داليا زيادة
لا يزال العالم مرتبكاً أمام المشاهد الدرامية لعودة حركة طالبان المتطرفة إلى الهيمنة على السلطة في أفغانستان، عقب الانسحاب السريع والفوضوي للقوات العسكرية التابعة للولايات المتحدة وحلف الناتو، في منتصف أغسطس. فقد تدهور المشهد في أفغانستان بسرعة لم يتوقعها أحد، بما في ذلك الإدارة الأمريكية نفسها، واستطاعت طالبان بين ليلة وضحاها الاستحواذ على السلطة، دون أي مقاومة تذكر من الحكومة الأفغانية أو الجيش الأفغاني، الذي يبلغ قوامه ١٩٦ فرد في الخدمة مدربين على يد الجيش الأمريكي، بالإضافة إلى الأسلحة والمعدات المتقدمة، بما فيها أسطول طيران قادر على تدمير معاقل طالبان بالكامل في غضون أيام. لقد كان الجيش الأفغاني، الذي استسلم بهدوء شديد أمام ميليشيا طالبان، أكبر من حيث الحجم والقوة من جيوش بعض الدول الحلفاء في الناتو.
هل طالبان التي نراها اليوم تختلف عن حركة طالبان المتطرفة الوحشية التي عاثت فساداً في جميع أنحاء أفغانستان وأوت تنظيمات إرهابية هددت أمن العالم، أشهرها تنظيم القاعدة، منذ عشرين عامًا؟ هل ستكون إمارة طالبان الإسلامية قادرة على قيادة بلد يبلغ تعداد سكانه ثمانية وثلاثين مليون نسمة دون انتهاك حقوقهم الإنسانية الأساسية، لا سيما حقوق النساء والأطفال، تحت زعم تطبيق شريعة الله؟ كيف يضمن المجتمع الدولي أن لا تتسبب نسخة طالبان المتطرفة إلى حد الخلل لمبادئ الشريعة الإسلامية لن تعيد إحياء وتقوية شوكة التنظيمات الإرهابية القديمة وتخلق جماعات إرهابية جديدة قادرة على تهديد الأمن والسلم العالميين؟ كل هذه الأسئلة وأكثر ما زال المحللون والسياسيون غير قادرين على الرد عليها بشكل حاسم وواضح، على الرغم مما يبديه بعضهم من تفاؤل غير مفهوم تجاه الأكاذيب التي تسوقها الآلة الإعلامية لحركة طالبان، في الوقت الحالي، بهدف إقناع العالم بأكذوبة مفادها أن الحركة تغيرت ومستعدة للتخلي عن أيدولوجيتها المتطرفة لتمارس السياسة.
الشيء الوحيد الذي نعرفه بشكل أقرب لليقين هو أن هيمنة طالبان على السلطة في أفغانستان قد أصبح أمر واقع والعالم مجبر على التعامل معه، خصوصاً مع توقعات منطقية بأن الوضع في أفغانستان سوف يسير من سيء إلى أسوء لمدة عقدين من الزمن على الأقل، وسيكون أول وأكبر المتأثرين به هي منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلاً. لهذا السبب، يحتاج الشرق الأوسط إلى تجهيز نفسه لكل السيناريوهات المحتملة لعواقب الانسحاب الأمريكي من المنطقة. إن المشاهد المأساوية في مطار كابول لمواطنين أفغان يتشبثون بعجلات وأجنحة الطائرات الحربية الأمريكية في محاولة للهرب من جحيم طالبان لا تُقارن بالمآسي الكثيرة المتوقع ظهورها بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق، والذي قد يحدث في وقت أقرب مما نتوقع. مع الأسف، يبدو مستقبل منطقة الشرق الأوسط مظلمًا وفوضويًا، لكن على الأقل لا تزال هناك فرصة أمام دول الشرق الأوسط للاجتماع من أجل اتخاذ إجراءات موحدة قد تساهم في تقليل أو تلطيف أثر الأضرار المتوقعة.
أصداء أفغانستان على الخليج العربي
نحن نعلم على وجه اليقين أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وقريباً من العراق وسوريا، يمثل بداية عصر جديد بالكامل بالنسبة لمنطقة لشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا. إن منطقة الخليج العربي، على وجه الخصوص، معرضة لخطر كبير بفعل الأحداث الجارية في أفغانستان، ربما خطر يوازي ذلك الذي تسبب فيه الربيع العربي لبعض الدول، حيث أن مشاكل أفغانستان قد بدأت بالفعل وبسرعة غير متوقعة في الزحف إلى منطقة الخليج العربي.
مباشرةً بعد استيلاء طالبان على العاصمة كابول، في ١٥ أغسطس، فر الرئيس الأفغاني المستسلم، أشرف غني ومعه عائلته ورفاقه، على متن طائرة إلى سلطنة عمان، بعد أن رفضت طاجيكستان جارة أفغانستان استقبالهم. من المثير أن نرى سلطان عُمان كأول دولة خليجية تتورط رغماً عنها في هذا المشهد الفوضوي، وهي التي تحرص دائماً على الانشغال بمصالحها المباشر وتفضل الابتعاد بمسافة آمنة عن مشكلات المنطقة.
بعد ذلك بيومين، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية أن دولة الإمارات استقبلت الرئيس الأفغاني وعائلته لأسباب إنسانية. في اليوم التالي، نشر أشرف غني مقطع فيديو أكد فيه أنه لا يخطط للبقاء في الإمارات لفترة طويلة، وبمجرد أن تسمح الظروف، سوف يعود إلى حياته في أفغانستان. فضلاً على هذا، ذكرت بعض المصادر في مطار كابول، أن القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني، بسم الله محمدي، قد هرب هو الآخر على متن طائرة متجهة إلى الإمارات، ليلة ١٦ أغسطس، بعد أن استسلم جيشه لطالبان.
رغم ذلك، تحاول المملكة العربية السعودية والإمارات، قدر المستطاع، الحفاظ على موقف محايد تجاه الأحداث في أفغانستان. بمجرد اندلاع الاضطرابات، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانًا دعت فيه طالبان إلى الحفاظ على الأرواح والممتلكات، مذكّرةً إياهم بأن هذا من صميم تعاليم الإسلام. في نهاية البيان، اختارت السعودية أن تعلن بوضوح عدم انحيازها إلى أي طرف في أفغانستان بإعلانها أنها “تقف مع الخيارات التي يتخذها الشعب الأفغاني دون أي تدخل”.
على مستوى أكثر عمقاً، فإن قيادات حركة طالبان موجودون بالفعل داخل قطر منذ أكثر من عشر سنوات، ولقد استخدموا مكتبهم في الدوحة كمنصة رئيسية للتحدث إلى وسائل الإعلام العالمية، منذ بداية تصاعد الأحداث الأخيرة في أفغانستان. استضافت الدوحة مكتب التمثيل الدبلوماسي لطالبان، عام ٢٠١٠، على الرغم من نبذ العالم كله لها، وعلى الرغم من عدم شرعيتهم السياسية بعد تشكل حكومة تولت قيادة البلاد فيما بعد. لكن طوال هذه السنوات، استمرت طالبان في ممارسة العمل السياسي من خلال تشكيل حكومة ظل كانت تعمل بالتوازي مع الحكومة الرسمية، وكان يدير ويمول حكومة الظل قيادات الحركة المتواجدين في الدوحة. في يوم ١٦ أغسطس، قال وزير الخارجية القطري إن حكومته تعمل عن قرب مع طالبان لإجلاء البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب.
تهديد لطموحات الخليج الاقتصادية والعسكرية
إن الخطر الحالي الذي تتعرض له منطقة الخليج العربي ليس ناتجًا فقط عن القرب الجغرافي لمنطقة الخليج من أفغانستان وإيران، ولكن بشكل أساسي لأن المشاكل السياسية في أفغانستان يتم تصديرها بسرعة كبيرة إلى دول الخليج في وقت يعاني فيه الخليج من خلافات داخلية لم يتم حسمها بشكل كامل بعد.
بذلت دول الخليج العربي جهودًا ضخمة، في السنوات القليلة الماضية، لتعظيم قدراتها العسكرية وتنويع الموارد لاقتصادها المعتمد على النفط. والآن كل هذه المجهودات مهددة بآثار التحولات السياسية الأخيرة في أفغانستان على المنطقة، واحتمال عودة ظهور الإرهاب في ظل حكم طالبان، بما يشكل تهديدا للطموحات الاقتصادية والعسكرية لدول الخليج العربي.
على مدى العقدين الماضيين، تحولت ثلاث دول خليجية عربية، هي السعودية والإمارات وقطر، إلى دول براجماتية حديثة ذات منشغلة أولاً وأخيراً بتعظيم قوتها وتنويع مصادر ثروتها. أدى ذلك إلى خلق حالة من المنافسة الصحية بينهم، والتي تشكل حاليًا معظم القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية لدول الخليج ككل، بل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها.
في السنوات الخمس الماضية وحدها، أنفقت السعودية والإمارات وقطر مليارات الدولارات على توسيع وتقوية بنيتها العسكرية. وفقًا لمؤشر جلوبال فايرباور للقوة العسكرية لعام ٢٠٢١، تم تصنيف السعودية والإمارات من بين أقوى ستة جيوش على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جنبًا إلى جنب مع تركيا ومصر وإسرائيل. يسمي العديد من المحللين العسكريين الإمارات العربية المتحدة باسم “أسبرطة الصغيرة” في إشارة إلى ارتفاع كفاءتها العسكرية في وقت قياسي مقارنة بعدد سكانها الصغير نسبيًا ومساحتها الجغرافية.
كما امتدت الطموحات المتزايدة لدول الخليج العربي إلى الساحة الاقتصادية أيضاً، ولكن بشكل ربما يهدد تماسك وجدوى استمرار العمل في مجلس التعاون الخليجي. منذ سبعينيات القرن الماضي، اعتمدت اقتصادات دول الخليج بشكل كامل على الثروة البترولية المكتشفة في أراضيها. لكن في السنوات القليلة الماضية، بدأت أكثر دول الخليج العربي نشاطاً سياسياً واقتصادياً، خاصة السعودية والإمارات، البحث عن فرص شراكة واستثمار مع الدول الغربية بهدف تنويع موارد دخلها وتعزيز الاقتصاد.
في مقابلة تلفزيونية في أبريل، ناقش ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المهمة التي يقوم بها من أجل تطوير اقتصاد المملكة عبر البرنامج الاقتصادي الطموح رؤية السعودية ٢٠٣٠. اعترف ولي العهد أن النجاح في هذه المهمة يتطلب تحديث المجتمع السعودي وتغيير نظام الدولة بما يشجع الاستثمار الأجنبي ويفتح السعودية على العالم دون المخاطرة بالتراث الثقافي الفريد الذي تتمتع به المملكة. بشجاعة كبيرة، قال ولي العهد إنه مستعد لإنجاز هذا التحدي، بشكل قد يساهم في نقل منطقة الخليج ككل إلى الحداثة.
لكن مع الأسف، منذ أقل من شهرين، كادت هذه المنافسة أن تحدث توتر سياسي بين السعودية والإمارات، وسرعان ما تدخلت القيادة السياسية الحكيمة في البلدين لاحتواء الخلاف. لكن هذا لا يمنع أن أصل الخلاف نفسه ما زال قائماً، في إطار المنافسة بينهما، ومن ثم فإنها قد تزيد من الآثار الضارة لحقبة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط. لهذا يجب ترسيخ الروابط بين جميع دول الخليج العربي وإعادة إحياء دور مجلس التعاون الخليجي في قيادة المنطقة، على الأقل اقتصادياً، في أقرب وقت ممكن.
التحالف الجديد الذي سيقود الشرق الأوسط
من أهم مخرجات المنافسة الحالية بين دول الخليج العربي، والتي تتوازى مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، هو أن الائتلافات والتحالفات التقليدية في منطقة الشرق الأوسط ككل سوف تخضع لتغيرات حتمية، وإن كانت تتشكل ببطء. بعبارة أخرى، لم يعد مسرح الشرق الأوسط عبارة عن مشهد تقف فيه السعودية والإمارات والبحرين ومصر معًا في معسكر واحد مختصماً معسكر مضاد مكون من قطر وتركيا وإيران وباكستان. منذ أن تولت إدارة جوزيف بايدن السلطة في الولايات المتحدة، انهار واحد على الأقل من هذين المعسكرين، بينما تعزز الآخر وقويت شوكته. ترتب على ذلك ظهور فراغ سمح بتشكيل تحالف جديد، وهو تحالف غريب بعض الشيء، من المفترض أن يتولى قيادة المنطقة لعقود قادمة.
يتكون التحالف الجديد من السعودية وقطر ومصر وتركيا كلاعبين أساسيين. ربما ترغب الإمارات في الانضمام لهذا التحالف في المستقبل، خاصة بعد التقارب المفاجئ مؤخراً بين الإمارات وتركيا بعد سنوات من العداء المعلن والتهديدات المتبادلة بينهما. في اليوم التالي لسقوط كابول في يد طالبان، منتصف شهر أغسطس، قام مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعرض عليه ضخ استثمارات اقتصادية في تركيا وتحسين العلاقات بينهما. تحرك الإمارات نحو تركيا بهذا الشكل أصاب الكثير من المراقبين بالصدمة، خاصة في مصر التي عطلت مصالحتها مع تركيا أكثر من مرة احتراماً لخلاف شقيقتها الإمارات مع تركيا.
يمكن للتحالف الجديد، الذي يتشكل حالياً، وإن كان بوتيرة بطيئة للغاية، أن يخفف من أضرار ويسيطر على معظم التهديدات الاستراتيجية التي من المتوقع أن تواجهها المنطقة في السنوات القادمة، بفضل المواقع الجغرافية الاستراتيجية لأعضائه، على أبواب القارات الثلاث أوروبا وأسيا وأفريقيا، فضلاً على القوى العسكرية والاقتصادية التكاملية التي يتمتعون بها.
تعتبر باكستان وإيران أيضًا جزءًا لا يتجزأ من هذا التحالف الجديد. تعتبر باكستان، على وجه الخصوص، الداعم المثالي لهذا التحالف في العمق الاستراتيجي الجنوبي الشرقي لمنطقة الخليج. باكستان هي الجار المباشر لمنطقة مليئة بالمشاكل في أفغانستان وإيران. هذا بالإضافة إلى العلاقات التاريخية الباكستانية والتعاون العسكري القوي مع تركيا. وفي الوقت نفسه، تمكنت باكستان من إقامة علاقات متوازنة، خاصة في المجال العسكري، مع مصر والسعودية خلال العامين الماضيين وبما لا يؤثر على استمرار علاقتها مع قطر، لا سيما في أثناء سنوات المقاطعة الخليجية.
لكن، جلب إيران لدعم هذا التحالف يبدو وكأنه مهمة مستحيلة في الوقت الحالي. منذ بداية العام، أعلنت المملكة العربية السعودية بالفعل عن اهتمامها ببدء محادثات مع عدوها التاريخي إيران. وتحدثت بعض التقارير عن محادثات على المستويين الأمني والاستخباراتي بين البلدين في شهر مارس.
على مستوى آخر، نشطت قطر بشكل استثنائي في المصالحة بين تركيا ومصر، بعد توقيع اتفاقية العلا في شهر يناير، والتي أنهت أربع سنوات من المقاطعة العربية لقطر. لكن مع الأسف، تعثرت جهود المصالحة بين تركيا ومصر، طيلة الشهرين الماضيين.
في ضوء التطورات الأخيرة في أفغانستان، من المتوقع أن يلعب التحالف القائم بالفعل بين تركيا وقطر وباكستان دورًا حاسمًا في لملمة الفوضى، بعد أن تكمل الولايات المتحدة انسحابها من الشرق الأوسط. باكستان هي الجار المباشر لأفغانستان وقيادتها السياسية لديها تأثير كبير على حركة طالبان. تركيا لديها حدود مع سوريا والعراق، ولها وجود عسكري قوي منذ سنوات عديدة في أفغانستان والعراق وسوريا. قطر هي الدولة المضيفة وأكبر داعم في العالم لقيادات حركة طالبان.
تصر تركيا حاليًا على إبقاء قواتها العسكرية داخل أفغانستان، رغم انسحاب جميع قوات الناتو الأخرى، ورفض طالبان الصريح لاستمرار وجود القوات التركية داخل أفغانستان. قبل يوم واحد من سيطرة طالبان على كابول، كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في باكستان سعياً إلى وساطة القيادة الباكستانية في المفاوضات مع طالبان للسماح للقوات التركية التي يبلغ قوامها حوالي ٦٠٠ قوة عسكرية بمواصلة العمل على إدارة مطار كابول.
في ١٧ أغسطس، قال وزير الخارجية التركي السابق حكمت جتين، والذي خدم سابقًا في أفغانستان كجزء من مهمة الناتو، إن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، رتب مغادرة وزيري الخارجية الأفغان السابق رينكين دادفار سبانتا، والحالي محمد حنيف أتمار، من مطار كابول إلى اسطنبول، بعد أن أجبرتهما عناصر طالبان على النزول من طائرتهما التي كان من المفترض أن تقلهما إلى الدوحة.
المصالحة المتعثرة بين مصر وتركيا
تراقب القيادة السياسية في مصر تطورات الوضع في أفغانستان عن كثب، ولكن دون الإدلاء بأي تصريحات أو إظهار أي انحياز مع أو ضد طالبان أو أي طرف أخر. تتمتع مصر بعلاقات اقتصادية وعسكرية قوية مع روسيا والصين، وكلاهما يظهر دعم وتأييد كبير لطالبان. في الوقت نفسه، لا تريد مصر أن تفقد مكانتها على المدى الطويل كحليف إقليمي استراتيجي للولايات المتحدة، التي كان انسحابها الغير منظم سبب في عودة طالبان للمشهد.
في نفس اليوم الذي سقطت فيه كابول في أيدي طالبان، قام ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بزيارة القاهرة والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. من بين المواضيع التي ناقشاها موضوع أفغانستان وانسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط بشكل عام، لكن لم يتم الكشف عن أي تفاصيل لوسائل الإعلام حول الدور الذي قد تلعبه مصر في حقبة ما بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة. أياً كان هذا الدور، تحتاج مصر إلى تعزيز علاقتها مع محور تركيا وقطر وباكستان حتى تنجح في إنجازه، خصوصاً بعد التطورات الخطيرة في أفغانستان.
شهدت عملية المصالحة المصرية التركية نشاطاً كبيراً، بين شهري مارس ومايو، ثم توقفت فجأة، وربما تكون فشلت أيضاً دون أن يعلن أي من الطرفين موتها، وقد أدى ذلك إلى اشتعال المناطحات السياسية بين البلدين مرة أخرى، خصوصاً على مستوى المصالح الإقليمية لكل منهما. في شهر يونيو، أعرب الرئيس المصري عن دعمه المطلق لليونان في صراعها البحري التاريخي مع تركيا. وفي أغسطس، أعلن الرئيس التركي أردوغان دعمه المطلق لحكومة أبي أحمد في إثيوبيا، سواء في صراعاتها الداخلية أو الإقليمية. في ليبيا أيضًا، عادت مصر وتركيا مرة أخرى للوقوف ضد بعضهما البعض، مع تصاعد الانقسامات بين الفصائل السياسية في شرق وغرب ليبيا.
عندما تدخل الجيش التركي في ليبيا، في ديسمبر ٢٠١٩، اعترضت مصر على وجود القوات التركية في عمقها الاستراتيجي الغربي. أدى ذلك إلى سلسلة من الاشتباكات التي كادت أن تكون على شفا معركة عسكرية بين مصر وتركيا. نتيجة لذلك، كان لا بد من بدء سلسلة من المحادثات الأمنية بين مكتبي المخابرات المصرية والتركية. كان هذا هو أول حوار مباشر بين البلدين منذ حوالي ثمانية سنوات قضاها البلدان في عناد سياسي متصاعد.
فقط في شهر مارس بدأت محادثات المصالحة بين مصر وتركيا تتخذ شكلاً جدياً، خاصة بعد نجاح المصالحة الخليجية العربية، وتدخل قطر للمصالحة بين مصر وتركيا. في تلك المرحلة، انتقل الحوار بين البلدين إلى المسار الدبلوماسي. في مايو، عقد في القاهرة اجتماع على مستوى نائبي وزير الخارجية المصري والتركي لإجراء محادثات استكشافية حول المصالحة. عم التفاؤل بشأن نجاح محادثات المصالحة بين مصر وتركيا على المشهد، بين شهري مارس ومايو، خاصة بعد أن اتخذت تركيا خطوات مهمة للسيطرة على إعلام الإخوان الذي كان يبث من أراضيها ضد الدولة المصرية ورئيسها، لكن فجأة توقفت المحادثات وعاد البلدان إلى اتخاذ خطوات متناقضة ضد بعضهما.
كان من المفترض أن تعقد الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين مصر وتركيا في أنقرة في شهر يونيو. لكن لم يحدث هذا مطلقًا، ولا يوجد بيان رسمي واضح يوضح السبب. يدعي بعض المحللين أن هذا يرجع إلى الضغوط السياسية على مصر من قبل الإمارات. مع ذلك، لا يوجد دليل واحد صريح لدعم هذا الادعاء. والأرجح أن قرار المحكمة المصرية الصادر في يونيو بإعدام قيادات الإخوان المسلمين هو السبب الحقيقي وراء تجدد التوترات، حيث كان هناك اعتراض قوي في وسائل الإعلام التركية والدوائر السياسية على قرار المحكمة المصرية، ورأت القيادة المصرية في ذلك تدخلاً في قضية داخلية من جانب تركيا، وبالتالي كسر أحد بنود المصالحة المأمولة بين البلدين.
في غضون ذلك، وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، اتخذت الإمارات خطوات سريعة لإصلاح علاقتها مع تركيا، بالنظر إلى الدور الإقليمي المحتمل لتركيا في حقبة ما بعد الانسحاب الأمريكي. على الرغم من العداء القوي بين البلدين بسبب الخلاف حول العديد من القضايا الإقليمية، قررت القيادة الإماراتية فتح صفحة جديدة مع تركيا من خلال التعاون الاقتصادي. في ١٨ أغسطس، زار مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد أنقرة والتقى بالرئيس التركي أردوغان لمناقشة إعادة العلاقة بين البلدين.
استنتاجات وخاتمة
أصبح انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط حقيقة يتعين على دول الشرق الأوسط قبولها والتكيف معها بأسرع ما يمكن. كما أن صعود حركة طالبان في أفغانستان، والصعود المحتمل لجماعات متطرفة أخرى في سوريا والعراق بعد استكمال الانسحاب الأمريكي من المنطقة، هو أيضاً حقيقة يجب على الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج العربي، الاستعداد لها، لذلك أصبح تسريع عملية المصالحة التركية مع كل من مصر ودول الخليج العربي، خاصة السعودية، أولوية قصوى يجب إنجازها في أقصر وقت ممكن، حيث تسببت التوترات المتجددة بين تركيا ومصر بشكل خاص إلى تأخير تشكيل تحالف قوي يمكن أن يقود المنطقة خلال السنوات الصعبة القادمة. إن السماح للانقسام السياسي بين مصر وتركيا لأن يتسع من جديد، في هذا التوقيت الحرج، قد يعرض منطقة الشرق الأوسط بأكملها لتهديد وجودي. أما توحيد الرؤية الإقليمية والتعاون المثمر بين تركيا ومصر والسعودية، فهو أمر بالغ الأهمية لحماية المنطقة، خصوصاً دول الخليج العربي، التي تعد المستقر الوحيد في منطقة من الاضطرابات اللانهائية، من عاصفة الغموض التي أتى بها الوضع المتدهور في أفغانستان، والمآسي الأخرى المتوقعة بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق، ربما في المستقبل القريب.
قم بكتابة اول تعليق