أ.د. غادة محمد عامر
الرئيس التنفيذي لشركة الشرق الأوسط لتكنولوجيا المعلومات
زميل ومحاضر- الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
يبنى النظام الدولي على جانبيين أساسيين، الأول هو توازن القوى بين الدول الكبرى ومجموعات الدول، والثاني القواعد التي ينبغي اتباعها في إدارة العلاقات بين هذه الدول. لذلك سوف يساهم الذكاء الاصطناعي في تشكيل النظام الدولي الجديد عن طريق التأثير على القواعد الدولية القائمة من خلال تغيير توازن القوة والعلاقات المتبادلة بين اللاعبين الدوليين، وبالتالي التأثير على التغييرات. فسوف يؤثر اقتصاديا على توازن القوة بين البلدان، بل وحتى يؤدي إلى إطلاق دورة جديدة من النفوذ والإدارة المشتركة من قبل القوى العظمى. ولأن النظام العالمي وقوته دائما ما ترتبط بالاقتصاد القوي النوعي والقوى العسكرية، وهذا ما جاء في كتاب “صعود وسقوط القوى العظمى التغيير الاقتصادي والصراع العسكري من 1500 إلى 2000 ” عام 1989م للكاتب “بول كينيدي”، حيث كتب أن هناك صلة واضحة بين الصعود والسقوط الاقتصادي لكل قوة عالمية عظمى. ولقد توقع تقرير منتدى دافوس الصيفي لعام 2017م أنه بحلول عام 2030 ستصل مساهمة الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد العالمي إلى 15.7 تريليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصبح الصين وأميركا أكبر المستفيدين، بإجمالي 10.7 تريليون دولار أمريكي، وهذا سوف يجعلهم جزء أساسي من النظام العالمي الجديد. كذلك سوف تؤدي فجوة الذكاء الاصطناعي إلى تعميق الفجوة الرقمية بشكل أكبر، وإلى تغيير السلسلة الصناعية العالمية. إن التصنيع الجديد المتمثل في الروبوتات الصناعية والتصنيع الذكي سوف تقوي أكثر الاقتصادات المتقدمة، وتزيل الصناعة التقليدية من العديد من البلدان النامية، التي سوف تزداد فقرا لإن امتلاك وتطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب الكثير من التمويل والمعرفة التقنية العالية. كذلك يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات في هيكل التوظيف، مما يجعل الوظائف التقليدية والمنخفضة التقنية تختفي تدريجيا. ففي تقرير لشركة ماكينزي في عام 2017م تم التنبؤ بأنه بحلول عام 2030 سوف يفقد ما يصل إلى 800 مليون شخص في جميع أنحاء العالم وظائفهم ويتم استبدالهم بالروبوتات الآلية.
كذلك سوف يغير الذكاء الاصطناعي عسكريا ميزان القوى بين البلدان، فهو سوف يقوض شكل وأسلوب الحرب، فبمجرد دخول الحرب إلى عصر الذكاء الاصطناعي، فسوف تكون المواجهة بين الروبوتات والأتمتة، التي تسيطر عليها الذكاء الاصطناعي. وبالتالي سوف تتغير عناصر الحرب مثل المقاتلين ومفاهيم المعركة وآليات الفوز بشكل كامل. في تقريرها “الذكاء الاصطناعي يغير العالم”، طرحت مؤسسة “بروكينجز” مفهوم “الحرب المفرطة”، أي أن الحرب هي عملية سباق ضد الزمن وعادة ما يسود الجانب الذي يتمتع بأسرع عملية صنع القرار والتنفيذ. ستتجاوز سرعة صنع القرار لنظام القيادة والتحكم بمساعدة الذكاء الاصطناعي سرعة أسلوب الحرب التقليدي – جنبًا إلى جنب مع نظام الأسلحة الذكية التي يمكنها أن تقرر بشكل مستقل إطلاق أسلحة فتاكة – والتي سوف تعمل على تسريع عملية الحرب بشكل كبير. كما سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات ثورية في المعدات العسكرية. وقد يصبح القتال باستخدام الأسلحة الآلية القاتلة غير المأهولة هو البطل والأسلوب القتالي الرئيسي في الحروب المستقبلية. فبمجرد استخدام الجيوش للطائرات بدون طيار، والغواصات والدبابات غير المأهولة، والروبوتات، وحرب الاستنزاف والتكتيكات البحرية، فإن منصات الأسلحة واسعة النطاق التقليدية – مثل حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة – سوف تكون معقدة ومكلفة، لأنها ستتحول بسبب دخول التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إلى أقل فائدة من وجهة نظر تكلفة الحرب وفعالية القتال. إن الأمر أشبه بإطلاق النار على البعوض باستخدام طائرة مقاتلة من طراز إف-35، بتكلفة واحدة تبلغ مئات الملايين من الدولارات، وعلى متنها مقاتل بشري يقاتل مجموعة من الطائرات بدون طيار المسلحة منخفضة السعر.
إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التأثير على توازن القوى بين البلدان في المجالات الاقتصادية والعسكرية، بالتالي سوف يساعد في تشكيل النظام العالمي الجديد. كذلك سيساهم في توسيع قدرات الجهات الفاعلة غير الحكومية بشكل غير مسبوق وستصبح المنافسة الدولية حول التكنولوجيا أكثر كثافة. لذلك إن تحديات الأمن والحوكمة التي تفرضها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي هي قضايا يجب على البشرية جمعاء معالجتها. يجب على البلدان أن تنظر إلى المشكلة من منظور بناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية ومناقشة إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي انطلاقًا من مفهوم الأمن المشترك. إن المشاكل التي تسببها التكنولوجيا يمكن حلها من خلال التطور المستمر للتكنولوجيا نفسها، وبدون فهم شامل للتطبيقات العسكرية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن التدابير المضادة المخطط لها قد تصبح بمثابة خط “ماجينو” جديد مكلف وغير ضروري.