الديكتاتورية الرقمية: الصين نموذجاً

البدوي عبد القادر البدوي – باحث في الدراسات الأمنية النقدية

لقد كان الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو) المنظر الأول في ولادة السياسية الحيوية والتي في جانب منها تتناول دخول الجسد الى الخطاب السياسي، أي علاقة الجسد بالسلطة، وتتبع فوكو في كتابه المراقبة والعقاب (1975) طُرق استعراض السُلطة وإظهار حضورها تاريخياً، منذ ان كانت السُلطة تقوم بالانتقام العلني بالتعذيب والتنكيل وهو ما يقترن بالنظرية النفعية وصولاً الى مولد السجن، حينما بدأت السلطة تشعر بالإحراج من الممارسات الانتقامية بسبب التمدن وتطور المجتمعات[1].

وبسبب التطور الرقمي ظهرت طبيعة جديدة لتلك العلاقة لتصبح ما بين السلطة والفرد، فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات أصبح من السهل الوصول للجماهير، معرفة آرائهم ومتطلباتهم، بل ساهمت بشكل كبير بحسب صامويل هانغتون من بين عوامل اخرى في تغيير الأنظمة السياسية فيما اسماه بالموجة الثالثة من الديمقراطية، ففي الجانب الإيجابي ساهم التطور التقني في تعزيز الشفافية والمسائلة بين المواطنين والحكومات، وتحسين تقديم الخدمات وغيره[2].

أما الجانب السلبي في تلك العلاقة فهو يتعلق مباشرة بسعي السلطة لفرض حضورها الدائم والمستمر، ولكن بشكل أكثر تهذيباً بحيث لا تثير المقاومة الغريزية فحيثما وجدت السلطة وجدت المقاومة بشكل فطري، وهو ما يدعوها للاختباء خلف العالم الرقمي فيما يُسمى بالديكتاتورية الرقمية (الاستبداد الرقمي)، وتبحث الورقة في طبيعة العلاقة الرقمية بين السُلطة والمواطن، وتسيس الأدوات الرقمية بغرض مصادرة الحقوق وتذويب الآراء المُعارضة لضمان ولاء المواطن للسُلطة، وتتناول الورقة الصين كحالة لممارسة الدولة للدكتاتورية الرقمية لتجيب عن سؤال كيف طبقت الصين الديكتاتورية الرقمية؟

تُعرف الورقة الديكتاتورية الرقمية بأنها سعي الحكومات الى استخدام العالم الرقمي لمراقبة تحركات وأفكار المواطنين وعاداتهم، واستخدام تلك المعلومات في خلق اجماع جماهيري غير قادر على طرح آراء او ممارسة حقوق معارضة السلطة، وذلك عن طريق تضييق تصورات المواطنين بسبب تحكم السلطة في المعلومات التي تخرج للناس، وتحقق الديكتاتورية الرقمية في جوهرها التأثير المعاكس للديمقراطية الرقمية والتي فيها تستخدم الوسائل التقنية بغرض توسيع المشاركة في البيئة السياسية واستنارة الجمهور ومشاركتهم في القرار[3]، انطلاقاً من هذا التعريف تجيب الورقة على السؤال بوصف الأساليب والطرق التي تستخدمها الصين بغرض ضبط النشاط السياسي للمواطنين بما يدور حول محور ويتطابق مع رؤى الحزب الحاكم، حيث تستعرض الورقة الأنظمة الرقمية التي تستخدمها الحكومة الصينية لتقييم وتقسيم المجتمع الى مواطنون جديرون بالثقة من حقهم التمتع بحقوق وفق ما يراه النظام، ومواطنين يتم حرمانهم من أبسط الحقوق بسبب سلوكهم الذي يعتبره النظام خطراً ، كما تتناول الورقة رصد الصين للأقليات وقمع حرياتهم الدينية والسياسية بواسطة الأنظمة الرقمية، كما تتناول الورقة وسائل تلقين الأفكار بغرض السيطرة على أفكار المجتمع في الحاضر والمستقبل، كذلك الأثر المتعدي للرقعة الجغرافية واهتمام الصين بتصدير تلك التقنيات ونشر ثقافة الاستبداد الرقمي لدى الحكومات الأخرى.

أولاً: التفوق التقني للصين.

الدول التسلطية تستخدم وسائل واستراتيجيات للسيطرة على المعارضة تتمثل في المراقبة والدعاية ونشر الاخبار المضللة وهي أساليب باتت قديمة على ضوء التطور التقني الذي ساهم بشكل كبير في جعل عمليات قمع وخنق المعارضة أكثر دقة، وتعتبر الصين أوضح مثال للاستبداد الرقمي حيث تعتبر في طليعة الدول التي تستخدم أدوات الرقابة الرقمية على مجتمعها المحلي حيث تستخدم الذكاء الاصطناعي للرقابة على البيانات بالإضافة الى النظام الائتماني الخاص بها، والدوائر التلفزيونية المغلقة والكاميرات، وقد تمدد الخطر الصيني من خلال انتشار شركاتها التقنية حول العالم وبشكل اكثر دقة افريقيا[1]، وقد استخدمت الصين سابقاً سياسة الهندسة العكسية وذلك بشرائها احدث المنتجات التقنية والعمل على تفكيكها لمعرفة طرق وخطوات الإنتاج ومن ثم العمل على اصدار مُنتج مُقلد بشكل غاية في الاحترافية، فقد برع العلماء والمهندسين الصينيين في هذا المجال بشكل ملفت للأنظار[2]، وقد كان للضغط القضائي الذي تعرضت له الصين بسبب الدعاوى التي تواجهها بسبب التقليد دور مهم في انتقال الصين الى مرحلة جديدة، فخلال العقدين الماضيين انتقلت الصين من بلد يقوم بتقليد وسرقة التقنيات الى مستوى اعلى حيث بدأت في تطوير وتحسين التقنيات الموجودة وابتكار المزيد، وذلك بزيادة الحكومة الصينية من الانفاق التكنلوجي العالمي من 5% عام 2000 الى اكثر من 23% عام2020، وتعمل الاستراتيجية الصينية التقنية على مبدأ الاندماج المدني العسكري حيث تقوم الحكومة بتقديم تسهيلات الشركات الخاصة في شكل منح مالية واستثناءات عديدة في مقابل مشاركة بيانات المستخدمين لأغراض استخباراتية[3]. وبسبب الاندماج بين المدني والعسكري نجحت الصين في مجال الذكاء الاصطناعي ويعود ذلك لمقدرة الشركات للوصول الى كميات هائلة من البيانات ويتضح تعطش الشركات الصينية لجمع البيانات الشخصية لدرجة رغبتها في معرفة الحمض النووي[4]. وهو ما يعرف بالبيانات الضخمة (Big Data) وتعرف بأنها: “مجموعات كبيرة من البيانات يمكن تحليلها حسابيًا للكشف عن الأنماط والاتجاهات والارتباطات، خاصة فيما يتعلق بالسلوك البشري والتفاعلات”[5].

ثانياً: نظام الائتمان الاجتماعي الصيني: الأخ الأكبر يُراقبك.

رواية الكاتب البريطاني جورج اورويل في “العام 1984” والتي اشتهرت باسم “الأخ الأكبر يراقبك” توضح الأنشطة التجسسية التي يقوم بها صاحب السُلطة وقد مثلت في حينها  تخيل للمستقبل الذي أصبح واقع الحال في العديد من الدول، وقد جسدت الرواية تفوق حكومة ديكتاتورية على مجتمع من خلال سيطرتها الكاملة على حياة المواطنين بسلب حرياتهم واقتحام خصوصياتهم، مراقبتهم بالكاميرات وأجهزة الاستماع، تُظهر رواية الأخ الأكبر عقلية الديكتاتور فهو يرمز للقائد الأعلى ويجسد السُلطة أو الحزب الحاكم الذي يجب على المواطن اتباعه وإذا لم يفعل فإن الأخ الأكبر سيعرف لأنه يتجسس طوال اليوم[6]، وهي أيضاً -أي السلطة-  تذكره بوجودها باستمرار من خلال الشاشات المزروعة في كل مكان، وتشرح الرواية كيف أن السُلطة تستخدم جهازها الحكومي للتحكم في الحاضر والسيطرة على المستقبل من خلال نشر الأكاذيب وتعديل وتنقيح التاريخ بما يتسق مع رواية النظام ويخدم مصالحه، ويعتبر التفكير جريمة فالتفكير حق حصري للأخ الأكبر لا ينازعه فيه أحد، فالسلطة هي التي تفكر وما تراه حقيقة هو الحقيقة وما تراه كذباً هو الكذب، فلا مجال للتفكير النقدي[7].

في العام 2014 كشفت الحكومة الصينية عن الاطار العام للنظام الائتماني الاجتماعي الوطني، والذي يخص كل فرد وكيان داخل الصين وهو اقرب ما يكون شهادة سمعه اقتصادية واجتماعية للمواطنين والشركات، فبموجب النظام يتم تصنيف الأفراد بحسب سلوكهم الى من هو جدير بالثقة ويستحقها او العكس وذلك من خلال رصد التصرفات مثل عدم دفع فاتورة الكهرباء، او ارتكاب مخالفة  مثل قطع إشارة مرور، وبالتالي فرض عقوبات كتقليل فرص الحصول على وظيفة والحرمان من التعليم، وبالتالي يعمل النظام على تقسيم المجتمع الى مواطن جدير بالثقة وآخر غير جدير بها بناءً على سلوكياته وافعاله المرصودة[8]، وبالرغم من ان النظام يمكن ان يُعتبر حوكمة مبتكرة، الا أن ما يستتر خلفه هو ما يُخيف إذ ان النظام يُراقب كل شيء، وحينما يوضع فرد في القائمة السوداء بسبب مثلاً التدخين في المناطقة غير المخصصة، يمكن أن يُحرم الابن من دخول الجامعة بسبب تصنيف والده غير الجيد[9]، استخدمت الحكومة الصينية المعلومات الرقمية المخزنة في النظام للتحكم في سلوك الافراد وإدارة المجتمع وتوجيهه بإحكام الرقابة عليهم حيث وصل لدرجة مراقبة عدد زيارات الأفراد لآبائهم، فالنظام يقوم بجمع قدر هائل من بيانات الأفراد الشخصية، من سجلات مالية وقانونية ورصد نمط الحياة في العمل والسوق والمنزل والطريق ومع الأصدقاء، ومن خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وربط جميع هذه المعطيات بحوالي 200 مليون كاميرا تمثل بنية تحتية لنظام التعرف على الوجه، ويعمل نظام الذكاء الاصطناعي المرتبط بالنظام على تحليل البيانات ووضع خوارزميات تعمل على تصنيف المواطنين ومن ثم تقرير نطاق الحقوق او الخدمات التي يستفيد منها المواطن، وقد أعلنت الصحف الصينية الرسمية عن منع 11 مليون صيني من ركوب الطائرة ونصف مليون من صعود القطارات[10].

الرئيس الصيني شي جينبينغ (ا.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ (ا.ب)

ثالثاً: منصة العمليات المشتركة المتكاملة (Integrated Joint Operations Platform (IJOP)).

المنصة تم تطيرها بواسطة شركة تكنلوجيا الالكترونيات المملوكة للدولة والتي تتبع للجيش الصيني، وللمنصة القدرة على التدقيق في مجموعات سكانية بأكملها حيث يمكن ان تصنف الافراد بأنهم مشبوهين من خلال، نمط سفرهم الى الخارج، والتطبيقات المستخدمة على الهاتف الشخصي، والعبارات والتعليقات ذات الاستخدام المتكرر، لدرجة التنبؤ برد الفعل عند نقاط التفتيش، فالنظام يستخدم نسخة متطورة من تقنيات التعرف على الوجه، التي لديها القدرة على قراءة تعابير الوجه، وتحليل وحدة حركة الوجه، والتعرف على حركة عضلات الوجه[11]، المنصة تستخدم المعلومات التي يتم الحصول عليها بشكل غير قانوني وتستخدمها ضد المواطنين، حيث يتم سحب البيانات من محطات الوقود والمدارس والمستشفيات وعدد من المرافق التي يمكن التحكم في الوصول اليها، وكاميرات المراقبة ودمجها ومن ثم المراقبة بحثاً عن سلوك او نشاط غير عادي، وإطلاق تنبيهات عن طريق تطبيق هواتف محمولة يمتلكه المسؤولين ومن ينوب عنهم من سلطة أمنية، على ضوئها تقوم السلطات بالتحقيق مع المشتبه به عند أقرب نقطة، ومن المفترض أن يقدم المسؤول ملاحظاته بعد إجراء بحث في هاتف المشتبه من استخدام للتطبيقات والانترنت وهي إجراءات يطلبها التطبيق من المسؤول في شكل خطوات اقرب ما تكون بمليء الاستبيان[12]، وتستخدم المنصة على وجه الخصوص لمراقبة مواطني إقليم شينجيانغ الصيني والذي تمثل قومية الايغور المسلمة أكثرية سكانية بالإقليم، ويعتبر استخدام المنصة جزء من الحملة التي تشنها الصين ضد الأقلية العرقية والدينية هناك، حيث يقرر التطبيق ان سلوك المواطن يدعو الى الريبة من خلال ما اذا كان الشخص قد توقف عن استخدام الهاتف، استخدم قدر كبير من الكهرباء، ذهب لأداء منسك الحج من دون موافقة السلطات، امتنع عن المشاركة في أنشطة الحزب الشيوعي، أو كان قد حُكم على أحد أقربائه بالسجن، او حتى غادر البلاد لمدة زمنية طويلة مما يعرض ذويه للتدقيق، وبمجرد ان يتم فحص هذه المعلومات وتحليلها يعتبر الشخص مصدر تهديد[13].

تستخدم المنصة في تحديد من يجب ارساله الى المعسكرات التي تحتجز فيها السلطات الصينية ممن تعتبرهم مصدراً للتهديد، وقد كشفت تقارير عن اخضاع الحكومة لحوالي 13 مليون مسلم لظروف قمعية شديدة ناتجة عن أساليب الرقابة الرقمية، والتي بسببها تم احتجاز ما يفوق الالفين محتجز  بين عامي 2016 و 2018،  وقد اشارت وزارة الخارجية الامريكية الى المحاولات المستمرة التي تقوم بها الصين بغرض محو الهويات الدينية والعرقية، ومن جانبها رفضت الصين تسمية “معسكرات الاعتقال” وقالت انما هي مراكز تدريب مهني القصد منها تطهير العقول من الأفكار المتطرفة[14]، حيث يُصنِف الحزب الحاكم  الأديان والمذاهب على أنها ايدلوجيا منافسة للنظام الشيوعي، فتشدد في السيطرة عليها من خلال الرقابة والقوانين الصارمة، والعقوبات الوحشية، وفي إطار زيادة فرض السيطرة وجه الحزب الحاكم ممثلي الجماعات الدينية والعقائدية بمراجعة وتعديل النصوص الدينية وإعادة تفسيرها بحيث تتناسب مع فكر الحزب الشيوعي وظروف العصر الحالي[15].

رابعاً: تلقين أفكار الأخ الأكبر: فكر (شي جينبينغ).

لم تقتصر عمليات إدارة المجتمع والتحكم فيه على مواطني الوقت الراهن انما امتدت لتضمن ولاء الأجيال اللاحقة، ذلك أن الأخ الأكبر -الذي يمثل القائد العام ويجسد الحزب كما أشرنا سابقاً- يجب ان يكون في كل مكان، وفي أي زمان، وفي كل فرد، ومن أجل ذلك يقوم النظام باستخدام وسائل الدعاية للكذب وتزييف التاريخ وتزوير الاخبار وتوجيه بعضها وتقليل فرص التمييز بين الحقيقة والكذب، وبين الخيالي والواقعي، فالتزوير وعدم الادراك ضرورة مُلحة لبقاء وتعظيم الأخ الأكبر[16]، في 2018 قرر الحزب الشيوعي الصيني تجسيد الفلسفة السياسية للرئيس الصيني (شي جينبينغ) وتضمينها في دستور الحزب بمسمى فكر (شي جينبينغ)، كما اضافت وزارة التربية والتعليم فكر (شي جينبينغ) للمقررات الدراسية من المراحل الابتدائية وحتى الجامعة، مدعية انها وسيلة مثالية لتعزيز قيم الماركسية على أسس أخلاقية وفكرية لتنمية وبقاء الايدلوجيا[17]، وفي المنازل تؤدي القنوات التلفزيونية وما تقدمه من برامج إضافة في اتجاه تلقين فكر القائد للأسرة، فتعمل من خلال برامجها على تنظيم مسابقات وبرامج تعريفية تروج لفكر (شي جينبينغ) وتمجيده، وذلك بعرض خطابات الرئيس وفقرات تتضمن تجاربه الشخصية بنوع من الاحتفاء، وإقامة مسابقات تدور اسئلتها فقط حول الرئيس، فضلاً عن أساليب التلميع الأخرى من هتافات ومديح للرئيس عبر الفضائيات المحلية[18].

خامساً: من المحلية الى العالمية: طريق الحرير الرقمي.

في تقريرها السنوي للعام 2018، كشفت منظمة Freedom House)) وهي من المنظمات الدولية المهتمة بحرية التعبير والديمقراطية، عن انتهاك الصين لحرية الانترنت واعتبرتها أسوء دولة من بين 65 دولة من جميع انحاء العالم، بسبب استخدامها الوسائط الرقمية لزيادة قوتها في الداخل والخارج، حيث كشف التقرير عن استضافتها في ندوات لممثلين من 36 دولة حول أنظمتها الرقابية والتي تعتمد على الوسائل الرقمية، بالإضافة الى ترويج شركاتها لأجهزة الاتصالات وتجهيز البنية التحتية للاتصالات، وتكنلوجيا التعرف على الوجه والذكاء الاصطناعي، وأدوات تحليل السلوك البشري ووسائل الرقابة المتقدمة لصالح الحكومات التي تستخدم الانترنت والتكنلوجيا بنمط استبدادي، مع اجبار المستخدمين بالالتزام بلوائح المحتوى الصيني[19]، وتعمل الصين من خلال توسيع نفوذها التكنلوجي وتصدير تقنياتها الرقابية الى تنفيذ استراتيجية طريق الحرير الرقمي المبنية على الاستثمار في التكنلوجيا والاتفاقيات الثنائية ونشر أنظمة الرقابة بشكل عام، وهو ما يشير الى خطر انتشار الاستبداد الرقمي وبالتالي تراجع الديمقراطيات ووأد الديمقراطيات الهشة[20]، وفي هذا السياق فقد ساعدت الشركات الصينية النظام الإيراني بشكل متزايد على قمع شعبه، حيث ساعدت شركة الاتصالات الصينيةZTE ، وشركة هوواي (العاملة في مجال معدات الجيل الخامس) طهران على توفير تكنلوجيا ساعدت النظام الإيراني على مراقبة الاتصالات في البلاد، كما عززت التقنيات الصينية القبضة البوليسية في مصر بعد وصول عبد الفتاح السيسي للحكم وذلك بمنحها حصة كبيرة في قطاع الاتصالات الصينية والذي يعني استمرار الفوائد من استمرارية النظام[21]، وقد أشار تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في فبراير2021، الى 16 دولة على الأقل قامت بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع الصين خاصة بالتكنلوجيا الصينية بيد ان هذه الدول ليس لديها أي ادراك عن الوسائل التي تستخدمها الصين في بسط نفوذها الرقمي، ناهيك عن إعدادها خطط لمواجهة ذلك النفوذ، حيث أن نطاق التكنلوجيا الصينية من حيث الاختراق يتجاوز الحدود المسموح بها في الاتفاقيات الثنائية[22]، ويأتي هذا التعطش في بسط النفوذ الرقمي عالمياً متسقاً مع رؤية الأخ الأكبر (الرئيس الصيني شي جينبينغ)، الرؤية المستخلصة من خطاباته حول استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مزدوج بغرض ضبط المجتمع داخلياً والتحول الى قوة عظمى تتحكم في العالم[23]، ولتحجيم النفوذ الصيني قامت عدد من الدول الاوربية بإيقاف تمدد الشركات الصينية، في فرنسا صادق المجلس الدستوري عدد من النصوص التشريعية المضادة لشركة هواوي الصينية، وذلك بعد اطلاق الوكالة الوطنية للأمن المعلوماتي الفرنسية تحذيرات تتعلق بمخاطر الجيل الخامس للتكنلوجيا الصينية مثل التجسس والقرصنة والتخريب[24]، كما اتهمت إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب الشركة الصينية بأنها تقوم بعمليات تجسس لصالح بكين ونتيجة لذلك تم وضع الشركة في القائمة السوداء لوزارة التجارة الامريكية وحرمانها من الحصول على التكنلوجيا الأمريكية، وقد ساهمت الضغوط الأمريكية في إعلان بريطانيا قرارها حظر شركة هواوي ومنع المشغلين في بريطانيا من شراء معدات شركة هواوي حتى العام 2027، وقد تلتها السويد في قرار الحظر[25].

الخاتمة.

في حين ان التقنيات الرقمية والتطور التكنلوجي عادةً ما كان وسيلة لتمكين المواطنين واسقاط الطغاة، الا أنها في الصين تحقق العكس، فهي وسيلة فعالة وناجحة على الأقل حتى الآن في ترسيخ الاستبداد وانتزاع الحقوق، بل وخلق تصورات مختلفة عما تعنيه الحقوق وذلك من خلال صناعة الأفكار.

لم تكتف الحكومة الصينية بترسيخ نظامها السياسي فقط بالسيطرة على الحكم، بل سعت بشكل واسع لبناء مجتمع شمولي متكامل، من حيث الأفكار والعادات والتقاليد والممارسات، وحتى على مستوى الشعائر الدينية، إستخدمت وسائل الرقابة والبرامج الحاسوبية والخوارزميات في تحليل جميع البيانات والمعلومات الشخصية ودمجها فيما يعرف بالنظام الائتماني الاجتماعي الصيني، والذي عبره يتم تقييم الأشخاص وتحديد مدى صلاحهم بناءً على معايير النظام، وهو ما تقوم به منصة العمليات المشتركة لضبط ورصد مجتمعات بعينها حيث يستخدم بشكل فاعل ضد أقلية الايغور المسلمة، والذي يجمع البيانات الشخصية للمواطنين ومن ثم يبدأ في توجيه السلطات بإجراء تحقيقات دقيقة على ضوئها يتم تنفيذ إجراءات يطلبها التطبيق الموجود على هواتف المسؤولين.

كما تطلع النظام للمستقبل من خلال تطوير العبودية الشخصية التي كان يجسدها (ماو تسي تونغ) قديماً لتنتقل الى الرئيس الحالي (شي جينبينغ)، من خلال دراسة أفكاره ونشرها عبر الوسائط المختلفة وأساليب الدعاية المتنوعة، وفي القاعات الدراسية عبر مختلف المراحل التعليمية، والتي من خلالها يضمن الحزب نشوء أجيال مؤدلجة بدرجة عالية.

وضعت الصين استراتيجية طريق الحرير الرقمي والتي تحقق الرؤية الاستراتيجية للرئيس الصيني حول الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل مزدوج يعمل على ضمان الرقابة والتحكم التام في المجتمع المحلي من جهة، ومن جهة أخرى نشر النفوذ الرقمي والتحول الى قوة عظمى تسيطر على العالم، وهو ما يهدد بتراجع الديمقراطيات وانهاء الهش منها، كما يُنهي طموح الشعوب الراغبة في التحول نحو الديمقراطيات عن طريق توفير تكنلوجيا القمع للحكومات الاستبدادية، كما اعتبرت القوة المنافسة في النظام الدولي التمدد الرقمي للصين مهدد لأمنها القومي الأمر الذي حمل الولايات المتحدة على شن حرب اقتصادية على الشركات الصينية وحث حلفاءها على اتخاذ مواقف مشابهة.

قائمة المصادر.

العربية.

  1.   ” أميركا متخوفة.. الصين تغزو العالم بالتكنولوجيا”، الجزيرة، 3/4/2019، شوهد في 31/10/2021، في: https://bit.ly/30bWGL6
  2.   ” شبكة الجيل الخامس: المجلس الدستوري بفرنسا يصادق على قانون الحد من عمل هواوي الصينية”، فرانس24، 5/2/2021، شوهد في: 1/11/2021، في: https://bit.ly/3D6pPWn  
  3. ” كيف أصبحت الصين تحاسب مواطنيها إلكترونياً”، عربي بوست، 4/5/2020، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/2ZHP9ni  
  4. “الصين تستخدم تطبيقًا لمراقبة مسلمي شينجيانغ”، شير اميركا، 15/8/2019، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bit.ly/3bqt3b0  
  5.   “بريطانيا تحظر هواوي الصينية من شبكات “G5” الخاصة بها”، CNN، 14/7/2020، شوهد في: 1/11/2021، في: https://cnn.it/3kncWjm
  6. “تمجيد الزعيم على الطريقة الصينية”، بي بي سي، 4/10/2018، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bbc.in/3weH5q9
  7. 7.     “حروب الابتكار”، الجزيرة، 14/2/2021، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3pQm3g1  
  8. “رايتس ووتش: الصين تستخدم برمجيات لرصد سلوك المسلمين بتركستان الشرقية”، الاناضول، في: 10/12/2020، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bit.ly/3CxaRsm  
  9.   ايلان بريمان، ” “النموذج الصيني” يصل الشرق الأوسط”، الحرة، 17/ 7/ 2019، شوهد في 31/10/2021، في: https://arbne.ws/3F0NGHI
  10. حسني عبد العظيم، ” الجسد المقموع: قراءة في فلسفة ميشيل فوكو”، معنى، في: 13/11/2019، شوهد في 28/10/2021، في: https://bit.ly/3jM8gU6  
  11. حسين إسماعيل، ” نظام الائتمان الاجتماعي في الصين”، الصين اليوم، في 31/7/2019، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3vZspuK  
  12. سعدون يخلف، “رواية «1984» لجورج أورويل: الأخ الأكبر يراقبكم”، القدس العربي، 22/2/2018، شوهد في: 30/10/2021، في:  https://bit.ly/3mrVnQE  
  13. عبد الله الردادي، “الأسلوب الصيني في التطور التقني”، الشرق الأوسط، 19/7/2021، شوهد في 29/10/2021، في: https://bit.ly/3wanIyt  
  14. فؤاد قباقجي، ” الصين تعتزم إعادة تفسير الكتب والنصوص الدينية في البلاد”، الأناضول، في: 25/12/2019، شوهد في: 1/11/2021، في: https://bit.ly/3bvg8VC  
  15.   منى فياض، “الصين واستغلال الذكاء الاصطناعي للهيمنة”، الحرة، 3/5/2020، شوهد في: 31/10/2021، في: https://arbne.ws/3C4Hhtg  
  16. وليد عباس، ” الديكتاتورية الرقمية في الصين”، مونتي كارلو الدولية، في: 14/1/2019، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3bmPu13  

الإنجليزية.

  1. 1.          “China schools: ‘Xi Jinping Thought’ introduced into curriculum”, BBC NEWS, 25/8/2021, accessed on: 31/10/2021, at: https://bbc.in/3w1jzfQ  
  2. “Definition and Examples of Literary Terms”, Literary Devices, accessed on: 30/10/2021, at: https://bit.ly/3nKOr0q  
  3. Adrian Shahbaz, “The Rise of Digital Authoritarianism” (Freedom House, 2018), P:2-5.
  4. Ahmed Ibrahim Abushouk, ‘The Arab Spring: A Fourth Wave of Democratization?’, Digest of Middle East Studies, Vol. 25, No. 1 (Spring 2016), P: 61.
  5. Christopher Darby and Sarah Sewall, “America’s Eroding Technological Advantage”, FOREGIN AFFAIRS, 3/2021, accessed on: 29/10/2021, at: https://fam.ag/3nFMbrn   
  6. Hollie McKay, “The technology China uses to ‘audit’ its population”, Fox News, 7/8/2020, accessed on: 30/10/2021, at: https://fxn.ws/3Cy34uh  
  7. Mandira Bagwandeen, “Don’t blame China for the rise of digital authoritarianism in Africa”, LSE, 9/9/2021, accessed on: 29/10/2021, at: https://bit.ly/3bjTxeu         
  8. Nazish Dholakia and Maya Wang, “China’s ‘Big Brother’ App”, Human Rights Watch, 1/5/2019, accessed on: 30/10/2021, at: https://bit.ly/2Y2VJE8  
  9. Patrick Tucker, ” How China’s Digital Silk Road Is Leading Countries Away from the United States”, Defense one, 22/2/2021, accessed on: 31/10/2021, at: https://bit.ly/307DJsP
  10. RONAK GOPALDAS, ‘Digital Dictatorship versus Digital Democracy in Africa’, South African Institute of International Affairs, No. 75 (2019), P: 4.

[1] Mandira Bagwandeen, “Don’t blame China for the rise of digital authoritarianism in Africa”, LSE, 9/9/2021, accessed on: 29/10/2021, at: https://bit.ly/3bjTxeu

[2] عبد الله الردادي، “الأسلوب الصيني في التطور التقني”، الشرق الأوسط، 19/7/2021، شوهد في 29/10/2021، في: https://bit.ly/3wanIyt

[3] Christopher Darby and Sarah Sewall, “America’s Eroding Technological Advantage”, FOREGIN AFFAIRS, 3/2021, accessed on: 29/10/2021, at: https://fam.ag/3nFMbrn

[4] “حروب الابتكار”، الجزيرة، 14/2/2021، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3pQm3g1

[5] GOPALDAS, P:5.

[6]  “Definition and Examples of Literary Terms”, Literary Devices, accessed on: 30/10/2021, at: https://bit.ly/3nKOr0q

[7] سعدون يخلف، “رواية «1984» لجورج أورويل: الأخ الأكبر يراقبكم”، القدس العربي، 22/2/2018، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3mrVnQE

[8] حسين إسماعيل، ” نظام الائتمان الاجتماعي في الصين”، الصين اليوم، في 31/7/2019، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3vZspuK

[9] ” كيف أصبحت الصين تحاسب مواطنيها إلكترونياً”، عربي بوست، 4/5/2020، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/2ZHP9ni

[10] وليد عباس، ” الديكتاتورية الرقمية في الصين”، مونتي كارلو الدولية، في: 14/1/2019، شوهد في: 30/10/2021، في: https://bit.ly/3bmPu13

[11]  Hollie McKay, “The technology China uses to ‘audit’ its population”, Fox News, 7/8/2020, accessed on: 30/10/2021, at: https://fxn.ws/3Cy34uh

[12] Nazish Dholakia and Maya Wang, “China’s ‘Big Brother’ App“, Human Rights Watch, 1/5/2019, accessed on: 30/10/2021, at: https://bit.ly/2Y2VJE8

[13] “الصين تستخدم تطبيقًا لمراقبة مسلمي شينجيانغ”، شير اميركا، 15/8/2019، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bit.ly/3bqt3b0

[14] “رايتس ووتش: الصين تستخدم برمجيات لرصد سلوك المسلمين بتركستان الشرقية”، الاناضول، في: 10/12/2020، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bit.ly/3CxaRsm

[15] فؤاد قباقجي، ” الصين تعتزم إعادة تفسير الكتب والنصوص الدينية في البلاد”، الأناضول، في: 25/12/2019، شوهد في: 1/11/2021، في: https://bit.ly/3bvg8VC

[16] يخلف، في: https://bit.ly/3mrVnQE

[17] “China schools: ‘Xi Jinping Thought’ introduced into curriculum”, BBC NEWS, 25/8/2021, accessed on: 31/10/2021, at: https://bbc.in/3w1jzfQ

[18] “تمجيد الزعيم على الطريقة الصينية”، بي بي سي، 4/10/2018، شوهد في: 31/10/2021، في: https://bbc.in/3weH5q9

[19] Adrian Shahbaz, The Rise of Digital Authoritarianism (Freedom House, 2018), P:2-5.

[20] ” أميركا متخوفة.. الصين تغزو العالم بالتكنولوجيا”، الجزيرة، 3/4/2019، شوهد في 31/10/2021، في: https://bit.ly/30bWGL6

[21] ايلان بريمان، ” “النموذج الصيني” يصل الشرق الأوسط”، الحرة، 17/ 7/ 2019، شوهد في 31/10/2021، في: https://arbne.ws/3F0NGHI

[22] Patrick Tucker, ” How China’s Digital Silk Road Is Leading Countries Away from the United States”, Defense one, 22/2/2021, accessed on: 31/10/2021, at: https://bit.ly/307DJsP

[23] منى فياض، “الصين واستغلال الذكاء الاصطناعي للهيمنة”، الحرة، 3/5/2020، شوهد في: 31/10/2021، في: https://arbne.ws/3C4Hhtg

[24] ” شبكة الجيل الخامس: المجلس الدستوري بفرنسا يصادق على قانون الحد من عمل هواوي الصينية”، فرانس24، 5/2/2021، شوهد في: 1/11/2021، في: https://bit.ly/3D6pPWn

[25] “بريطانيا تحظر هواوي الصينية من شبكات “G5” الخاصة بها”، CNN، 14/7/2020، شوهد في: 1/11/2021، في: https://cnn.it/3kncWjm