علي الهاشم – باحث كويتي مختص بالشؤون الدفاعية
بعد أن كشفت مجلة “مليتري واتش” الأمريكية عن أنباء تتعلق بتوقيع إيران والصين صفقة بقيمة 400 مليار دولار من أجل حصول الأولى على أعداد لم تحدد بعد من مقاتلات “J-10C” الصينية الصنع المتقدمة والمكافئة للمقاتلة “F-16” الأمريكية بنماذجها الأحدث، فإن إيران تكون قد بدأت فعليا في تحديث سلاحها الجوي منذ عقود بطائرات من الفئة الرابعة فما فوق. وإن من شأن ذلك أن يزيد من قلق دول المنطقة أكثر فأكثر من هذا المؤشر الذي لا يبعث بالاطمئنان.
هذا وتعتبر المقاتلة “J-10C” اختيارا ممتازا من عدة نواحي أهمها الاقتصادية حيث تعمل المقاتلة الصينية بمحرك أحادي ذو قوة دفع عالية، وقابلية على أداء المناورات الحادة إلى جانب تجهيزها بأحدث المعدات الملاحية إلى جانب التسليح.
لكن؛ لماذا هذا القلق بشأن هذه الصفقة لهذا النوع من الطائرات المقاتلة؟ لا شك أن لهذه الصفقة ابعاد استراتيجية وعسكرية كبيرة ولذا لا بد من الخوض ببرنامج انتاج الصين لمقاتلة “J-10” كي نتعرف أكثر على أبعادها مرورا بتاريخ تمكن بكين من مضارعة الدول الكبرى في سوق الطائرات المقاتلة المتطورة.
مرحلة البناء الأولى
كانت الصين في الخمسينات من القرن الماضي، دولة ذات سكان بنسمة عالية ويعيش أغلبهم تحت طائلة الفقر المدقع. وكانت الدولة تفتقر إلى المهارات والآليات المتقدمة أسوة بالشعوب الأخرى حيث جمد الفكر الشيوعي عقلية الشعب هناك وسط مركزية خانقة. وبعد فترة من تقديم المساعدة من قبل الاتحاد السوفياتي في التسليح والتدريب ونقل رخص بناء بعض المركبات والطائرات القديمة نسبيا كالميغ – 15 و 17 و 19 ثم 21 محليا في الصين، إكتسب الصينيون بعضا من المهارات في النسخ ولم يتعد ذلك في الابتكار أو التطوير بسبب افتقار البنى التحتية والمعرفة المطلوبة لتنفيذ ذلك.
نيكسون وبوادر الفرج
شكلت زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972 في سياسة التقارب تلك مرحلة هامة في اكتساب بكين للمهارات المتعلقة بالتصنيع والتطوير وإن لم تكن بشكل مؤثر كما هو الحال بالتجربة اليابانية، و لكنها تعتبر خطوة نحو الاتجاه السديد في الخروج من صومعة التأخر التكنولوجي. وقد استمرت تلك الفترة إلى مرحلة الثمانينات عبر تقديم واشنطن للمواد التكنولوجية المتقدمة التي استخدمها الصينيون في طائراتهم المنسوخة من الاتحاد السوفياتي رغم تقادمها الكبير وجيلها المتأخر بعقدين عن الأجيال الأحدث حينها من طائرات القتال.
توقف الدعم الأمريكي بسبب احداث ساحة “تيانانمن” في بكين عام 1989 نتيجة للاحتجاج على انتهاكات حقوق الإنسان حينها، لكن لم تتوقف الصين عن التقدم ولو بخطى بطيئة، والسبب إلى التقارب الصيني / الإسرائيلي السري، والذي بموجبه قدمت تل أبيب الكثير من المساعدة والمساهمة للجانب الصيني دون تحفظ لدرجة أنه أغضب الولايات المتحدة حينما اكتشف ذلك، وفرضت عقوبات على تل أبيب حينها.
إسرائيل والمغامرة الكبرى
انتفعت إسرائيل بعد انتصارها الساحق عام 1967 من الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر ومثير. فقد تمكنت من الالتفاف على حظر التسليح من قبل فرنسا الذي فرضته عليها وذلك بوقف تزويد إسرائيل بمقاتلات ميراج 5 التي طلبتها وهي عبارة عن ميراج 3 ولكن مخصصة كقاذفة مقاتلة ضد الأهداف الأرضية، من خلال استخدام وسطاء يهود أمريكيون يعملون كمصممين ومهندسين بالشركان الأمريكية الكبرى للصناعات الجوفضائية والعسكرية. وقد تحقق ذلك من خلال أحد مصممي شركة “روكويل إنترناشونال” الأمريكية (أصبحت جزء من بوينغ بعد ذلك) الذي أقنع مجلس إدارة الشركة بضرورة شراء مقاتلات الميراج 5 المخصصة لإسرائيل والتي تم حظرها متذرعا بضرورة تكوين سرب للتدريب في سلاح الجو الأمريكي، لكن الأدهى من ذلك هو حصول “روكويل” على مخططات تصميم وبناء الميراج من شركتها الفرنسية “داسو” التي بلعت الطعم بحسن نية، لتجد المقاتلات إلى جانب المخططات التابعة لها طريقها إلى تل أبيب فيتم نسخها وتعديلها لتصبح “كفير” الذائعة الصيت والتي تفوقت على النموذج الفرنسي.
نقطة تحول
بعد خروج إسرائيل من صدمة حرب أكتوبر عام 1973 مع العرب و هزيمتها سياسيا وليس عسكريا قررت إسرائيل خوض تجربة مثيرة تتمثل في اختبار قدرتها على إنتاج مقاتلات متطورة غير مستنسخة كما كان مع الميراج الفرنسية وما تمخض عنها من طائرات “نيشر” و “كفير”. وبالفعل وقع الاختيار على استبدال مقاتلات A-4 سكاي هوك التي منيت بخسائر كبيره في تلك الحرب على ان تكون الطائرة البديلة أكثر قدرة و تطورا وقادرة أثناء تنفيذها لمهمات القصف الجوي و الإسناد الجوي القريب للقوات الارضية على حماية نفسها اذا تطلب الأمر. والنتيجة مقاتلة Lavi “لافي” والتي تعني بالعبرية شبل الأسد.
قدمت الولايات المتحدة الأمريكية التكنولوجيا اللازمة لدعم المشروع في باديء الأمر و بنيت المقاتلة “لافي” على اساس مقاتلات F-16 الامريكيه رغم صغر حجمها بالمقارنة معها. و تم اختيار تصميم يجمع ما بين الجناح المثلث (دلتا) و الجنيحات الاماميه او الكنارد و محرك “برات اند وتني PW1125” الأمريكي، بمجمل عام المقاتلة كانت إسرائيلية الفكره امريكيه الإنتاج.
اجهض مشروع المقاتلة “لافي” في عام 1987 لكن قبل هذا كان التقارب الصيني الإسرائيلي يسير بخطى سرية حثيثة حيث قدمت إسرائيل للصين مساعدات تكنولوجيه خطيره لعبت دورا رغم إنكار الصين ذلك، في تحويل القوة الجوية وحتى المجالات التكنولوجيه الأخرى لها الى ما هي عليه الآن من تطور مذهل. وكان من ضمن تلك المساهمات مشروعي طائرة الاواكس للانذار المبكر الاسرائيليه و تكنولوجيا مقاتلة “لافي” لصالح مشروع إنتاج مقاتلة كانت الصين تسعى لانتاجها مسبقا تدعى “J-9” التي تحولت إلى مقاتلة “J-10” الأحدث ونقطة التحول العظمى في جودة الصناعات الجوية الصينيه الحديثة.
اليوم الذي صعقت الصين العالم
في معرض جوي أقيم في الصين عام 2018 صعق المختصون بمجال الصناعات الجوية العسكرية بدون استثناء حينما شاهدوا مقاتلة من طراز “J-10” تقوم بتنفيذ مناورات حادة وغير عادية كالـ “كوبرا” و”الهوك (الخطاف)” و”الانزلاق الذيلي” و”التقلب” كالتي تنفذها مقاتلات السوخوي 30 و 35 و الميغ – 35 و 29 OVT الاختبارية الى جانب تلك التي للـ F-22 رابتور وهي مفاجأة من العيار الثقيل و ناقوس خطر يدق معلنا دخول عنصر ثالث جديد الى ساحة القتال الجوي الفائق.
وما أن انتهى العرض الجوي المثير الذي قامت به مقاتلة “J-10” بكل ثقة، حتى تبين أن الصين تجري تجارب على تزويد مقاتلتها المتقدمة تلك بمحرك ذو منفث (عادم) قابل للحركة (TVC)
يسمح لها بأداء مناورات غير مالوفه في القتال الجوي القريب ويجعل منها خصما جويا خطيرا للغاية وندا حقيقيا لأعتى المقاتلات الموجودة في الخدمة سواءا لدى الغرب ام تلك التي لدى روسيا من الجيل الرابع فما فوق.
لماذا يجب الحذر من “J-10”
بعد أن قامت المقاتلة الصينيه J-10 باستعراض قدراتها الادائية على تنفيذ مناورات بهلوانية غير مألوفه كمناورة “بوغاتشيف كوبرا” الشهيره والتي سميت بإسم مخترعها طيار الاختبار السوفياتي السابق فيكتور بوغاتشيف، و كذلك قامت بأداء مناورات التفاف حول المحور والتقلب التام و مناورة “عمود الانهيار” والتي كانت قد اختبرت قبل ذلك بعشرون عاما من خلال طائرة اختبارية مشتركة امريكيه / المانيه هي X-31 فإنه ليس على الغرب وحدهم وحسب أن يحذروا، بل وحتى الروس كذلك ويتوجب عليهم أن يعوا من ان الصين قد اقتحمت مجالا كان مقتصرا فقط على الولايات المتحدة وبعض الدول الغربيه من حلف الناتو وليس الكل، وكذلك روسيا و بالتالي باتت الصين قادرة على منافستهم في عقر دارهم سواءا في الأسواق او في المعارك الجوية اذا ما نشبت بينهم يوما ما أو حصل على أعداد من تلك المقاتلات المتقدمة عدو لهم (كإيران مثلا).
وكي نعي حجم الخطر من مقاتلة J-10 الصينيه ينبغي لنا ان نعود بالتاريخ الى مشروع ال Lavi الإسرائيلية والتي استفادت الصين من تكنولوجيتها العاليه. فصحيح ان مقاتلة Lavi صممت اساسا كطائرة مقاتلة قاذفة الا انها امتلكت قدرات ادائية قتالية على مواجهة اي مقاتلة معادية كفل لها تصميمها البارع ذلك. و قد استفيد من معطيات طائرة الاختبار والهدف الجوي الغير مأهولة HiMAT او هيمات. فقد صممت الـ “هيمات” كمنصة اختبارية عالية او فائقة المناورة والالتفافات الحادة حيث كفل لها تصميمها الايروديناميكي المتقن ذلك من خلال تزويدها بجنيحات اماميه تدعى “Canard” كنارد بالفرنسية وتعني الزوائد او الشارب الذي يتميز به نوع معين من الطيور. الى جانب جناحها الرئيسي المدمج مع البدن والذي هو ما بين ممتد الى الوراء و جناح الدلتا معا و لا ننسى زعانف الذيل الرأسية المزدوجه وذلك للثبات عند زوايا الهجوم الحادة. النتيجة طائرة قادرة على انعطافات و مناورات فائقة تصل إلى ١٢ حمل الجاذبية او 12 g.
اما ما زاد من قدرات الـ J-10 أكثر فهو تزويد محركها المشتق من محرك السوخوي ٢٧ فلانكر من نوع AL-31F القوي مع منافث احتراق (العادم) متغيرة الزاوية وهذا جعلها أخطر في القتال الجوي القريب حتى من مقاتلة السوخوي ٣٥ بسبب انها ذات محرك أحادي واخف وزنا من الاخيره وهذا يجب أن يتم وضعه في الحسبان.
الخلاصة
من المبكر الحكم على جودة إنتاج الصين للطائرات العسكرية من عدمه، وحيث أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها الصين بمفاجئة العالم عبر كشفها عن نماذج جديدة بين فترة وأخرى، فإنها تبين أن هناك ندا جديدا لقطبي العالم أميركا وروسيا قد بات يتخذ له شكلا وهيئة.
في عام 2011 كشفت الصين عن نموذجها للجيل الخامس بطائرة هجينه هي شينغدو J-20 والتي طورت سرا تكنولوجيتها عبرعدة طرق محلية واجنبيه و قرصنة الكترونيه. لكن في الأساس لم يكن ذلك ليحدث او يتحقق لتلك التصاميم العصرية ما لم تقم إسرائيل بمساعدة خاصة في تحديث فكر المختصين الصينيين في مجال الصناعات الجوفضائية وذلك من خلال مشروع نقل تكنولوجيا طائرة Lavi الملغاة إليهم لينتج عن ذلك مقاتلة J-10 والتي تلقب بمقاتلة العهد الصيني الجديد.
صحيح أن تصميم جناح الـ Lavi أحدث من ذلك الذي للـ J-10 والذي يشبه في الأساس جناح الكفير الاسرائيلية، الا ان الـ J-10 تعد مقاتلة من الجيل الرابع فما فوق بكل المقاييس.
وبالتالي فإن حصول إيران على نسخة من مقاتلة “J-10” سيعني أنها لن تتوقف عند الشراء وحسب بل قد تتعدى ذلك مستقبلا إلى نقل تكنولوجيا تصنيعها محليا. وبوجود بنية تحتية صناعية في إيران فإن ذلك يعني قفزة نوعية في القدرات العسكرية الإيرانية، ومستقبلا سد النقص في القوة العسكرية الذي يتفوق به الخليج عليها مما قد يزيد الأمور سوء بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي.
قم بكتابة اول تعليق