العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني
كان ظهور صواريخ كاليبر المجنحة مفاجأة للعالم وإستعراض حقيقي للقوة الصاروخية الروسية الحديثة والتي تعتبرها موسكو اليد الطولى القادرة على إصابة اهداف على بعد مئات الأميال بدقة بالغة ,وكان أول ظهور علني لها بتنفيذ الضربة الصاروخية لمواقع تنظيم الدولة في روسيا , حيث إنطلق 26 صاروخ من نوع كاليبر في رشقة صاروخية من الفرقاطات الصاروخية الصاروخية “جيبارد داغستان” وثلاث فرقاطات من فئة “بويان” من حوض بحر قزوين , قطعت الصواريخ التي تم إطلاقها من مسافة قدرها 1.500كم وظلت تتجول فوق أراضٍ إيرانية وعراقية قبل ضربها 11 هدفاً في سوريا وأصابتها بدقة فائقة من دون أن تلحق أضرارا بأي منشأة مدنية وكان ذلك الحدث في السابع من أكتوبر عام 2015م , ثم ظهرت ثانية خلال الهجوم الذي شنته الغواصة المحسنة “روستوف نا دونو” في التاسع من ديسيمبر 2015م هجوماً صاروخياً بإطلاق رشقة صاروخية مؤلفة من 18 صاروخ كروز كاليبر.
وأعقب ذلك في عام 2016م إطلاق رشقة بثلاث ضربات إضافية من صواريخ “كاليبر” من الفرقاطات الروسية في البحر الأبيض المتوسط وأظهرت تلك الضربات القدرات والإمكانيات الروسية الحديثة في إصابة اهداف بعيدة ووجهت السفن الصاروخية الروسية ثلاث ضربات على الأقل ضد أهداف للإرهابيين في حلب وإدلب السوريتين.
وما لبث أن ظهر كاليبر مجدداً وهذه المرة في عملية حقيقية لقوات الصواريخ الروسية خلال عمليات الصراع المسلح الدائر في أوكرانيا حالياً وكان لها نصيب كبير ضمن عمليات القصف الصاروخي المؤثر والمباشر على مقرات القيادة والسيطرة لوحدات الجيش الأوكراني.
لعبت الضربات الصاروخية دورًا خاصًا في العدوان الروسي على أوكرانيا ، لأنها سمحت للروس بمهاجمة أهداف محددة في أوكرانيا دون تعريض مقاتليهم لخطر نيران الدفاعات المحلية المضادة للدبابات وللطائرات , وتم استخدام أنواع مختلفة من أسلحة الصواريخ الإستراتيجية بما في ذلك صواريخ كاليبر المجنحة بعيدة المدى
لم تكن صواريخ “كاليبر” مجهولة على المستوى الدولي ,فقد شاركت روسيا بعرضها في معارض السلاح العالمية منذ العام 1993م لكن تلك التي عرفها العالم لا يزيد مداها على 300 كيلومتر وقد تمت صناعتها من أجل عرضها على الراغبين في امتلاك صواريخ من هذا النوع من البلدان الأجنبية وجاء ذلك لتقيد موسكو بالمعاهدات الدولية التي تحظر على مصنعي الصواريخ تصدير تكنولوجيا الصواريخ التي يزيد مداها على 300 كيلومتر ,أما بالنسبة لتلك التي ظهرت وفاجأت العالم فقد تمت صناعتها للجيش الروسي وطورت خلال الأعوام السابقة وأجريت عليها تجارب الإطلاق التجريبي في عام 2012م وتكللت تجربة إطلاق هذه الصواريخ الحقيقي بالنجاح في العمليات القتالية التي دارت في سوريا.
“تعتبر صواريخ كاليبر” من الجيل الثاني من نظام الصواريخ الإستراتيجية الروسية المجنحة بعيدة المدى متعددة المهام والتي تقع ضمن تصنيف cruise missile صمم من قبل مكتب نوفاتور الروسي لسلاح البحرية السوفيتية ويعرف لدى حلف شمال الأطلسي باسم سيزلر ولقب تعريف الناتو الخاص به هو “SS-N-27 Sizzle” .
يبلغ مدى إطلاقه 1500 كم في حال تزويده برأس عادي بوزن 450 كغ ويصل مداه لـ 2600 كيلومتر في حال تزويده برأس نووي بوزن 100 – 200 كغ ويعادل باع جناحه 3.3 م ، وطوله 5.33 م أما وزن الصاروخ لدى إطلاقه فيبلغ 1700 كيلوغرام ويمكنه أن يحلق منخفضاً حتى ارتفاع 30 مترا ويتوفر الصاروخ في فئتين الأول يطلق من على ظهر سفن السطح ويميز بالرمز ” N “والثاني من على متن الغواصات ويميز بالرمز ” S “وهذه الصواريخ لها مسار منخفض فوق سطح البحر، وبسبب قطره الصغير واستخدامه لطلاء ماص لموجات الرادار يصبح أمر اكتشافها والتصدي لها أمرا صعباً جداً ويتميز كاليبر بقدرته على الطيران المنخفض كصاروخ مجنح، وقدرته كذلك على الطيران على ارتفاع عال كصاروخ باليستي وهذه الميزة قلما تتوفر في سلاح واحد .
توجد عدة نسخ معدلة لمنظومة صواريخ “كاليبر” تختلف في نوعية منظومات إطلاقها، ونوعية المهمة “الهدف والسرعة والمدى والحمولة” بحيث يمكن أن تحمل عبوات تقليدية أو نووية ومنها :
- النسخة المضادة للسفن 3M-54E ،بطول 8.22 متراً مع حمولة من 200 كجم ومدى 220 كم . تحلق السرعة الأولى دون سرعة الصوت ثم يصبح الأسرع من الصوت (ماخ 2.9 ) ، على إرتفاع 5 متر من السطح وهو قادر على مناورات مراوغة تأثير من أجل تجنب الكشف عن الرادار أو الأشعة تحت الحمراء . له القدرة على مهاجمة مجموعة حاملة الطائرات المعنية بشدة البحرية الأمريكية.
- النسخة المضادة للسفن 3M-54E1 بطول 6.2 متراً مع حمولة من 400 كجم ومدى 300 كم أسرع من الصوت .
- نسخة الهجوم البري 3M-14K-T بطول 6،2 متراً مع حمولة من 400 كجم وهذه لا يمكنها الاندفاع بسرعة 3 أمتار لكنها قادرة على اجتياز مسافة من 1500 إلى 2500 كيلو متر مع إمكانية اطلاقه من السفن والغواصات.
- الصواريخ المغيرة للبيئة ” تطلق هذه الصواريخ من بيئة جافة إلى بيئة مائية أو العكس” ومنها :
أ – النسخة المضادة للغواصات 91RE1 ذات الإطلاق الرأسي من الغواصة، بطول 8 مترا مع حمولة من 76 كغ ومدى 50 كم .
ب- النسخة المضادة للغواصات 91 RE1 ذات الإطلاق العمودي من سطح السفن، بطول 6.5 مترا مع حمولة من 76 كغ ومدى 40 كم أسرع من الصوت.
5. نظام إطلاق بالحاويات أو مجمع كلوب k الصاروخي وهو نظام مسلح بأربعة صواريخ مع قدرة مضادة للسفن تطلق من الحاويات القياسية قدما ويمكن تركيبها على منصات غير عسكرية مثل الشاحنات والقطارات أو سفن البضائع المدنية.
نظم التوجيه فى الصاروخ كاليبر :
تتعدد انظمة التوجيه في منظومة صواريخ كاليبر المجنحة وذلك لضمان دقة إصابتها لاهدافها خاصة وانها تطير بسرعة عالية ولمسافات بعيدة وهي تعمل بنظام القصور الذاتى ونظام التوجيه الرادارى والتوجيه بالاقمار الصناعية ويتم بواسطة أقمار Glonas والتوجيه بنظام مطابقة الصورة DSMAC وهو ما يعرف بالامساك.
صممت صواريخ “كاليبر” لإجراء مناورات مراوغة للتخفى والوقاية من الاسلحة المضادة فبدلاً من اتخاذ نهج الطريق المستقيم، وعند اقترابها من سفن العدو تتسارع الصواريخ نحو أهدافها وتنخفض لارتفاع 4.6 متر فقط فوق مستوى سطح البحر، مما يجعل من الصعب على الدفاعات المضادة للصواريخ على السفن والقطع البحرية إسقاطها.
يجري إطلاق صواريخ “كاليبر” من غواصات البحرية الروسية من فئة “كيلو”، إضافةً إلى فئات أحدث مثل “أكولا” و”لادا” و”ياسن”، ويتم إطلاقها أيضاً من فرقاطات، لكن لم يتم حتى الآن تركيبها على السفن الأكبر حجماً، على الرغم من أنه يرجح وقوع تحديثات كهذه مستقبلاً وستكون مدمرات الصواريخ قادرة على حمل العشرات منهم.
أستعرض مؤحراً تقرير أمريكي مميزات صواريخ “كاليبر” الروسية المجنحة والتي ظهرت في عمليات عسكرية فعلية عام 2016م لافتا إلى نجاح روسيا في نصبها على سفن صغيرة الحجم، دون غيرها.
التقرير الأمريكي ذكر أن سرعة هذه الصواريخ تبلغ نحو 885 كيلومترا في الساعة، وهي مماثلة لسرعة الطائرات، وبمقدورها إصابة أهداف على بعد 1600 كيلو متر وهذه المواصفات جعلت من هذا الصاروخ، سلاحا غاليا الثمن وأثبتت بما لايدع مجالاً للشك القدرات الروسية التي نجحت في لفت أنظار العالم لأسلحتها وتقنيتها المتطورة التي فاقت ما لدى الأمريكان والبريطانيين في هذا المجال .
أظهرت روسيا أنها قادرة على استخدام أعداد كبيرة من السفن الصغيرة المزودة بالصواريخ المجنحة بعيدة المدى، وهي قوة متحركة ضمن ترسانة الأسلحة الحديثة بعيدة المدى، وهذا يدل على تطور الفكر العسكري النوعي الروسي الذي قرر توزيع القوة النارية على اسطح إطلاق متحركة وعدم الاعتماد على قاعدة كبيرة واحدة مكلفة وقابلة للإصابة نحو التميز والتشغيل العملياتي الناجح لتك المنظومات في حين أن البرنامج الأمريكي لتوزيع المنظومات الصاروخية باستخدام سفن ساحلية يعاني من بعض الصعوبات علاوة على أن خصائص تسليح السفن الأمريكية الكبيرة في المناطق الساحلية تتخلف عن مواصفات التسليح الروسي لسفن المدفعية صغيرة الحجم التي تتميز بمرونتها وفعاليتها العالية.
تفوق نوعي سجله الروس في مجال الصواريخ المجنحة كروز كسر إحتكار الأمريكان وحلفاؤهم لهذا الصنف من الصواريخ ذات الميزات العالية للإمكانات التي يقدمها في تنفيذ مهام عمليات القصف الدقيق لأهداف بعيدة بشكل لفت أنظار العالم من جديد للدب الروسي الذي أستيقظ من سباته ليثبت قدرته على خلط الأوراق على الساحة الدولية.
قد يعتبر الكثيرين أن كاليبر هي نوع من الخرافة أو الأسطورة التي تحلم روسيا بإمتلاكها إلى أن أنطلقت تلك الصواريخ المجنحة لتضرب أهدافها البعيدة بدقة بالغة في إشارة واضحة على أن الروس توجهوا لبناء قوتهم الصاروخية بشكل سري فاجأ العالم بحقيقة أن أسلحة الردع الروسية باتت في حيز الوجود وأنها تنافس مثيلاتها الغربية بل وتتفوق عليها وأظهرت روسيا أن باستطاعتها التباهي بالقدرة على تنفيذ ضربات بحرية بعيدة المدى بشكل دقيق لتثبت براعتها التكنولوجية وإمكاناتها المادية التي تستطيع تغيير معايير السياسة والقوة ، وأعتقد بأن ذلك سيكون له أثر كبير في توازن قوى الرعب العالمية والتفكير ملياً بأن العالم لن يحكمه مستقبلاً طرف واحد.