العميد صلاح الدين أبوبكر الزيداني
تجتذب الألعاب الحربية مئات الملايين من اللاعبين في شتى أنحاء العالم، وهذا النوع من الألعاب مستوحى من التكنولوجيا العسكرية الحقيقية، حيث يذهب مطورو الألعاب الحربية التكتيكية إلى أبعد الحدود لضمان أن تكون منتجاتهم انعكاسا دقيقا لأحدث التقنيات والتكتيكات التي يتم استخدامها في ساحات القتال قدر الإمكان.
لعبة آرما – 3 التي أنتجها الاستوديو التشيكي “بوهيميا للتفاعل” حيث ظهرت العديد من المقاطع المصورة لبعض الفقرات من اللعبة وكأنها جزء حقيقي من العمليات القتالية الجارية خلال أحداث الحرب الروسية الأوكرانية , أصبحت وجه آخر للحرب الروسية الأوكرانية لكنه وجه مضلل حمل الكثير من الأحداث الغير الحقيقية , حيث إنتشرت مؤخراً مقاطع منها تظهر اشتباكات بين جنود وسط مدن تحترق، طائرات حربية تلقي بالقنابل ، طائرات بدون طيار تفجر دبابات , صور تبدو وكأنها تنبض بالحياة، ولكنها في الواقع مقتطفة من اللعبة ذاتها لتغذي بشكل واضح تدفق المعلومات المضللة.
يبدو أن لعبة آرما – 3 ساهمت بشكل أو بآخر في التضليل الإعلامي الذي مارسته فعليا في الآونة الأخيرة بعض القنوات التلفزيونية وبعض صفحات مواقع التواصل الإجتماعي إعتماداً على عرض مقاطع مصورة منها على أساس أنها مشاهد مصورة من الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة حالياً , لعبة آرما – 3 التي أنتجها الاستوديو التشيكي “بوهيميا للتفاعل” حيث ظهرت العديد من المقاطع المصورة لبعض الفقرات من اللعبة وكأنها جزء حقيقي من العمليات القتالية الجارية خلال أحداث الحرب الروسية الأوكرانية بل وصل الأمر إلى استخدام مقاطع من اللعبة، مع بوستات “مباشر” أو “أخبار عاجلة” على شاشات القنوات لجعلها تبدو أكثر واقعية، وهي في الواقع مقاطع فيديو مزيفة تدعي القنوات أنها التقطت أثناء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وحول هذا الأمر أكدت كلير واردل، المديرة المشاركة لمختبر المعلومات المستقبلي في جامعة براون، لوكالة فرانس برس قائلة “أصبحت السهولة التي يتم خلالها خداع الجمهور المتلقي، وأحيانًا حتى المذيعين التلفزيونيين، مصدر قلق للباحثين , وهذا “تذكير بمدى سهولة خداع الناس”, وأوضحت واردل: “مع تحسين صور ألعاب الفيديو، قد تبدو الصور التي يتم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر حقيقية للوهلة الأولى”.
ولذلك نحتاج إلى تعريف الناس بكيفية التحقق من صحة هذه الصور، وخاصة كيفية الاطلاع على البيانات الوصفية بحيث يمكن تجنب هذه الأخطاء، وخاصة من قبل وسائل الإعلام”.
تسمح لعبة “آرما 3″، التي أنشأها الاستوديو التشيكي “بوهيميا للتفاعل” للاعبين بإنشاء سيناريوهات معركة مختلفة باستخدام طائرات ودبابات وأسلحة مختلفة , ويمكن للعديد من اللاعبين بعد ذلك مشاركة مقاطع فيديو لمغامراتهم عبر الإنترنت، والتي يتم أحيانًا قرصنتها.
وأسفل صور “آرما 3” بعنوان “هجوم أوكرانيا المضاد”، على سبيل المثال، علق أحد مستخدمي الإنترنت المضللين، “بعد هذه الحرب، نحتاج لمطالبة أوكرانيا بتدريب قوات الناتو”.
يقول أحد ممثلي استوديو بوهيميا في بيان: “في حين أنه من الممتع أن تحاكي آرما 3 الصراعات الحديثة بشكل واقعي للغاية، إلا أننا غير سعداء، فمن الممكن الخلط بين لقطات اللعبة ولقطات قتالية حقيقية وقد يستخدم البعض الأمر كدعاية للحرب” كما أننا “نسعى لمكافحة هذا المحتوى عبر الإبلاغ عنه للمنصات، ولكن هذا ليس فعالًا على الإطلاق. فمقابل كل مقطع فيديو غير منشور، يتم تحميل 10 مقاطع فيديو أخرى يوميا”.
إستخدام اصدارات لعبة آرما3 الحربية إعلامياً لم يقتصر فقط على حرب اوكرانيا فقد تبين أنها أستخدمت خلال السنوات الأخيرة للتوضيح الكاذب بوجهة نظر أحادية للصراعات في سوريا وأفغانستان وفلسطين، وهي أخبار مزيفة يتم استنكارها بانتظام من قبل وسائل الإعلام حينما تتأكد من الحقائق.
فقد كشفت وكالة فرانس برس عن عدد من مقاطع الفيديو هذه، بما في ذلك فيديو نشر خلال شهر نوفمبر 2022 يُظهر دبابات روسية تتعرض لقصف بصواريخ جافلين وتبين أن المقاطع شوهدت عشرات الآلاف من المرات .
ووفقًا لمصدر عن ـشركة “بوهيميا للتفاعل”، شهدت عمليات قرصنة الفيديوهات هذه انتعاشًا مع غزو أوكرانيا، والتي يطلق عليها أحيانًا “حرب تيك توك الأولى” بسبب العديد من الصور التي وظفت على وسائل التواصل الاجتماعي للتضليل الإعلامي الذي قد يكون انتشر بين الهواة واللاعبين كنوع من الترفيه وقد يكون مقاطع تم تمريرها قصداً لإستحدامها في الحرب نفسية.
كما تم خداع بعض وسائل الإعلام في نوفمبر 2022 فقد بثت القناة الرومانية “رومانيا تي في” مقطع فيديو قديم للعبة “آرما 3” يزعم أنه يُظهر القتال في أوكرانيا، وعلق كل من وزير دفاع سابق ورئيس سابق للمخابرات على الصور كما لو كانت حقيقية , وخلال فبراير الماضي ومع بدء الحرب الروسية بثت قناة “أنتينا 3 “، الرومانية عن طريق الخطأ فيديو قديم لـ “آرما 3” ودعت المتحدث باسم وزارة الدفاع لتحليله.
على وسائل التواصل الاجتماعي، تختلف أسباب مشاركة هذه المقاطع المزيفة، وقد أوضح نيك ووترز من موقع التحقيق الرقمي بيلنغكات لوكالة فرانس برس “أشك في أن الأشخاص الذين ينشرون هذا المحتوى هم مجرد متصيدون يريدون معرفة عدد الأشخاص الذين يمكنهم خداعهم”, وأولئك، الذين يقومون بإعادة نشر هذه المنشورات هم حسب قوله “أناس ساذجون” يحاولون الحصول على رؤية أو مشتركين على الإنترنت.
يقول الباحثون إنه بالنظر إلى الطبيعة غير المتطورة للمعلومات المضللة والقائمة على مقاطع من “آرما 3″، فمن غير المرجح أن تأتي من جهات فاعلة تابعة للدولة.
بالنسبة لهم، يعتبر التحقق من المقاطع أسهل بكثير من التحقق من “التزييف العميق”، والذي يتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور مربكة للواقعية، يتم استخدامها بشكل متزايد في عالم الجريمة الإجرامي.
ويضيف ووترز من موقع التحقيق الرقمي بيلنغكات لوكالة فرانس برس: “إذا كنت تعرف ما يمكن توقعه، فإن مقاطع الفيديو آرما 3 هذه في الواقع ليس من الصعب تحديدها على أنها مزيفة”، مضيفا: “لسوء الحظ، كثير من الناس لا يملكون مهارات لرصد التضليل الإعلامي”.
أصبخت العلاقة بين الجيوش والألعاب الإلكترونية تبادلية حيث يستفيد مطورو هذه الألعاب من الخطط والتكتيكات العسكرية الفعلية في تطوير ألعابهم، وتستفيد الجيوش من التقنيات المتطورة التي وصلت إليها هذه الألعاب في وضع ورسم وتنفيذ خططهم الحربية على أرض الميدان.
قبل سنوات، كان القادة العسكريون يخططون، ويعدون، ويختبرون خططهم العسكرية على خرائط ومناضد رمل ومجسمات لميدان المعركة ، أما اليوم تتيح لهم التكنولوجيا المتطورة التغيير والتبديل في خططهم بما يضمن تحقيق النصر على عدوهم من خلال لعبة فيديو يضعون فيها تكتيكاتهم وتوقعاتهم لسير المعركة، وهذا الأمر يعطي ميزة كبيرة قياساً بما كان يفعله نظراؤهم التاريخيون، ولكن بطريقة أكثر تقدما وتطورا.
ويوضح جوي روبنسون من شركة “إيمبوبابل” (Impobable) للتكنولوجيا في تصريحات له لشبكة “بي بي سي” أن تقنية ألعاب الفيديو أصبحت قوية ومفيدة بشكل لا يصدق” وهي تمنح القدرة للجنرالات على إعادة إنشاء كل تعقيدات العالم الحقيقي في العالم الافتراضي”.
ويسمح برنامج خاص طورته شركة “إيمبوبابل” تحت نفس الاسم بإعادة إنشاء سيناريوهات الحرب الواقعية افتراضيا، واستكشافها من زاوية نظر علوية مراقبة لساحة المعركة مثل “عين الطائر” التي تراقب كل شيء كما هو الحال في الألعاب الإستراتيجية مثل لعبة “كومبني أوف هيروز” (Company of Heroes) أو من منظور الشخص المشارك في المعركة، كما هو الحال في لعبة “كاونتر سترايك” (Counter Strike).
وفي هذا البرنامج يتم حساب تأثير الهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة التي تأتي من العدو وصولا إلى التركيبة السكانية والبنية التحتية للبلد الذي تجري المعركة على أراضيه، حيث يتم إدخال جميع الجوانب التي لا تعد ولا تحصى، التي من الممكن أن تؤثر على الحرب الحديثة، إلى البرنامج الذي يقوم بتحليل كل هذه المعلومات واستخلاص النتائج منها وتزويدها للجنرالات والقادة الذين يديرون الحرب فعلا “إن هذا أكثر بكثير من مجرد تحريك نماذج خشبية على خارطة قديمة كما كان يحدث في السابق”.
ويوضح روبنسون “يمكن أن تأتي التهديدات من أي مكان اليوم، ومن الصعب للغاية فهم كيفية تطورها وتأثيرها على ساحة المعركة، كما أنه من الصعب جدا البدء في التخطيط للتعامل مع هذه المشاكل والتدرب على تجاوزها”.
لابد أن ندرك بأن التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده عالمنا اليوم يقارب الخيال بحيث يغدو واقعا آخر في عالم افتراضي بأمكانات تقنية عالية تسابق الزمن في سباق محموم لجعل الخيال يتداخل مع الواقع ونحن بالفعل نقترب من ذلك اذ اصبحت الحرب اليوم مجرد لعبة دامية يتنافس فيها اللاعبون على الحواسيب والأجهزة الإلكترونية مع المقاتلين على الأرض في صراع لا رحمة فيه بين الواقع والخيال.