أ.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
محاضر أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا
في شهر مايو الماضي وتحديدا في مؤتمر هرتسليا -وهو منتدى أمني دولي سنوي للدراسات السياسية والاستراتيجية عقد بجامعة “ريخمان” الإسرائيلية – قال المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية ” إيال زامير ” إن إسرائيل تهدف إلى استغلال قوتها التكنولوجية لتصبح “قوة عظمى” في مجال الذكاء الاصطناعي، وذلك بسبب توقع العديد من العسكريين والباحثين حدوث تقدم كبير في الحروب اللامتماثلة التي تقوم على الآلات ذاتية القيادة، والتي سوف تؤدي إلي تبسيط عملية صنع القرار القتالي. وقال أيضا: “إن الخطوات لتسخير التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي تشمل تشكيل منظمة مخصصة للروبوتات العسكرية في الوزارة، وأنه تم وضع ميزانية عالية جدا مقارنة بكل الميزانيات السابقة للبحث والتطوير في مجال الروبوتات المقاتلة ذاتية القيادة هذا العام”. وأضاف زامير : “إن الذكاء الاصطناعي هو الثورة القادمة التي سوف تغير وجه الحرب في ساحة المعركة القادمة”. وأكد على أن GPT (المحولات التوليدية المدربة مسبقًا) وAGI (الذكاء العام الاصطناعي) لها تطبيقات عسكرية خطيرة ومهمة. وأن للذكاء الاصطناعي دور كبير في التمييز الصحيح وفي الوقت المناسب للأبعاد الدفاعية، والاقتصادية، والوطنية، والدولية.
وقد أشار زامير أن للذكاء الاصطناعي الفضل في الإنجازات التي حققتها إسرائيل في الحروب السيبرانية، وأعطى مثالا للحرب التي شنت ضد المنشآت النووية الإيرانية. وأكد أنه لديه دعم حكومي كبير، وان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد زاد ميزانية الدفاع وتعهد بجعل إسرائيل “قوة” للذكاء الاصطناعي. وختم بقوله: “مهمتنا هي تحويل دولة إسرائيل إلى قوة عظمى للذكاء الاصطناعي وأن نكون على رأس عدد محدود جدًا من القوى العالمية الموجودة في هذا النادي”.
وفي نفس الشهر (مايو 2023) خلال الحرب المصغرة التي شنت على غزة، أفادت صحيفة رويترز أن الجيش الإسرائيلي استخدم لأول مرة برنامج “Knowledge Well” ، وهو روبوت يقدم لمحات عامة في الوقت الفعلي عن عمليات إطلاق الصواريخ الفلسطينية عبر منصة على غرار تطبيق واتس آب. وقال العقيد “إيلي بيرنباوم”، رئيس وحدة البيانات والتطبيقات التشغيلية بالجيش الإسرائيلي، في مقابلة له مع رويترز، أن هناك خطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالطلقات. وقال “بيرنباوم” إن ما يقرب من نصف خبراء التكنولوجيا العسكرية في إسرائيل سيركزون على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2028، وهو جزء من التحول الذي بدأ منذ أن قاد أول منصة للتعلم الآلي – مصممة لاكتشاف محاولات القرصنة – في عام 2016م. وقال: ” إنه وفي الوقت الحالي هناك عدة مئات من الأفراد الذين يتعاملون على نطاق واسع مع المشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ويشكلون 20٪ من التقنيين العسكريين”. وتوقع أنه في غضون خمس سنوات ، سيرتفع عددهم بالآلاف!
تستخدم إسرائيل منذ مدة أنظمة المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه لتعقب الفلسطينيين وتقييد الركاب عبر نقاط التفتيش الرئيسية
ورغم رفض وزارة الدفاع الإسرائيلية تقديم أي ارقام عن تمويل تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد رفع الجيش الإسرائيلي الحجاب عن بعض الأنظمة الذاتية التي تم نشرها بالفعل. مثلا قال مسؤول دفاعي إسرائيلي رفيع المستوى مؤخرًا إن السلطات تبحث في “قدرة المنصات على الضرب في أسراب، أو قدرة أنظمة القتال على العمل بشكل مستقل، ودمج البيانات، والمساعدة في اتخاذ قرارات سريعة، على نطاق أكبر مما لدينا في أي وقت مضى”. إن إسرائيل تستخدم منذ مدة أنظمة المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه لتعقب الفلسطينيين وتقييد الركاب عبر نقاط التفتيش الرئيسية. مثلا في الخليل، يجب أن يمر الفلسطينيون أولاً عبر نقاط التفتيش، حيث يجب أن يظهروا أمام كاميرات التعرف على الوجه. وأثناء فحص وجوههم ضوئيًا، يستخدم برنامج معروف باسم Red Wolf ، وهو نظامًا مرمّزًا بالألوان من الأخضر والأصفر والأحمر لتوجيه الجنود بشأن السماح للفرد بالرحيل، أو الإيقاف، أو الاستجواب، أو القبض عليه. بالإضافة إلى استخدامها لتقنيات المراقبة للبشر وكذلك مراقبة الفضاء الإلكتروني الفلسطيني. كذلك تعمل السلطات الإسرائيلية منذ مدة على تطوير أنظمة أسلحة مستقلة. كذلك طورت السلطات الإسرائيلية واستخدمت طائرات بدون طيار، وذخائر الذكية التي تتبع الهدف، وأبراج مدافع يتم التحكم فيها عن بعد، مثل Smart Shooter الذي تم تركيبه مؤخرًا في الخليل وبيت لحم. وفي عام 2021م استخدمت سيارات الجيب الروبوتية للمراقبة وقالت السلطات الإسرائيلية إنها ستساعد في تسيير دوريات على حدود قطاع غزة. وفي الشهر الحالي، كشفت شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية المملوكة للدولة عن غواصة ذاتية لجمع المعلومات الاستخباراتية قالت إنها أكملت بالفعل “آلاف الساعات” من العمليات.
تعكس هذه الاتجاهات، عالميًا، انزلاقًا خطيرا قد يؤدي بالبشرية إلى كارثة، وفي حالة إسرائيل يعني انزلاق الفلسطينيين في قبضة الإسرائيليين، لانهم مراقبون ومستهدفون طيلة الوقت. إن الجيوش في جميع أنحاء العالم تفكر في التداعيات الأخلاقية لسباق التسلح بالذكاء الاصطناعي، لكن في نفس الوقت تتسابق كل القوى في العالم لامتلاك وتطوير هذه التقنيات الخطيرة. إن مؤتمر “هرتسليا” لابد أن يدرس ويحلل من قبل كل الجهات في الوطن العربي، لأن ما قدم فيه هذا العام كان -في رأيي الشخصي- نذيرا انهم انتهوا من امتلاك أسلحة دمار شامل جديدة وخطيرة، وليس للدول التي مازالت لا تعي الامر فرارا من منها، وهذا كله بشكل خبيث وغير ظاهر وبدون ساحة معركة ولا زي مقاتلين، إنها الحروب اللامتماثلة التي حذرنا منها مرارا وتكرارا، لذلك انتهبوا أيها السادة!