داليا زيادة
يقول الحكماء إن هناك فرصة خفية في كل كارثة. صحيح أن الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل، التي اندلعت في مطلع شهر مايو، مروعة للغاية بحيث لا يمكن رؤية أي فرص إيجابية محتملة من خلالها، لكن لولا قيام هذه الحرب، في هذا التوقيت وبهذا القدر من العنف، لما أدركت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، حجم الخطأ الذي ارتكبته عندما قررت خفض أهمية الشرق الأوسط على أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
تعرضت إدارة بايدن للكثير من الانتقادات من المراقبين حول العالم بسبب تباطؤها في التعامل مع الجولة الأخيرة من الصراع بين حماس وإسرائيل. بدلاً من التدخل بشكل سريع ومناسب للسيطرة على القتال، تدخلت الولايات المتحدة، لثلاث مرات متتالية، لعرقلة قرار ملزم لإسرائيل من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار. فقط بعد أن نجحت مصر في التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، بعد مرور ١١ يوم من الهجمات الصاروخية المتبادلة ومقتل مئات المدنيين الأبرياء، قررت إدارة بايدن التدخل.
في ٢٦ مايو، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، الذي زار مصر في إطار جولة إقليمية لبحث وقف إطلاق النار في غزة والحلول السلمية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود. امتدت محادثة بلينكن مع السيسي إلى ما هو أبعد من الوضع في غزة ليشمل دور مصر في مكافحة الإرهاب، وأمن ليبيا، والصراع بين مصر والسودان وإثيوبيا حول بناء وملء سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الازرق.
بحسب بيان صحفي للخارجية الأمريكية، جدد بلينكين التزام الولايات المتحدة بأمن المياه في مصر، وأشاد بجهود مصر في وقف إطلاق النار في غزة ومساعدة مصر في إجلاء المواطنين الأمريكيين إلى بر الأمان. وفي تصريح مقتضب في السفارة الأمريكية بالقاهرة، أشار بلينكين إلى أن “مصر كانت شريكًا حقيقيًا وفعالاً في التعامل مع أعمال العنف الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين. تعمل مصر والولايات المتحدة معًا للسماح للإسرائيليين والفلسطينيين بالعيش بأمان”.
جاءت زيارة بلينكين لمصر بعد مكالمتين هاتفيتين من بايدن للسيسي. بعد حوالي خمسة أشهر من التجاهل المتعمد لمصر، اتصل الرئيس بايدن بالرئيس السيسي مرتين في أسبوع واحد فقط. جاءت المكالمة الأولى بين الرئيسين مباشرة بعد التطبيق الناجح لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، في ٢١ مايو. أشاد بايدن بجهود مصر في التوسط في وقف إطلاق النار واتفق الزعيمان على البقاء على اتصال وثيق بشأن الإدارة المشتركة للقضايا الإقليمية الاستراتيجية في المستقبل. جاءت المكالمة الثانية بين السيسي وبايدن، بعد ثلاثة أيام، حيث ناقش الرئيسان قضايا إقليمية أخرى، بما في ذلك ليبيا وسد النهضة.
إن اهتمام إدارة بايدن المتجدد بلعب دور في حل العديد من المشكلات المزمنة في الشرق الأوسط يعود بالفائدة على جميع الأطراف. لكن إدارة بايدن بحاجة إلى إعادة تصميم سياستها الخارجية الجديدة في الشرق الأوسط بناءً على الحقائق الجديدة والتحالفات الجديدة التي تحكم المنطقة حاليًا؛ بدلاً من اللجوء إلى الطريقة السهلة بإعادة نسخ أجندة السياسة الخارجية الخاصة بإدارة أوباما، التي سبق وخدم بايدن فيها كنائب لرئيس لمدة ثماني سنوات.
إلا أنه هناك شيء واحد نعرفه على وجه اليقين بشأن إعادة اهتمام بايدن بالمنطقة وتعديل مسار السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهو حقيقة أن مصر ستكون الشريك الإقليمي الأكثر موثوقية والأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا في إفريقيا والبحر المتوسط، على الأقل لمدة أربع سنوات قادمة.
قم بكتابة اول تعليق