العقيد الركن م. ظافر مراد
ينظر العسكريون إلى الصراعات على أنها جولات عسكرية لا بد لها من نهاية، على أن تنتهي بنتائج سياسية تكون ترجمةً لنتائج المواجهات العسكرية على الأرض، حيث يفرض المنتصر إرادته على الآخر، ويُحقق أهدافه ومطالبه النهائية.
تحدد طبيعة الصراع الإستراتيجيات المعتمدة فيه، بما فيها الإستراتيجيات العسكرية، وفي حالة الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، فالجيش وفقاً لتصريحات قادته، واتهامه لقوات الدعم السريع بالمتمردين، سيعتمد إستراتيجية “السحق” أي القضاء على المكون العسكري المسمى “قوات الدعم السريع”، في المقابل يبدو أن قوات الدعم السريع تتجه لإتباع إستراتيجية السيطرة على الأهداف الإستراتيجية الهامة، ومن ثم التفاوض من موقع القوى والمنتصر، ويعود السبب في ذلك إلى عدم إمكانية سحق الجيش وإنهاؤه، حيث يكتسب الأخير موقعه المؤسساتي الشرعي، ومكانة دولية يحوزها من خلال علاقاته العسكرية الرسمية بجيوش وحكومات الدول الأخرى.
في مقارنة سريعة للقوى العسكرية التي يمتلكها الطرفان ونقاط القوة والضعف، نأتي أولاً على ذكر قدرات الجيش السوداني بقيادة “عبد الفتاح البرهان”، والذي يبلغ عديده 100 ألف، يُضاف عليهم 50 الفاً كقوى إحتياط، والجيش السوداني يُصنف عالمياً بالمركز 75 وفقاً لموقع “Global Firepower” للعام 2023، وهو يمتلك 191 طائرة، 170 دبابة، 7000 عربة عسكرية وحوالي 380 مدفع. أما بالنسبة لقوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، فهي مؤلفة من 100 الف مقاتل، تمتلك حوالي 10 آلاف سيارة رباعية الدفع ومسلحة بمدافع خفيفة ومتوسطة ورشاشات ثقيلة، إضافةً إلى وحدة مدرعات خفيفة.
ينتشر الجيش السوداني في ثكناته ومواقعه العسكرية الثابتة والمعروفة، إضافةً إلى بعض المواقع الحكومية والمنشآت الهامة، بينما تنتشر قوات الدعم السريع في المدن وبعض النقاط الإستراتيجية، وبينما تصرف الحكومة السودانية على الجيش، تسيطر في المقابل قوات الدعم السريع على مناجم ذهب وتقوم بنشاطات تجارية واسعة عبر الحدود، مكَّنتها من تحقيق إكتفاء مالي ذاتي، وبالنظر إلى المقارنة بالقوة في المفهوم التقليدي، نجد أن الجيش يتفوق بشكلٍ واضح على قوات الدعم السريع، ولكن في الحقيقة أن قوات الدعم السريع تمتلك مرونة وحركية أكثر، ولديها قدرة أكبر على القتال في الشوارع بإسلوب حرب العصابات.
عادة وفي الحرب التقليدية، يتسابق الطرفان لضرب الأهداف العسكرية الهامة والمعروفة في العلم العسكري ب(الأهداف ذات القيمة العالية- High Value Targets) التي يحتاجها القائد المعادي لتحقيق أهدافه العسكرية، و (الأهداف ذات المردود العالي – High Payoff Targets) التي إذا خسرها العدو تسهل انتصار القوى الصديقة، من هنا نرى أن المعارك الحاسمة تدور للسيطرة على المطارات والمرافيء والقواعد اللوجستية والثكنات العسكرية والمواقع والنقاط الجغرافية الإستراتيجية، ويكون ذلك عادةً في المرحلة الأولى من المعارك، وتجدر الإشارة هنا إلى أن السيطرة على العاصمة الخرطوم مركز القرار، وبشكلٍ كامل، فإن ذلك يعني الكثير بالنسبة للطرفين، أما في ما خص الإذاعة والتلفزيون الرسمي، فإن السيطرة عليه تعطي أفضلية للمُسيطر لبث روايته للداخل والخارج، والتحكُّم بالتأثير المعنوي على المواطنين والمراقبين وقلب الحقائق وتغيير الوقائع، حيث أنه من المعروف، أنَّ صاحب الرواية الأكثر انتشارا ستكون روايته الأكثر تأثيرا.
مؤسفٌ جداً ما يحدث في السودان البلد العربي الشقيق، فبعد وقتٍ نتمنى أن لا يطول، ستنتهي المعارك بمشهد أكثر تعقيداً وأكثر حزناً ودماراً، وستكون الكلفة كبيرة على الجميع، وسيضاف هذا الحدث المؤسف على سلسلة النكسات التي تعيشها بعض الدول العربية، والتي تُرتِّب مزيداً من الخسارات، ومزيداً من الهشاشة للنظام الأمني العربي.