ماتشاهده في هذه الصور هو مستوى التكنولوجيا المقدم من شركة “نافال جروب” الفرنسية في منصات القيادة الخاصة بأحدث أجيال الغواصات من عائلة (SMX) والتي تعد حاليا باقة متنوعة من طرازات و إزاحات مختلفة تضم أحدث الغواصات التقليدية في العالم وتتميز بمستوى متقدم جدا في التقنيات الحديثة من حيث القيادة والسيطرة وصهر المعلومات وقيادة المعارك أليا بواسطة أنظمة حاسبات والكترونيات فائقة التطور تقلل عدد المشغلين إلى أقل عدد ممكن مع أحدث وأقوى قدرات الأستشعار ونقل البيانات والمعلومات مع القطع البحرية والجوية المختلفة العاملة معها وهو مايؤهلها لكن تكون سفينة القيادة والهجوم الأساسية ضمن قوة المهام العاملة مع أساطيل حاملات الطائرات.
وبالرغم من كل ذلك إلا أنه ليس السبب الوحيد الذي يجعل من اختيار الغواصة الفرنسية للعمل بالبحرية المصرية ضرورة قصوى وسنشرح لكم في هذا التقرير ونعدد مميزات الغواصات الفرنسية.
تبدأ القصة منذ رفض الألمان تزويد مصر بأحدث طرازاتها من الغواصات سواء Type-218 أو حتى Type-214 والتي زودت بها العديد من بحريات العالم على سبيل المثال البحرية التركية واليونانية ومؤخرًا بحرية سنغافورة أو كما زودت الكيان بنسخة خاصة جدا من غواصاتها فئة (الدولفين). ويعد أهم نواقص الغواصات الألمانية التي حصلت عليها مصر هو ضعف تسليحها بالإضافة افتقادها لنظام الدفع اللاهوائي (AIP) والذي يتيح للغواصات الألمانية من الأجيال الأحدث قدرات العمل تحت الماء لمدة 18 يوم متواصل دون الأحتياج للصعود المتكرر إلى سطح البحر لأعادة شحن البطاريات وتجديد الهواء داخل كبائن الغواصة. وكما هو معروف أن أضعف وقت لأي غواصة هو عندما تكون طافية على سطح البحر حيث يصبح من السهل رصدها وإستهدافها.
كما أن الغواصات الألمانية التي حصلت عليها مصر وبالرغم من تطور أنظمة القيادة وإدراة المعارك بها بالإضافة إلى وجود أحدث طرازات أجهزة الأستشعار من سونارات ورادارات وأجهزة رصد كهروبصري وأنظمة الأتصالات على الصاري وأنظمة صهر المعلومات والتحليل والتخطيط واتخاذ القرار بالأضافة إلى بصمة صوتية وكهرومغناطيسية تصل لمستوى شبحي مميز جدا ألا إن تسليح الغواصة الألمانية ليس بقوة نظرائها الموجودة في العالم حاليا حيث تعتمد فقط على عائلة الطوربيدات الألمانية بالأضافة إلى الصاروخ الأمريكي طراز (هاربون) المضاد للسفن والذي يفتقد قدرات الكروز وضرب الأهداف الأرضية.
وعلى الطرف الأخر من بحر الشمال نجد أن فرنسا نجحت في تطوير الجيل الثاني من أنظمة الدفع اللاهوائي (AIP) والتي دمجتها مع أحدث جيل من بطاريات الليثيوم أيون تعمل بجانب محركات نفث توربينية مما رفع من قدراتها للبقاء غاطسة تحت الماء لمدة 4 أسابيع أي حوالي شهر كامل والتي قد تطول أو تقل قليلا حسب محددات وعوامل الأستهلاك ومعدلات السرعة عموما و دون الحاجة الي الحصول علي الأوكسجين لفترات طويلة أي أنها لن تضطر للصعود لسطح المياة لتجديد الاوكسجين الا بعد فترة طويلة. ويشمل هذا النظام على اثنين من الجيل الثاني لأحدث خلايا الطاقة التي تعمل بجانب ستة محركات للديزل و الكهرباء الصامتة بقوة تصل الى 1250 كيلوواط وثلاثة مجموعات من بطاريات ليثيوم أيون فتصل طاقة الغواصة الأجمالية إلى أكثر من 10,000 كيلوواط ويبلغ مدى الغواصة على سرعة 10 عقدة بحرية فى اقصى التقديرات إلى 18 الف ميل أي ما يعادل 29 الف كلم.
وتعد قدرات نظام الدفع المتفوق والمتطورة هذه فرصة لأعطاء الغواصة مزايا آخرى في مجالات البصمة الصوتية و الكهرومغناطيسية الشبحية حيث لا توجد اجزاء ميكانيكية تتحرك في المحركات التوربينية و مولدات الديزل و عدد الأطقم المشغلة الذي يصل إلى 15 فردا فقط وتأثير ذلك علي القدرات العملياتية هائل حيث يتيح القدرة على تنفيذ مهام كانت تحتاج مجهود وتدريب بشرى رهيب لكي يتم تنفيذها بكفاءة في ظل قدرة بقائية ضئيلة بسبب تخلف تكنولوجيا الغواصات الروسية والصينية التي كانت تديرها تلك الأطقم المصرية العالية الخبرة والأداء. والتي لو توفرت تحت يدها تلك التحف التكنولوجية الفرنسية ستكون قادرة على تنفيذ المهام الشبه مستحيلة ولمدد زمنية أطول وفي ظل قدرات إستخبار وحروب ألكترونية وتسليح جبارة تتفوق بإذن الله في أصعب مسارح القتال خطورة.
وعندما أعلنت شركة DCNS الفرنسية (المسمى السابق ل Naval Group) في عام 2014 عن مشروع غواصتها الثورية والتي أطلقت عليها مسمى غواصة المستقبل والمخصصة للتصدير لدول العالم المختلفة مع قدرة الغوص فى الأعماق تصل إلي 350 متر مع والبقائية والعمل المستمر لمدة تصل إلى 35 يوما ومن الممكن أن يتم إرسالها فى مهام بحرية طويلة تصل الى 90 يوم متواصل مما يمكنها عبور المحيط الاطلنطى ست مرات أثناء الغوص بدون الأحتياج للصعود الى السطح و بسرعة تصل إلي 20 عقدة أثناء الغوص و 14 عقدة على سطح البحر وتعتمد في تصميمها العام على أساس الهيكل الخاص بالغواصات النووية من فئة (Barracuda) درة تاج البحرية الفرنسية وأقوى غواصتها الهجومية شراسة.
وهو ما أتاح الفرصة لوضع خواص فريدة في هذا الطراز من الغواصات الفرنسية. تتميز الغواصة بوجود غرف خاصة لأفراد العمليات الخاصة (SOF) يصل عددها إلى 16 فرد وتوفير مساحة خاصة بهم تتكون من غرفتين مستقلتين كل غرفة تضم ثماني افراد مجهزين بأدوات الغطس و التسليح اللازمة كما تضم الغواصة “ملجأ الحوض الجاف” وهو مكان انطلاق أفراد العمليات الخاصة من الغواصة حيث تم وضع المركبات التي يستقلها الغواصين من رجال القوات الخاصة ويتم الإنطلاق منه بواسطة آلات ومركبات غوص كهربائية للقيام بالمهام المختلفة خلف خطوط العدو مثل عمليات التجسس والأستخبار الألكتروني او التدخل السريع على الجزر و تحرير الرهائن وحماية الأهداف الأستراتيجية في عرض البحر كحقول الغاز والبترول. كما يتميز تصميم الغواصة بوجود حوض للغواصات الغير مأهولة ذاتية القيادة (UUV) والتي يوجد منها طرازات بأحجام وتجهيزات مختلفة حسب المهمة. كما تحتوي الغواصة على غرفة للضغط العالي حيث يتم تقديم العناية الطبية بها للغواصين المصابين.
بالإضافة إلى ذلك سوف تكون الغواصة مثالية لتنفيذ مهام الحماية والدعم لمجموعة “حاملة الطائرات” (Task Force) في أي مسرح للعمليات. حيث تتميز بالقدرة على ” تبادل و دمج ” المعلومات التي تجمعها أجهزة الاستشعار المختلفة المتطورة سواء علي متن المركبات والقطع البحرية المأهولة أو الغير مأهولة لمجموعة القتال مما سيوفر للغواصة القدرة علي جمع المعلومات الاستخبارية في أربعة نطاقات وهي النطاق الجوي و نطاق سطح الماء و نطاق الاعماق و النطاق البري بل من المثير أن الغواصة نفسها و بجانب قدرتها علي أطلاق مركبات بحرية سطحية وتحت سطحية غير مأهولة فهي أيضا قادره أيضا علي إطلاق طائرات دون طيار من أنابيب الأطلاق العمودية وبمدي عملياتي يصل إلى حوالي 50 كم مع قدرات تطوير مستقبلي في هذا المجال سواء بنسخ طائرات بدون طيار قتالية أو إنتحارية.
اما بالنسبة لمزايا التسليح فحدث ولاحرج فهذه الفئة من عائلة الغواصات الفرنسية تمتلك أنياب مخيفة لأي أسطول معادي فهي قادرة على حمل 34 سلاح مختلف ويصل هذا الرقم إلى 45 قطعة سلاح في أحدث فئاتها (SMX-31 E) والأهم من الكم هو الكيف و التنوع الهائل للقدرات والمميزات المختلفة وينقسم هذا العدد إلى خمسة أنواع مختلفة تضم الطوربيدات و الصواريخ المضادة للسفن و صواريخ الكروز وَالهجوم الأرضي و الصواريخ المضادة للطائرات و الألغام البحرية وتمتلك الغواصة بالأضافة إلى أنابيب إطلاق الطوربيد القياسية ايضا أنابيب إطلاق عمودية يصل عددها إلى 6 أنابيب (VLS) قادرة على أطلاق الصواريخ و الطائرات بدون طيار بمختلف أنواعها. وهذا التنوع يعطي الغواصات الفرنسية القدرة على الأشتباك مع مختلف الأهداف سواء تحت سطح الماء أو فوق سطح الماء أو الأهداف الجوية بما فيها الدرونز أو حتى الأهداف البرية في عمق العدو. وتتميز تلك الغواصات بميزة إضافة أي تسليح أجنبي أو محلي ففي الصفقة الهندية هناك تفاوض على أضافة صاروخ (البراهموس) وفي الصفقة البولندية تم الموافقة على التسليح بنسخة تصديرية من صاروخ الكروز الفرنسي الشهير (سكالب نافال) وهي نسخة مصغرة من الصاروخ من طراز (MdCN) وتم تجربة إطلاق ناجحة لها في عام 2017 من منصة تحت سطح الماء.
و بالأضافة إلى صواريخ الكروز تضم باقة التسليح الرائعة عدد من طرازات مختلفة للطوربيدات ذات عيار 533 ملم حسب طلب الزبون سواء الطوربيد الفرنسي الرائع (F-21) أو طرازات أخرى مثل الطوربيد (Black Shark). كذلك تستطيع تلك الغواصة إطلاق صواريخ مضادة للطائرات طراز (ميكا) المكبسلة من أنابيب الطوربيد وعلى عمق كبير يصل إلى 100 متر بعيد عن قدرات الرصد الراداري و الكهروبصري للطائرات المعادية وهو مايمثل خطرا هائلا من الأعماق ضد كافة التهديدات الجوية من الطائرات والدرونات والمروحيات المضادة للغواصات. كذلك تمتلك الغواصة القدرة على اطلاق الصواريخ المضادة للسفن من عدة طرازات أشهرها (الإكسوسيت) الفرنسي أو أي طراز آخر مختلف حسب طلب الزبون كما تمتلك الغواصة القدرة على إطلاق الألغام البحرية. وتعد قدرة تزويد الغواصة بمنظومات تسليح أجنبي ميزة في غاية الأهمية وهو مايفتح المجال لأضافة اي طراز صاروخ كروز ضد الأهداف الأرضية تختاره البحرية المصرية ومتوافق للعمل معها سواء كان من صنع أجنبي كصاروخ (الرعد) الباكستاني أو حتى أي صاروخ صناعة محلية مصرية أو بمشاركة حليف إستراتيجى كاليونان على سبيل المثال.
وبذلك تكون تلك التحفة التكنولوجية الفرنسية فرصة لقلب ميزان القوى لصالح البحرية المصرية التي تفوقت مؤخرا في جميع المجالات أمام أكبر منافسيها فما عدا مجال الغواصات بسبب التعنت الألماني الذي استجاب لضغوط أبناء العم سام الأمريكية و الص*يونية لتقليل قدرات الصفقة المصرية وضمان تفوق نظيرتها في البحريات القوية في شرق حوض البحر المتوسط. ولن توفر الغواصات الفرنسية فقط هذا التفوق ولكنها أيضا تحقق أهم مبدأ من مبادئ الأستراتيجية العسكرية المصرية ألا وهو قدرة أي منظومة سلاح جديدة على أن تكون (متعددة المهام) فالغواصات الفرنسية قادرة على الإنتشار في كافة مسارح القتال بالبحار والمحيطات والعمل ضمن نطاق المياه الخضراء والزرقاء للقيام بكافة المهام المطلوبة ضد سفن السطح وهذه المهام يرمز لها أختصارا بمصطلح (ASuW) وكذلك للعمل في مهام الحرب ضد الغواصات و التي يرمز لها اختصارًا بمصطلح (ASW) بل أن هذه الغواصات الجديدة قادرة أيضا على العمل ضد مختلف التهديدات الجوية في أطار المهام التي يرمز لها أختصارا بالمصطلح (AAW) ، وليس هذا كل شئ فهي بالإضافة إلى ذلك تمتلك قدرات الهجوم الأرضي على أهداف برية داخل عمق العدو بواسطة صواريخ الكروز ونشر افراد قوات العمليات الخاصة خلف خطوط العدو كما تمتلك قدرات الحرب الإلكترونية والاستطلاع والاستخبار الإلكتروني والرصد الكهروبصري الصامت لموانئ ومرافئ ومراكز القتال والدعم اللوجيسيتي الساحلية للعدو.
الدفاع المصرية
قم بكتابة اول تعليق