تنتج تركيا اليوم سفنها وغواصاتها وذخائرها الذكية وصورايخها ومعداتها العسكرية وغيرها الكثير من الصناعات الدفاعية، فهي تعاصر ثورة كبيرة في عالم الصناعات الدفاعية. فمتى وكيف بدأت عملية توطين الصناعات الدفاعية التركية؟
كانت عملية التأميم في الصناعات الدفاعية التركية سرية في لحظة من لحظات تاريخ مؤسسة القوات المسلحة التركية، وذلك إبان الأزمة القبرصية، التي بدأت خطواتها الأولى بعد رسالة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون الوقحة في 5 حزيران/ يونيو 1964، وملخص ما جاء فيها : “ليس بمقدورك استخدام سفن الإنزال الخاصة بي”، كما قامت واشنطن بالوقت نفسه بتقديم مساعدات عسكرية لليونان. وتفاصيل القصة في ما يلي.
حملة “أصنع سفني بنفسي”
واجه القبارصة الأتراك لوحدهم ظلم اليونانيين في “عيد الميلاد الدامي” 21 كانون الأول/ ديسمبر 1963، وخططت تركيا لإنقاذ مواطنيها إلا أنها لم تستطع إنزال وحداتها المدرعة في جزيرة قبرص، لعدم امتلاكها أي سفينة إنزال بحرية، كما نشرت وسائل الإعلام التركية آنذاك خبرا عن انطلاق حملة “أصنع سفني بنفسي” في تركيا.
وفي هذا السياق، صرح الدكتور جلال الدين يافوز، عميد جامعة أيفان ساراي في إسطنبول قائلًا: “لم تستطع تركيا التدخل في قبرص في أثناء أزمتها بعد رسالة جونسون. تعرض إخواننا من أتراك ومواطنين للقتل وتم تدمير إرث أجدادنا هناك. فما الذي كان ينبغي على تركيا فعله للتغلب على ذلك في الوقت الذي كان ينتظر فيه إخواننا ومواطنونا الدعم منا بالسلاح والنفس؟ حينها تأسست الجمعية البحرية التركية في 11 أيار/ مايو 1965 في إسطنبول، بعد 46 عاما من إغلاقها”.
كما دعا سعاد خيري أورغوبلو، رئيس الوزراء (بين 20 شباط/ فبراير 1965 و27 تشرين الأول/ أكتوبر 1965) وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجمعية، الشعب التركي للتبرع للجمعية عبر الراديو قائلًا: “يسعدنا ويشعرنا بالفخر اهتمام الشعب التركي المشرّف بحملة المساعدات البحرية، التي افتتحتها إحدى صحف إسطنبول بإظهار التعاطف الوطني، وسنقوم بتشكيل لجان في الولايات برئاسة الولاة لاستلام التبرعات من مواطنينا الذين نفتخر بهم”.
ذكر جلال الدين يافوز، أنه لم يكن غريبا على الشعب التركي دعمه للجمعية، فقد قام بمبادرة مماثلة قبل 54 عاما: “تأسست الجمعية البحرية التركية من قبل باسم الجمعية الوطنية لمساعدة القوات البحرية العثمانية في عام 1909، على سبيل المثال، قامت الجمعية في تلك الفترة بشراء 4 مدمرات من حوض بناء السفن الألماني “شيكاو” ومدرعتي “بارباروس” و”خير الدين”، كما تم إغلاقها بعد الحرب العالمية الأولى في 2 نيسان/ أبريل 1919″.
وضعت الجمعية التي تم تأسيسها بعد 46 عاما من الإغلاق، خطة لبرنامج مدته خمسة أعوام، لبناء عشرة قوارب صيد و32 سفينة إنزال بتكلفة 540 مليون ليرة.
أشار يافوز، إلى إطلاق حملة “أصنع سلاحي بنفسي” عام 1965، وقال: “بدأ الأمر بسهام متاهان، واستمر بصنع الفاتح مدافع تركية، الذي جلب أمهر المحترفين لصناعتها بأيدي تركية وعلى أرض تركية، كان ذلك مهما للغاية في فترة بلوغ المشاعر الوطنية لذروتها، وبالرغم من أن التبرعات لم تكفِ لبناء سفينة، لكن هذا الدافع حمّس صناع القرار أيضا”.
توالت الخطوات واحدة تلو الأخرى للوصول إلى عملية السلام القبرصية في “غولجوك” في 9 آذار/ مارس 1967، كما وضع العمود الفقري لأول مدمرة، وتم بناء 36 سفينة إنزال باستخدام حوض بناء السفن “تاشكيزاك”، وبلغ إجمالي مبلغ التبرع 25 مليون ليرة خلال 6 أعوام و8 أشهر، وحصلت الجمعية على دخل 165 مليون ليرة إلى جانب المستحقات والسحوبات، وتم تشكيل أول كتيبة مشاة بحرية في مرسين وغولجوك في هذه الفترة.
تابع يافوز حديثه قائلًا: “كان لدى تركيا دبابات خارجة عن الخدمة اشترتها من الخارج، وتم تفكيك محركاتها لصناعة أول مركبة قتالية لديها قدرة على حمل الدبابات والمركبات المختلفة”.
تحولت الجمعية البحرية إلى مؤسسة في عام 1972، وتم تنفيذ التدخل العسكري التركي بعملية السلام القبرصية في عام 1974 بنجاح بواسطة السفن التي أنتجتها الجمعية، بعد تحولها إلى مؤسسة بعامين، كما أصبحت مؤسسة القوات البحرية التركية في عام 1981، ثم دمجت مؤسسات القوات البرية والبحرية والجوية تحت اسم مؤسسة القوات المسلحة التركية في 17 حزيران/ يونيو 1987.
بلغ عمر القوات المسلحة التركية اليوم 33 عاما، وتعمل تحت جناحها وبالتعاقد معها شركات قوية في مجال الصناعات الدفاعية مثل “أسيلسان”، و”توساش”، و”هافيلسان”.
ترك برس
قم بكتابة اول تعليق