صناعة الطائرات بدون طيار، حيث تمكنت من تطوير طائرة صقر 1، وهي طائرة محلية الصنع تستخدم في الاستطلاع والهجمات التكتيكية. تتميز هذه الطائرة بقدرتها على الطيران لفترات طويلة تصل إلى 24 ساعة. كما أنتجت المملكة الطائرة سكاي جارد 1 التي تم تصميمها خصيصًا لأغراض الاستطلاع والمراقبة. بالإضافة إلى ذلك، تقوم المملكة بصيانة وتطوير طائرات حربية متقدمة مثل F-15 وTornado وTyphoon من خلال شركات محلية مثل السلام للطائرات، وتتم عملية تصنيع أجزاء محلية للطائرات بالتعاون مع شركات عالمية مثل بوينغ.

على صعيد الصناعات البحرية، حققت السعودية تقدمًا ملحوظًا في إنتاج السفن والزوارق الحربية. من أبرز المنتجات في هذا المجال سفينة كورفيت أفانتي 2200، التي تم تصنيعها بالتعاون مع شركة Navantia الإسبانية، وهي سفينة قتالية متعددة المهام. كما طورت المملكة زوارق حربية مثل HSI32 التي تُستخدم بشكل رئيسي في مهام الدوريات البحرية. ولتعزيز الأمن البحري، استثمرت السعودية في تطوير أنظمة الرادار الساحلي وأجهزة الاستشعار الحديثة للكشف عن التهديدات البحرية.

في القطاع البري، طورت السعودية مجموعة من المدرعات العسكرية التي تلبي احتياجات القوات البرية. من بين هذه المركبات طويق المقاومة للألغام والكمائن ومدرعة الشبل التي تتميز بكونها مركبة خفيفة ومتعددة الاستخدامات، حيث تستخدم في مهام الاستطلاع والقتال. كما صنعت المملكة مدرعة الدهناء، وهي مركبة مضادة للألغام تتمتع بقدرة على مواجهة التحديات في بيئات العمليات المعقدة.

من المتوقع أن يشهد قطاع الصناعات الدفاعية السعودية نقلًا تكنولوجيًا كبيرًا، لا سيما من خلال الشراكات الاستراتيجية مع شركتي “هانوا” و”إيدج”. فبموجب اتفاقية التعاون الموقعة عام 2019، ستقوم المملكة بالتعاون في تصنيع 149 مركبة مدرعة من طراز “نمر جايس”، مع التركيز على دمج الأنظمة المحلية. هذا المشروع المشترك يمثل خطوة مهمة نحو بناء قدرات تصنيعية محلية، وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا الوطنية. ويشير الخبراء إلى أنه في حال توسع نطاق هذا التعاون، فإن هناك احتمالًا كبيرًا بنقل خطوط إنتاج هذه المركبات جزئيًا إلى المملكة، مما يساهم في تعزيز الصناعة المحلية وتوفير فرص عمل جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، طورت المملكة أنظمة صواريخ ومدفعية محلية، أبرزها راجمات الصواريخ المتعددة MLRS مثل توس-1، التي تعتبر من الأنظمة التكتيكية المتقدمة في مجال إطلاق الصواريخ.

Image

تكتسب الشراكة الصناعية بين المملكة العربية السعودية والبرازيل زخماً متزايداً، حيث من المتوقع أن تشهد قطاعات واسعة في مجال الصناعات الدفاعية تعاوناً وثيقاً بين البلدين. وقد تمثل هذه الشراكة نقلة نوعية في تطوير القدرات الصناعية السعودية، وتعزيز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الصناعات الدفاعية الإقليمية والعالمية.

تأسست هذه الشراكة على إثر توقيع مذكرة تفاهم شملت الاتفاقيات الأولية عدداً من الشركات البرازيلية الرائدة في مجال الصناعات الدفاعية، مثل “إمبراير” و”تاوروس”. وتشير التقارير إلى أن شركة “تاوروس” تدرس جدية إمكانية إنشاء مصنع لها في المملكة.

وفي هذا السياق، وقعت شركة “أفيبراس” البرازيلية، وهي من أبرز الشركات العاملة في مجال الصناعات الدفاعية في أمريكا اللاتينية، اتفاقية تعاون مع شركة “سكوبا” السعودية، وهي شركة ذات خبرة واسعة في مجال الصناعات الدفاعية والطيران. من المتوقع أن يركز التعاون بين الشركتين على تطوير مشاريع مشتركة في مجالات متعددة.

تعتمد المملكة بشكل كبير على التقنيات الإلكترونية لتطوير أنظمة الرادار والمراقبة. من أبرز أنظمتها رادار صامت، ومنظومة درع الوطن الذي تستخدم للكشف عن الطائرات المسيرة. كما تسهم شركة الإلكترونيات المتقدمة (AEC) في تطوير أنظمة القيادة والسيطرة المتطورة C4I التي تدير العمليات العسكرية بشكل فعال. علاوة على ذلك، تسعى السعودية لتعزيز الأمن السيبراني من خلال برامج وأنظمة تهدف إلى حماية البنية التحتية العسكرية ضد الهجمات الإلكترونية.

في مجال إنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة، تحقق المملكة نجاحًا كبيرًا في تصنيع الذخائر المتنوعة، بما في ذلك القذائف المدفعية والصواريخ التكتيكية التي تتمتع بمعايير دولية وتستخدم في المهام العسكرية. كما تُنتج المملكة أسلحة خفيفة مثل بنادق جي 36 وإيه كيه-103 والمسدسات المخصصة للاستخدام العسكري والأمني.

كشفت شركة “سامي” عن منتجات مثل محطة الأسلحة المتحكم بها عن بُعد “رؤية” للمركبات الخفيفة، والتي يمكن تجهيزها إما بمدفع رشاش 7.62 مم أو 12.7 مم، أو بقاذفة قنابل 40 مم.

تسعى المملكة أيضًا إلى توطين الإنتاج العسكري من خلال الشراكات مع الشركات العالمية الكبرى. على سبيل المثال، تم التوسع في توطين إنتاج أجزاء من أنظمة الدفاع الجوي مثل باتريوت وثاد (THAAD) عبر التعاون مع شركات عالمية مثل لوكهيد مارتن وريثيون وبوينغ. تسهم هذه الشراكات في نقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات المحلية، مما يعزز قدرة المملكة على الاعتماد على إمكاناتها الذاتية في التصنيع العسكري.

نظام ثاد للدفاع الجوي
نظام “ثاد” للدفاع الجوي

في مجال الأنظمة الفضائية والدفاع الجوي، طورت المملكة سعودي سات، سلسلة من الأقمار الصناعية التي تستخدم لأغراض مدنية وعسكرية. كما استطاعت المملكة إنتاج مكونات محلية لأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة مثل ثاد، مما يعزز من قدراتها الدفاعية ويضعها في مكانة متقدمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

تعد الشركات السعودية مثل الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) وشركة الإلكترونيات المتقدمة (AEC) والشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني (تقنية) من الشركات الرائدة التي تسهم في تطوير هذه الصناعات. تتميز هذه الشركات بقدرتها على تصميم وتصنيع الأنظمة الدفاعية المتقدمة، مثل الرادارات والمدرعات وأجهزة القيادة والسيطرة.

تُظهر هذه الصناعات ومنتجاتها تطورًا ملموسًا في قدرة المملكة على بناء قاعدة صناعية عسكرية متكاملة. ومع التقدم الكبير في التوطين وتعزيز الشراكات الدولية، تستعد السعودية لتعزيز مكانتها كقوة دفاعية إقليمية ذات قدرة ذاتية على التصنيع والتطوير في مجالات الدفاع المختلفة.