الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار: جدلية التكنولوجيا وحدودها في ساحات القتال

سامي اورفلي

في عالم يشهد سباقًا متسارعًا نحو الابتكار التكنولوجي، تثير الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار جدلاً حول مستقبل القوة الجوية. تغريدة إيلون ماسك التي وصفت بناء طائرات مأهولة مثل F-35 بأنها خطوة “أحمق”، فتحت باب النقاش واسعًا حول مدى إمكانية استبدال الطائرات المأهولة بمنصات غير مأهولة بالكامل.

رغم الإعجاب المتزايد بالطائرات بدون طيار، فإن الفروقات بين النوعين عميقة وتشير إلى أن الطائرات المأهولة لا تزال حجر الزاوية في الحروب الحديثة.

تتمتع الطائرات المقاتلة مثل F-35 بقدرات استثنائية تجعلها ضرورية في ساحات القتال، حيث تجمع بين الأداء متعدد الأدوار، قوة النيران، والقدرة على المناورة. تعد هذه الطائرة كمبيوترًا طائرًا يعمل كوحدة قيادة وتحكم متنقلة، قادرة على جمع وتحليل المعلومات بفضل مستشعراتها المتطورة، ومشاركة البيانات مع منصات أخرى بفعالية مدهشة. هذا التكامل يتيح لها أداء مهام معقدة كضرب الأهداف الاستراتيجية مثل الجسور والمخابئ، والتي تتطلب قوة نيران لا تستطيع الطائرات بدون طيار الصغيرة توفيرها. كما أن القدرة على التزود بالوقود جوًا تمنحها مدى عملياتيًا شبه غير محدود، وهو عامل حاسم في العمليات العسكرية البعيدة.

في المقابل، اكتسبت الطائرات بدون طيار مكانة بارزة في النزاعات الحديثة، خاصة في الحرب الأوكرانية. لعبت هذه الطائرات دورًا مهمًا في سد الفجوة الناجمة عن نقص الإمدادات العسكرية التقليدية، حيث استخدمت في توجيه ضربات دقيقة ضد أهداف متحركة. مع ذلك، يظل تأثيرها محدودًا بسبب قيود تصميمها. الطائرات بدون طيار الصغيرة تعاني من حمولة محدودة تجعلها غير قادرة على تنفيذ ضربات واسعة النطاق، ومدى قصير يعتمد على بطاريات ضعيفة، مما يحد من فعاليتها في العمليات الطويلة.

تواجه الطائرات بدون طيار تحديات إضافية في البيئات المعقدة مثل الحرب الإلكترونية، حيث يمكن للعدو استخدام التشويش لتعطيل اتصالها بالمشغلين. في ظل هذه الظروف، يصبح وجود العنصر البشري في الطائرات المأهولة ضرورة لا غنى عنها لاتخاذ قرارات فورية لا يمكن للذكاء الاصطناعي معالجتها. بينما توفر الطائرات بدون طيار الصغيرة حلولًا مبتكرة في الاستطلاع والهجمات الدقيقة، فإنها تظل غير قادرة على استبدال الطائرات المقاتلة المأهولة التي تتمتع بمرونة أكبر وقوة تأثير أعلى.

ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تصنيع طائرات بدون طيار كبيرة الحجم مثل XQ-58A Valkyrie، التي يمكن أن تعمل كـ”رفيق مخلص” للطائرات المأهولة. رغم ذلك تعتمد هذه الطائرات على القدرات البشرية لخطورة الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال. هذا يبرز التحدي الرئيسي: نحن بعيدون عن تحقيق مستوى تكنولوجي يسمح للأنظمة القتالية باتخاذ قرارات مستقلة تمامًا في بيئات معقدة. حتى المركبات ذاتية القيادة في الحياة المدنية، مثل سيارات تسلا، لا تزال بحاجة إلى مراقبة مستمرة من البشر، فكيف يمكن الاعتماد على طائرات بدون طيار مسلحة في بيئة حرب أكثر تعقيدًا؟

على الرغم من كل الحديث عن مستقبل الطائرات بدون طيار، فإنها ليست حلاً سحريًا يمكنه استبدال الطائرات المقاتلة بالكامل. بدلاً من ذلك، ينبغي التركيز على تكامل النوعين. يمكن للطائرات بدون طيار أن تدعم العمليات الميدانية، لكنها لا تزال تفتقر إلى القوة، المرونة، والقدرة على التكيف التي تتمتع بها الطائرات المأهولة مثل F-35. يجب أن يعكس مستقبل التكنولوجيا العسكرية هذا التكامل، مع تطوير أنظمة مضادة للطائرات بدون طيار مثل الطائرات الاعتراضية والأسلحة الليزرية لضمان التفوق في ساحة المعركة.

رغم التطور السريع للطائرات بدون طيار، فإن الطائرات المقاتلة مثل F-35 تظل عنصرًا حيويًا في الحروب الحديثة. بفضل قدرتها على التكيف مع البيئات القتالية المتطورة وتقديم قوة نيران هائلة، تظل الطائرات المأهولة ركيزة أساسية في العمليات العسكرية.

تغريدة إيلون ماسك تتجاهل الواقع المعقد لساحات القتال، حيث التكامل بين التكنولوجيا المأهولة وغير المأهولة هو الطريق لتحقيق التفوق في الحروب المستقبلية.

كذلك فإن تعليق إريك شميدت، المدير التنفيذي السابق لشركة غوغل، التي اقترح فيها استبدال الدبابات الأمريكية بطائرات بدون طيار، تثير تساؤلات حول جدوى هذه الطموحات.

شميدت، الذي أدلى بتصريحه في مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” في السعودية، اقترح أن تتخلى الولايات المتحدة عن آلاف الدبابات المخزنة لديها واستبدالها بطائرات بدون طيار. هذا الاقتراح، رغم جاذبيته السطحية، يعكس نظرة قد تكون موجهة بمصالح شخصية؛ فشميدت هو مؤسس شركة White Stork، المتخصصة في تصنيع الذخائر المتجولة أو ما يُعرف بـ”الطائرات الانتحارية”. من الواضح أن شميدت يرى في هذا التحول فرصة لتحقيق مكاسب مالية من العقود الحكومية المستقبلية.

ورغم ذلك، لا يمكن إنكار أن الطائرات بدون طيار تمثل المستقبل في ساحات المعارك. يعمل الجيش الأمريكي على تطوير مبادرات متعددة للطائرات غير المأهولة والذكاء الاصطناعي، بقيادة وكالات مثل وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة (DARPA). ولكن، التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الابتكار والحفاظ على الأنظمة التقليدية التي أثبتت فعاليتها.