عندما تحدثت في مارس الماضي عن حرب محتملة بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة، اتهمني الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإثيوبية بأنني “فزع وغير دقيق”. بهذه العبارة بدأ الكاتب المصري أحمد أبو دوح مقالته في صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وأشار الكاتب إلى أن المحادثات بين الأطراف الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا قد وصلت إلى نهايتها، ونوه إلى أن الحرب هو السيناريو الوحيد الممكن، بالرغم من أن العالم أجمع يقلل من احتمال نشوبها.
المباحثات التي قادها الاتحاد الأفريقي حول السد وصل إلى مأزق آخر، فمصر تخشى أن تتأثر حصتها من مياه النيل ببدء ملء السد، بنحو 74 مليون متر مكعب من المياه، بدون توافق مع مصر والسودان، فمصر تريد تأكيدا على أن حصتها من المياه سنويا لن تتأثر.
لكن إثيوبيا ترى أن تعبة السد وتشغيله هو حق من حقوقها، وهي تعارض كل كل الدعوات إلى اتفاق لا يضمن ترتيبات يضمن حصتها أيضا، وأكدت أنها ستبدأ من جانب واحد، عملية ملء السد في الأسابيع المقبلة، بغض النظر عن المحادثات.
إلا أن صوراً للأقمار الصناعية أظهرت أن عملية الملء قد بدأت فعلاً، ربما تكون بفعل موسم الأمطار، لكن إذا كانت أديس أبابا قد بدأت فعلاً بتنفيذ تهديدها، فهذا سيمثل انعطافاً في مسار الأزمة.
مسؤولون مصريون اتهموا الحكومة الإثيوبية بممارسة الخدع الدبلوماسية، منذ توقيع إعلان المبادئ عام 2015، والذي يفرض على الأطراف التوصل إلى اتفاق، قبل ملء خزان السد، إلا أن المفاوضين الإثيوبيين أظهروا براعة في الدبلوماسية، تماما كتلك التي أظهرتها كوريا الشمالية، في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، والتي نصت على التخلي عن أسحلتها النووية، عام 2018، حيث تنصل الكوريون من التزاماتهم، والمفاوضات مجمدة الآن، والاتفاق أبعد ما يكون عن الاستكمال، ويبدو أن هذا ما فعله الإثيوبيون، ووصل الجميع إلى نهاية النفق.
هذا المأزق على حد تعبير الكاتب يعني أن خيارات مصر نفذت، وخلال اجتماع مجلس الأمن الأخير لمناقشة القضية، أكد زير الخارجية المصري سامح شكري أن السد تهديد له أبعاد وجودية محتملة، وأكد أن بلاده ستتمسك بالمصالح الحيوية لشعبها وستحميها، فالبقاء على قيد الحياة ليس خيارا.
فيما قال سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة إن استغلال بلاده لمواردها المائية ضرورة وجودية.
وبحسب الكاتب، فإن المياه ليست الوحيدة على المحك، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يناضل من أجل شرعيته، فمنذ توليه الرئاسة عام 2014، رفع توقعات الشعب المصري بالقدرة على حماية مصالح مصر، ويدرك تماما بأن خسارته المعركة الدبلوماسية حول السد مخاطرة.
وأكد الكاتب وفقاً لتصريح من مصدر في القاهرة، أن مصر غيرت من استراتيجيتها في التعامل مع أزمة السد، وأن الرئيس السيسي يشعر شخصياً بخيبة أمل، إزاء تعمق الأزمة الاستراتيجية، ومن المفارقات أن إثيوبيا أيضا قدمت تنازلات كثيرة لمصر والسودان، تماما كما فعلتا.
ونوه الكاتب إلى أن الإثيوبيين أيضا يرون السد كعلامة على الفخر الوطني، خاصة وأن تكاليفه تجاوزت الـ 4 مليارات دولار، مولها الموظفون وتبرعات الناس العاديين والفقراء، كما يواجه الرئيس أبي أحمد، الحائزة على جائزة نوبل اضطرابات سياسية وعرقية في الداخل، واحتجاجات متواصلة، وبدأ الكثيرون يشككون في شرعية الحكومة، بعد تأجيل الانتخابات بسبب أزمة تفشي كورونا.
ويرى أبو دوح أن إثيوبيا شريك مهم للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب في شرق أفريقيا، وأيضا للحد من استثمارات الصين فيها وفي القرن الأفريقي.
وألمح إلى أن هذا لا يترك مجالاً لمصر للمناورة، وأن فشل وساطة ترامب في الأزمة كما حدث مع كوريا الشمالية، سبب كاف لعدم اهتمامه في هذا الملف، خاصة مع اقتراب الانتخابات، وربما يكون هذا دافعا لمصر للبدء بعمل عسكري، للفت نظر المجتمع الدولي لخطورة الأزمة، وفرضها على سلم أولوليات الرئيس الأمريكي القادم، وهي ذات الاستراتيجية التي اتبعها الرئيس المصري السابق أنور السادات، بشأن حل النزاع مع إسرائيل، بخوضه حرب أكتوبر.
قم بكتابة اول تعليق