ألكسندر نازاروف
خلال الأسابيع القليلة الماضية، سمعنا تصريحات من شبه مسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية حول كيفية رد الغرب إذا استخدمت روسيا أسلحة نووية تكتيكية في أوكرانيا.
من جانبها، فوجئت موسكو، ما الذي يمكن أن يدعو روسيا، بحق السماء، أن تستخدم الأسلحة النووية على أراضيها المستقبلية، خاصة إذا كان الوضع لا يتطلب ذلك؟
الآن، أصبح واضحا أن واشنطن كانت تخطط لأعمال إرهابية واسعة النطاق من شأنها أن تعطي موسكو ذريعة لشن ضربة نووية، حيث تم تفجير خط أنابيب “السيل الشمالي”، والآن عمل إرهابي ضد جسر القرم. من الواضح أن الأنغلوساكسونيين هم من يقفون وراء كلا الحدثين، إلا أن أوكرانيا، وفقا لتصريحات المسؤولين الأوكرانيين كانت منفذ العملية الثانية.
الضرر المادي للجسر أقل بكثير من كونه ضربة لسمعة السلطات الروسية، التي وعدت بحماية الأراضي الروسية بكل الوسائل المتاحة، بينما سمي جسر القرم بخط أحمر.
الآن، كل روسيا تطالب بوتين برد فوري، ومع ذلك، أعتقد أنه على الرغم من التكاليف الواضحة، لن تكون هناك إجابة فورية.
وكنت قد كتبت منذ بضع سنوات، وحددت أهداف الولايات المتحدة الأمريكية للسنوات القادمة، والتي تنبع من حتمية الانهيار الاقتصادي الوشيك، إذا لم تقضي واشنطن عسكريا على روسيا والصين، من خلال:
- ربط أيدي روسيا بشن حرب على حدودها، مع أوكرانيا بشكل أساسي، لتحقيق هزيمتها بشكل نموذجي.
- جر أوروبا إلى صراع مع روسيا من أجل تدمير إمكانية تجارة الصين مع أوروبا عبر أراضي روسيا ثم استبعاد حياد أوروبا في الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، أو على نحو مثالي جذب الاتحاد الأوروبي إلى هذه الحرب أيضا…
- استخدام الحصار البحري، وإسقاط الاقتصاد الصيني، وإحداث ثورة وحرب أهلية في الصين.
وفي الأعوام 2020-2022 أشعلت واشنطن 3 صراعات على الحدود الروسية: الحرب في قرة باغ، ومحاولة الانقلاب في بيلاروس، والاضطرابات في كازاخستان. كانت روسيا قادرة على إخماد هذه الصراعات، وبحلول نهاية فبراير من هذا العام، كان من الواضح أن الهجوم الأوكراني ضد دونباس سيبدأ في الأسابيع المقبلة.
وبعدما أدركت روسيا استحالة تجنب القتال، قرر بوتين البدء بالضربة الأولى، وهو ما أكسبه عدة نقاط في اللعبة.
ومع ذلك، نحن نرى كيف كادت الولايات المتحدة الأمريكية تقترب بالنقطتين الأوليين من تحقيق أهدافها. وفي لعبة الشطرنج هذه، تمتلك الولايات المتحدة خطة، تتمثل فيما يشبه الممر، الذي ستقود إليه واشنطن خصومها من نقطة إلى أخرى، لكي توقع بهم الهزيمة في نهاية المطاف.
بدلا من ذلك، فهو ليس ممرا بقدر ما هو سلم، حيث كل خطوة لأعلى تعني تصعيدا، أو لعبة كمبيوتر يؤدي فيها الانتقال إلى المستوى التالي إلى تعقيد المهمة.
وكل استفزاز ضد روسيا يجب أن يقودها إلى الانتقال إلى المستوى الأعلى، حيث سيرد الغرب بقوة أكبر.
وسيحدث ذلك على نحو تدريجي، حتى لا تكون لدى القيادة الروسية رغبة في شن ضربة نووية على الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها في نفس الوقت ستتم بإصرار. فبوتين، كما هو الحال الآن مع حادث الجسر، لن يكون أمامه خيار سوى التصعيد. يمكنه المناورة مرة واحدة بشأن “السيل الشمالي”، مرة أخرى بشأن “الجسر”، ولكن إذا لم يرد للمرة الثالثة أو الخامسة، فقد يخرج الناس إلى الشوارع، أو قد يحدث ما لا يسر من الأمور.
ولكن، ماذا يحدث عندما تنتقل إلى المستوى التالي؟
نحن بصدد شحنات من الدبابات الغربية الحديثة والصواريخ والطائرات، وقصف المدن الروسية الكبرى، والهجمات الإرهابية ضد البنى التحتية الروسية، وإغلاق الإنترنت ونظام التشغيل “ويندوز” Windows، وتعطيل جميع الحواسيب الآلية ونظم “أندرويد” Android و”آبل” Apple لتشغيل الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية، بل ومن الممكن تدبير هجمات إرهابية ضد محطات الطاقة النووية الروسية وانفجار قنبلة نووية “قذرة” في موسكو.
أي أنها ستكون أحداثا لن يكون أمام بوتين إلا الرد عليها. في الوقت نفسه، لا جدوى من الرد على أوكرانيا، حيث بإمكان واشنطن أن تقبل تحويل أوكرانيا بسهولة إلى صحراء نووية، وتستبدلها ببولندا ورومانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم في جولة التصعيد التالية.
يجب الرد على واشنطن مباشرة، وهو ما يعني على الأرجح إبادة نووية متبادلة. تعتقد النخب الأمريكية أن بوتين لن يجرؤ على فعل ذلك. واعتقادا منها بأن بوتين لن يرد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقوده على طول ذلك الممر، الذي ستتحقق فيه إحدى النقاط: زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي لروسيا، أو نضوب مواردها، وتحقق الهزيمة العسكرية في مواجهة مع كل أعضاء “الناتو”.
حسنا، ستقولون إن الوضع ميؤوس منه؟ أقول لكم: على العكس من ذلك، وتقديري أن احتمال فوز روسيا يبلغ نحو 70%، أما الـ 30% الباقية فهي للتدمير النووي المتبادل، واحتمال خسارة روسيا بفوز الغرب هو 0%.
الحقيقة هي أن الغرب قد دخل بالفعل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، ولا يقف فحسب على حافة الهاوية، بل إنه يتهاوى بالفعل إلى أسفل سافلين. فالمشكلات الاقتصادية التي تواجه الغرب تتحول من الكم إلى النوع في الوقت الراهن. ارتفاع التضخم، بداية أزمة العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية، بداية انهيار النظام المصرفي الأوروبي، بداية انهيار هرم الديون العالمية، بداية أزمة الطاقة في أوروبا. كل ذلك فعليا انهيار، كل ما هنالك أن الناس يعتقدون أن 5 سنوات للعملية التاريخية ليست لحظة واحدة، ولكنها فترة طويلة.
على روسيا أن تكون قادرة على الصمود لمدة عامين، وربما عام واحد للانتصار.
وأعتقد أن بوتين يفهم كل ذلك، ويفهم أنه من الضروري اللعب على الوقت.
في الوقت نفسه، من المستحيل عدم الرد، لأنه قد يدفع بسرعة إلى زعزعة استقرار الوضع الداخلي.
أود أن أذكركم بالوضع في سوريا، عندما بدأت واشنطن، بمساعدة استفزازات الأسلحة الكيماوية التي نظمتها الخوذ البيضاء، في حشد تحالف للتدخل في سوريا. وفي ذروة الاتهامات ضد روسيا، لم يستسلم بوتين للضغوط. ومع ذلك، وبعد شهر واحد، أعلن بشكل غير متوقع انسحاب القوات الروسية، ما أدى إلى تحييد استعدادات الغرب. لكن، ومع ذلك، بقيت القوات الروسية في سوريا.
فأحد المبادئ الأساسية لبوتين، هو أن يظل أعداؤه غير قادرين على التنبؤ. وهو لا يرد أبدا على الاستفزازات في الوقت وبالكيفية التي يتوقعها الأعداء. ولا أذكر واقعة واحدة قام بها بوتين بخطوة تحت تأثير أي ضغوط. والرد الآن هو بمثابة إعلان عن المضي قدما عبر الممر الذي أعدته الولايات المتحدة الأمريكية، عندها ستسرع أمريكا هذه الحركة.
أظن أنه سيكون هناك رد. لكنه لن يكون الآن، لكن قريبا نسبيا، لأنه قريبا ستكون هناك استفزازات أخرى، ولم يعد الناس يفهمون ضبط النفس من جانب بوتين. في الظروف الراهنة، من الصعب تحقيق مفاجأة كاملة، لكني أعتقد أن الإجابة ستكون غير متوقعة قدر الإمكان.
آمل أن تكون الإجابة متعلقة بالاقتصاد، لأن هناك الكثير من الأشياء التي كان ينبغي القيام بها منذ فترة طويلة، وهذه المنطقة هي الأقل احتمالية لتكون بمثابة ذريعة للمواجهة العسكرية.
قد أكون مخطئا، لكن تلك هي وجهة نظري.