أحمد صابر عباس
بعد موافقة الولايات المتحدة على إرسال 31 دبابة “إبرامز” إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى عشرات الدبابات الألمانية من طراز “ليوبارد”، والإنجليزية من طراز “تشالنجر”، بدأت الأسئلة التهكمية تزداد بين المحللين الروس حول طريقة تعامل الجنرالات الروس مع ساحة المعركة، وكان السؤال الرئيسي الذي يشغل مجتمع “تليجرام”: كيف ستواجه روسيا هذه الدبابات باستخدام دبابات “تي-62” التي تم سحبها منذ فترة طويلة من الخدمة، ليس فقط في الاتحاد الروسي، ولكن حتى في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية.
أولاً.. كيف استقبل الروس القرار الأمريكي بإرسال دبابات “إبرامز” الى أوكرانيا؟
بمراقبة ردود الفعل الروسية في أهم قنوات التحليل، وجدت تخبطًا كبيرًا في استقبال الخبر، بعض المحللين ذهب إلى التهويل عبر القول بأنها خطوة غربية مدروسة لإرغام روسيا على القيام بحرب كاملة وإعلان التعبئة العامة ووقف الاستيراد والتصدير، والإنخراط في الحرب بكل الإمكانيات، وذلك لتحقيق هدفين، الأول تحفيز نشوب الحروب الأهلية ليس فقط داخل روسيا، وإنما خارجها في الدول المتحالفة مع الروس في آسيا الوسطى، وتمويل الانقلابات، وبالتالي تفكك جميع الروابط الروسية وعزلها، فيما أسموه الحرب القارية، والهدف الثاني تفريغ الروس من جميع القدرات الاقتصادية.
تحدث آخرون وعلى رأسهم “إيغور ستريلكوف” الذي رصدت المخابرات الأوكرانية مبلغًا ماليًا للقبض عليه، أن الدبابات الغربية المرسلة تشكل تهديدًا على القوات الروسية التي لن تستطيع مواجهة هذه الدبابات المتطورة باستخدام “تي-62″، لكنه في الوقت نفسه قال بأن هذا العدد من الدبابات ليس كافيًا لهزيمة الروس. وبالفعل فإن الجيش الأوكراني لا زال يحتاج لمئات الدبابات، أنظمة الدفاع، وموافقة الولايات المتحدة على إرسال صاروخ ATACMS الذي يصل مداه الى 300 كيلومتر، والذي ترفض الولايات المتحدة تسليمه حتى الآن لأوكرانيا، حيث قال نائب وزير الدفاع الأمريكي “كولين كال” أن أوكرانيا تستطيع تغيير ديناميكيات ساحة المعركة ودفع الروس للتراجع دون هذا الصاروخ.
وذكر ستريلكوف أن أوكرانيا طلبت 300 دبابة و 300 مركبة قتال مشاة حديثة، و 500 منشأة مدفعية حديثة ذاتية الدفع، وقدمت كييف وعدًا أنها ستصل لحدود 2013 إذا تسلمت هذه المعدات، وفي هذه الحالة ستواجه روسيا جيشًا قويًا خاصةً أنه يجري تدريب الآلاف الجنود الأوكران في الدول الغربية، وحتى مع وجود اعتقاد بأن الجنود الأوكران غير قادرين على التعامل مع دبابات “أبرامز”، إلا أن هذا غير صحيح حيث يمكن الاستعانة بمتطوعين أجانب أو تدريب جنود أوكران خلال شهرين فقط للوصول لمستوى جيد.
ما الأمل الذي يعول عليه الروس للصمود أمام الدبابات الغربية؟ هل تكفي “تي-14 أرماتا”؟
يعول الكثير من الروس في هذه اللحظات على استخدام القوات المسلحة لدبابات “تي-14 أرماتا” في صفوف القتال الأمامية، إلا أنها في حقيقة الأمر لن تستطيع تغيير المعادلة كثيرًا أمام دبابات “أبرامز” و”ليوبارد 2″ في النموذجين السادس والسابع.
ليست هذه المشكلة الوحيدة، بل إن الجنود الروس يشككون في جودة هذه الدبابات، وفقًا لتقييم استخباراتي، فإن القوات الروسية ترددت في استلام شحنات من دبابات “تي-14 أرماتا”، كما قالت وزارة الدفاع البريطانية أن موسكو مترددة بشأن إرسال عدد محدود من هذه الدبابات إلى الصفوف الأمامية، وقال التقرير بأن الجنود رفضوا بالفعل استلام شحنة من الدبابات بسبب سوء حالتها، وأشار التقرير إلى وجود مشكلات بأنظمة التصوير الحراري والمحركات، على الرغم من أنه جرى التسويق لهذه الدبابة على مدار سنوات باعتبارها طفرة جديدة نتيجة احتواءها على برج غير مأهول مما يعني بأن الطاقم محمي تمامًا، وقادر على التحكم عن بعد في أسلحة الدبابة.
وبغض النظر عما إذا كانت وزارة الدفاع البريطانية محقةً تمامًا بشأن رفض الجنود الروس لهذه الدبابة أم لا، فإن الواقع يشير إلى أن هذه الدبابات على الأقل غير موجودة بالعدد الكافي لتغيير المعادلة ومواجهة الدبابات الغربية، وإلا فإن القوات الروسية كانت لتستعين بتلك الدبابة على الفور.
وحتى إذا كانت هذه الدبابات متواجده بالعدد الكافي وهو ما لا يبدو منطقيًا، فإن استخدامها بواسطة القوات الروسية إذا فشل في نهاية الأمر ستكون بمثابة كارثة لسمعة الأسلحة الروسية، حيث لم يتبقى دبابات لم تختبر بعد تقريبًا إلا “تي-14 أرماتا” و “تي-90إم”.
المخابرات الروسية في اختبار لا تحسد عليه.
حتى الآن لا يقتنع العديد من الروس بأداء جهاز المخابرات الروسي منذ بداية الحرب، نتيجة سوء التقدير وغياب القدرة على التنبؤ العسكري الذي كتب عنه كثيرًا القادة الروس خلال العقود السابقة، فمع بداية التدخل الروسي في أوكرانيا، كانت الأسلحة الروسية لديها سمعة جيدة، تكاد تصل لحد الوصف بأنها لا تقهر، خاصة حينما يتعلق الأمر بمنظومة “إس-400” أو طراد “موسكفا”، معظم هذه الأسلحة التي كانت تحظى بإعجاب شديد، تم ضربها بصاروخ أوكراني، كما أن المدرعة الروسية RU armored والتي كان يتم التسويق لها كثيرًا، لم تستطع التقدم في المراحل الأولى من المعركة، وكان التبرير هو أن هناك ظاهرة “Rasputitsa” والتي تعني وجود الطين في التربة بفعل الحرارة مما يمنع تقدم المركبات، فيأتي السؤال هنا : كيف لم تتوقع المخابرات الروسية أبسط الظواهر المناخية وهي عامل رئيس في دراسة ساحة المعركة والإعداد لأي هجوم عسكري؟
يبدو جليًا للعديد من المختصين فشل المخابرات الروسية في تقدير العديد من المعارك التي خاضتها في أوكرانيا، وبالتالي فإن المخابرات الروسية تمر حاليًا باختبار أصعب في كيفية التعامل مع الأسلحة الغربية التي حصلت عليها أوكرانيا، فالحرب الاوكرانية دخلت مرحلةً جديدةً وتمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرات أجهزة المخابرات، وليس فقط الجنود والمعدات العسكرية.