أسلحة الطاقة الموجهة: الوجه الآخر لحروب المستقبل

العقيد الركن م. ظافر مراد

تطوَّرت تقنيات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية في العقدين الأخيرين بشكلٍ غير مسبوق، وهذا التطور دفع إلى نمط جديد من سباق التسلح، وكان للحروب الحالية والصراعات القائمة بين القوى العُظمى، تأثيراً كبيراً على تطوير أنظمة القتال، لا سيما الأنظمة غير المأهولة والأنظمة ذاتية القيادة والقرار، إضافةً إلى إنتاج صواريخ ذات سرعات فرط صوتية هائلة خلقت تحديات جدِّية في مجال إعتراضها وإقصاء تهديداتها، لذلك تعاظم التركيز على البحث العلمي لخدمة المجالات العسكرية، حيث تتكلف مراكز البحوث الوطنية والخاصة وشركات الأمن والدفاع، مليارات الدولارات في سبيل تطوير الإبتكارات والتكنولوجيا العسكرية وتقنيات الذكاء الإصطناعي، بهدف المنافسة في سوق الأسلحة العالمي، وأيضاً تمكين الجيوش الصديقة من التوصُّل إلى نصرٍ سريع وحاسم، أو اقله تكريس قدرات ردع صارمة لحماية المصالح الوطنية ومصالح الحلفاء والأصدقاء. وعلى الرغم من كل ما يتم الإفصاح عنه وكل ما نشاهده في نماذج قتالية حديثة في الحروب والمواجهات الحالية، والتي أذهلت البشر في ما توصَّلت إليه من تقدم وتطوُّر، يبقى هناك جزء لا زالت السرية تُحيط به بشكلٍ كبير، وهذا الجزء يتعلق بأسلحة الطاقة الموجهة.

تستخدم أسلحة الطاقة الموجهة (DEWs- Directed Energy Weapons)  طاقة كهرومغناطيسية مركزة لاعتراض وتحييد التهديدات والأصول المعادية. وهي تستعمل لأغراض هجومية ودفاعية، وتشمل هذه الأسلحة أشعة الليزر عالية الطاقة والأنظمة الكهرومغناطيسية عالية الطاقة، بما في ذلك أسلحة الموجات المليمترية والميكروويف. وعلى عكس الذخائر التقليدية، يمكن للأسلحة الموجهة بالطاقة أن تقدم ميزات مثالية للإشتباك والتقليل من الخسائر الجانبية، إضافةً إلى أن تأثيرها قد يكون مؤقتاً أو قابلاً للعكس، أي بمعنى القدرة على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل تنفيذ الهجوم، وكل ذلك يخلق نمطاً جديداً من المواجهات والحروب، ستكون الغلبة فيه ليس للجيوش ذات الحجم الكبير والقدرات التقليدية الهائلة، بل لمن يمتلك التكنولوجيا العسكرية المتفوقة والأسلحة فائقة الدقة، والتي تستطيع شل قدرات العدو في القيادة والسيطرة وتحقيق النصر السريع. ويمكن لأسلحة الطاقة الموجهة، وحسب نوعها وطبيعة عملها، إتلاف أو تعطيل الأنظمة الإلكترونية دون تدميرها تمامًا، حيث يعمل كل نوع من أنواع “DEWs” ضمن نطاق محدد من الطيف الكهرومغناطيسي، ويشمل هذا الطيف جميع أشكال الضوء المصنفة حسب الطول الموجي. وتمنح الأطوال الموجية المختلفة خصائص فريدة، ما يعطيها قدرات اختراق متنوعة ومتفاوتة من خلال مواد مختلفة، مثل المعادن أو الأنسجة البيولوجية.

لا زالت أسلحة الطاقة الموجهة قيد التطوير ومعظم الأبحاث في هذا المجال تحوطها السرية والكتمان، ونستطيع تصنيف أسلحة الطاقة الموجهة وفقاً للأنواع التالية:  

  1. High Energy Lasers (HEL): وهو النوع الأكثر شهرة ويتم إستخدامه على نطاق واسع في العديد من منظومات القتال البرية والبحرية والجوية والفضائية، تصدر أشعة الليزر عالية الطاقة (HEL)  شعاعًا مركّزًا من الضوء، يكون عادةً من طيف الأشعة تحت الحمراء إلى الطيف المرئي. وتوفِّر مخرجات طاقة منخفضة تصل إلى 1 كيلو وات، ويمكن أن تكون أشعة الليزر هذه مستمرة أو نبضية، تتيح لها دقتها استهداف وإذابة المعادن والبلاستيك والمواد الأخرى.
  • Millimeter Wave Weapons  : أسلحة الموجات المليمترية في نطاق الطول الموجي من 1 إلى 10 مليمتر، مما يوفر طاقة تزيد عن 1 كيلو وات. ويمكنها التأثير على أهداف متعددة في وقت واحد بسبب شعاعها الأوسع. وهي مصممة لتسخين الطبقة العليا من الجلد بشعاع مركّز من طاقة الموجات المليمترية وإجبار الأفراد المستهدفين على التفرق بسبب الإحساس بالحرارة، وهذا السلاح صامت وموجاته غير مرئية، وفي حال التعرض له لوقتٍ طويل ، فهو يتسبب بحروق من الدرجة الثالثة وإصابات قد تؤدي إلى الموت.
  • High Power Microwave Weapons: تنتج أسلحة الميكروويف عالية الطاقة موجات ميكروويف ذات أطوال موجية أطول من أشعة الليزر أو الموجات المليمترية. وهي قادرة على إنتاج أكثر من 100 ميغاواط من الطاقة ويمكنها تعطيل أهداف متعددة ضمن منطقة شعاعها الأكبر.

تقدم أسلحة الطاقة الموجهة طيفًا من التأثيرات تتدرج من غير القاتلة إلى القاتلة، والتي يمكن التحكُّم بها من خلال عوامل معينة مثل مدة التعرض والإستهداف، والمسافة، ومنطقة الإستهداف. وبذلك، يمكن استخدامها بطريقة متدرِّجة، تشمل التأثيرات غير القاتلة مثل تعطيل الأنظمة الإلكترونية مؤقتًا أو منع الوصول إلى مناطق أو أنظمة مادية محددة، أو تقليل فعالية أجهزة استشعار العدو وأجهزته الإلكترونية. أما التأثيرات القاتلة فتشمل تدمير الأهداف أو إلحاق أضرار جسيمة بها من خلال تركيز الطاقة لإذابة أو تعطيل المكونات الهامة والحرجة فيها، والجدير ذكره هنا، أن كثيراً من البحوث السرية والإبتكارات المتعلقة بأسلحة الطاقة الموجهة، تركِّز على المجال الفضائي وتدمير الأقمار الإصطناعية واعتراض الصواريخ في مرحلة الطيران في الفضاء، ويعود السبب في ذلك إلى فعالية هذه الأسلحة في هذا المجال، لا سيما ضد أقمار الإتصالات ومنظومات القيادة والسيطرة والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية. 

نشر موقع “Kings Research” في نهاية العام 2024، تقريراً يتحدث عن الشركات التي تقود عملية تطوير أسلحة الطاقة الموجهة، وجاء الترتيب على الشكل التالي:

  1. Lockheed Marten Corporation: تعتبر الأولى في العالم في صناعة الأسلحة، هذه الشركة طورت تقنيات وبرامج لأسلحة الطاقة الموجهة، مثل نظام Helios للبحرية الأميركية، وهذا النظام يعمل ضد المسيرات، وهي طورت أنظمة مماثلة تُدمج مع منصات أرضية وجوية عديدة.
  • Boeing: طورت هذه الشركة نظام

“Counter-electronics High power Microwave Advanced Missile Project. -CHAMP” ، وهذا النظام الواعد يستخدم موجات المايكروويف لتعطيل عمل الأنظمة والمعدات الإلكترونية عند العدو دون أي تدمير مادي.

  • Rafael Advanced Defense System Ltd: تعتبر هذه الشركة رائدة في صناعة أسلحة اللايزر، وأبرزها “Iron Beem Laser Defense System” المضادة للأهداف قصيرة المدى، مثل الصواريخ والمسيرات، ولديها شراكة قوية مع شركة “Lockheed Marten” الأميركية لتعزيز خبرتها في مجال أسلحة الطاقة الموجهة.
  •  Rheinmetall AG: أحدث ما لدى هذه الشركة نظام دفاع جوي تم فيه دمج نظام طاقة موجهة (لايزر) ضد المسيرات والصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية.
  • MBDA: تعمل هذه الشركة العريقة على دمج تقنيات الطاقة الموجهة اللايزر مع اسلحة الدفاع الجوي التقليدية في نظام واحد، ما يزيد من فعاليتها ويمكنها من إصابة الاهداف بدقة متناهية.
  • RTX Raytheon Technologies: تقدمت هذه الشركة بخطوات واسعة في مجال إستخدام اللايزر في أنظمة الدفاع الجوي ضد الصواريخ والتهديدات الجوية، وأنظمتها يمكن دمجها مع منصات جوية وأرضية وبحرية.
  • BAE Systems: تطور هذه الشركة أسلحة تعمل باللايزر وأخرى بموجات المايكروويف، مع التركيز على مسألة المرونة والقدرة على تركيز هذه الاسلحة على منصات مختلفة ومتعددة الإستعمالات.  
  • Northrop Grumman Corporation: تعمل هذه الشركة على عدة إتجاهات في أسلحة الطاقة الموجهة، بما فيها طاقة اللايزر العالية، وهي تسعى للتوصل إلى أنظمة فعالة ضد التهديدات الحالية، بما فيها الصواريخ الحديثة والمتقدمة تكنولوجياً.

قدِّرت قيمة سوق الأسلحة الموجهة بالطاقة العالمية بنحو 6،1 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وحوالي 8 مليار دولار في العام 2024 من المتوقع أن تصل إلى 47،1 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2032 بمعدل نمو سنوي مركَّب قدره 25.45٪ بين العامي 2024 و 2032. تكتسب الأسلحة الموجهة بالطاقة زخمًا عالميًا (معدل النمو السنوي المركب في أمريكا الشمالية 25،7٪، ومعدل النمو السنوي المركب في آسيا والمحيط الهادئ 25،9٪، وأوروبا تشهد نموًا كبيرًا). يغذي الإنفاق العسكري الأمريكي سوق أميركا الشمالية بمشاريع مثل مركبة سترايكر بالليزر بقوة 50 كيلووات. ويعزز الإنفاق العسكري الصيني سوق آسيا والمحيط الهادئ، بينما تستثمر اليابان 100 مليون دولار لنشر 150 نظامًا للأسلحة في غضون خمس سنوات. وتشهد أوروبا نموًا في أبحاث الأسلحة الليزرية والاستثمارات البحرية. وتشمل العوامل التي تدفع إلى نمو سوق أسلحة الطاقة الموجهة ، زيادة الطلب على هذه الأسلحة كونها تستخدم  للاستهداف الدقيق وتقليل الأضرار الجانبية، لا سيما في حالات إستخدام القوة العسكرية في مناطق مأهولة أو ضد أهداف خطرة وحساسة، حيث يكون المطلوب تأثيراً محدوداً لتعطيلها، مثل المفاعلات النووية أو معامل الطاقة التي تحتوي على مواد خطرة، وتوفِّر التطورات التكنولوجية، والبحوث الجارية في مجال أسلحة الطاقة الموجهة، ودمج هذه الأسلحة مع الأسلحة التقليدية، فرص نمو كبيرة للمشاركين في صناعة أسلحة الطاقة المطلوب، بالإضافة إلى ذلك، تتمتع أسلحة الطاقة الموجهة بمعدلات دقة عالية بشكلٍ استثنائي، حيث تحقق بعض الأنظمة دقة شبه خالية من العيوب في الإشتباكات. ووفقًا لتقارير من وزارة الدفاع الأمريكية وشركات الدفاع العاملة على تطوير أسلحة الطاقة الموجهة، فإن معدلات الدقة في مواقف الإختبار الخاضعة للرقابة تتجاوز 90٪.

تعتبر دقة أسلحة الطاقة الموجهة تقدماً كبيراً في مجال التكنولوجيا العسكرية، حيث توفر مزايا استراتيجية في سيناريوهات الحرب الحديثة التي تتميز بالوتيرة السريعة والتهديدات غير المتكافئة. ومع تقدم أنظمة الطاقة الموجهة واكتمال مفاهيم إستعمالاتها، فإن مكانتها كأدوات دقيقة تؤمن إستجابة ممتازة وعملية لتحسين القدرات العسكرية ستنمو بشكل أكبر، مما يلبي إتجاهات وحاجات أسواق الأسلحة، والجدير ذكره هنا، أن سوق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يتعامل مع هذا النوع من الأسلحة بالمستوى المطلوب من الإهتمام، لا سيما في منطقة الخليج، والمتوقع مع الوعي المستقبلي لأهمية هذه الأسلحة وضرورة حيازتها، أن يزداد الطلب عليها وأن تصبح مكوِّن أساسي في منظومات القتال العربية.