لما فاروق
فرضت الصّين نفسها, في السنوات الماضية, كقوة عسكريّة واقتصاديّة وتكنولوجيّة. ممّا خلق قلقًا أمريكيًّا على مستقبل النّظام العالمي أحاديّ القطب. لا شكّ أنّ الولايات المتحدة قلقة من تغيير هذا الشكل إلى نظام عالمي ثنائيّ القطبين أو متعدّد الأقطاب تكون فيه الصّين وروسيا في مواجهة أمام القوّة الأمريكية.
وعليه، وجرّاء هذا القلق الدولي المتزايد، وهذه المنافسة الدّوليّة الشّرسة، عمدت الدّول الكبرى إلى السّباق نحو التّسلح النّووي كقوة ردع حقيقيّة.
كانت الولايات المتّحدة السباقة في تطوير الطّائرات القتاليّة الشبحيّة، فأنتجت أوّل طائرة قتاليّة شبحيّة في العالم في نهاية الثّمانينيات وهي مقاتلة “إف- 117”.
ولكن، مع السّباق إلى التّسلح وصعود القطبين الصيني والروسي، توالت الصّناعات الدّفاعيّة الأمريكيّة والصينية والروسية في منافسة حادّة بينها لتنشئ الولايات المتحدة ما يُعرف بالثّالوث النووي، وكذلك فعلت كلٌّ من روسيا والصين، فامتلكت هذه الدّول الصّواريخ البالستية النّوويّة التي تُطلَق من الصّوامع، والرّؤوس الحربية النوويّة التي تُطلَق من الغواصات، وأخيرًا القاذفات النّووية التي تُطلَق من الطّائرات.
تمتلك الصّين اليوم ما يقارب الـ 118 قاذفة نووية، وهي تعمل على امتلاك 1500 سلاح نووي بحلول العام 2035، بينما تمتلك روسيا 195 قاذفة نووية، أمّا الولايات المتّحدة الأمريكيّة فتمتلك 171 قاذفة نووية.
في هذا الصّدد، وفي موضوع التّسلّح النّووي كقوة ردع، كشفت الولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأوّل 2022، في مدينة كاليفورنيا، وفي حفل حضره كبار المسؤولين وكبار الخبراء العسكريّين عن مقاتلة “بي 21 رايدر”، أحدث قاذفة شبحيّة نوويّة أمريكيّة. والجدير بالذّكر، أنه سبق لمساعد وزير القوّة الجوية للاقتناء والتّكنولوجيا واللّوجستيات، ميل أندرو هانتر، أنْ كشف عن معلومات عنها سابقًا في مؤتمر الطّيران والفضاء والسيبر عام 2022، ومنذ ذلك الحين والعالم في حالة ترقّب حولها.
تمّ تصنيع قاذفة “بي 21 رايدر” نتيجةَ المخاوف الأمريكية المتزايدة بشأن صراع مستقبليٍّ محتمل مع الصّين، وكقوّة ردع ضروريّة أمام التّرسانة النووية الصينية المتنامية. وهنا تجدر الإشارة إلى كلمة مدير المفاهيم المستقبلية وتقنيات القدرات في معهد ميتشل لدراسات الفضاء، مارك جونزينغر، حين صرّح بأنّ الكلمة اللافتة التي تردّدت خلال العرض التقديمي لطائرة “بي 21 رايدر” كانت “الرّدع”.
كما صرّح المحلّل الدفاعي في معهد الدراسات metrea stratetgic insights، تود هنري، أنّ الكشف عن طائرة “بي 21 رايدر” يمثّل قرار الولايات المتحدّة بإظهار قوتها المتفوّقة من دون الكشف عن الكثير عنها ما قد يساعد في ردع روسيا والصين عن القيام بأشياء قد تدفع إلى الحرب. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في الكشف عن الكثير منها كي لا تجعل من السهل على الخصوم تطوير الخطط والتقنيات لمواجهة قدراتها.
تُعتَبر قاذفة “بي 21 رايدر” النّووية هي خلاصة 50 عامًا من التّطوّر التكنولوجي لا سيّما تكنولوجيا التخفي، هي حصيلة جهود سرية امتدّت لسنوات طويلة.
تمّ تصنيع قاذفة “بي 21 رايدر” النووية الثقيلة الشبحية من قِبل شركة “نورثروب غرومان”. وهي أول قاذفة استراتيجية منذ أكثر من ثلاثة عقود كما صرّح وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن. وأضاف: “هذه ليست مجرّد طائرة أخرى.. إنّها تجسيد لتصميم أميركا للدّفاع عن الدولة التي نحبّها جميعًا”.
بلغت قيمة الصّفقة ما بين القوّات الجوية الأمريكية وبين شركة “نورثروب غرومان” 203 مليار دولار لتطوير وتشغيل وشراء 100 طائرة على مدار 30 عامًا، وذلك وفقًا للتقديرات التي قدّمتها القوّات الجوية الأمريكية، هذا وقد أكّد متحدّث باسم شركة “نورثروب غرومان” بأنّ القوات الجوية الأمريكية قرّرت شراء ما لا يقلّ عن 100 طائرة من طراز “بي 21 رايدر”.
وصرّحت الشّركة أن “رايدر” ستكون “العمود الفقري لقوى القاذفات الأمريكية المستقبلية”، وأضافت أنّه من المتوقع أن تحلق للمرة الأولى عام 2023.
“بي 21 رايدر” القاذفة النّووية الشبحيّة الخارقة.. أهم مواصفاتها
باستطاعة قاذفة الصّواريخ النّووية الشّبحيّة الأحدث “بي 21 رايدر” حمل صواريخ نووية، وأسلحة تقليدية، فضلاً على أسلحة لم يتمّ اختراعها بعد تحت مسمى “التّكيّف المستقبلي” الذي تتحلّى به القاذفة، وتبلغ حمولتها الصافية حوالي 10 أطنان.
لا تستهلك قاذفة “بي 21 رايدر” الكثير من الوقود. كم أنّها صُمِّمت لتحلّق بطاقم ومن دون طاقم، أي أنّها قد تكون مأهولة أو غير مأهولة، وبسرعة أدنى من سرعة الصّوت، فهي تعتمد على قدرات التّخفي العالية لاختراق دفاعات العدوّ وليس على السّرعة أو المناورات الصّعبة.
من حيث الشّكل، ستمتلك القاذفة النّوويّة “جناح الطائر” المشابه لجناح قاذفة “بي 2“. كما لم تعتمد الشّركة في تصميم طائرتها على اللونين الأسود والرمادي كمعظم طلاءات القاذفات الشبحية، بل اعتمدت على الطّلاء الأبيض. وحول هذا الأمر قال وزير الدفاع في الحفل: “إن التّغييرات الأخرى تشمل المواد المتقدّمة المستخدمة في الطّلاء لجعل اكتشاف القاذفة أمرًا صعبًا”.
من جهة أخرى، تحتوي القاذفة على أحدث ما توصلت إليه التّكنولوجيا الدّفاعيّة، فتستخدم ما يعرف بالبرمجيّات الرشيقة، وتقنيّات التّصنيع المتقدمة.
وقد وصفت شركة “نوثروب غرومان” القاذفة النّووية الجديدة بأنّها “قاذفة عن اختراق عميق، وقصف استخباراتي، واستطلاع (isr)، ومنصّة هجوم إلكترونية”. كما تمّ وصفها بأنّها طائرة من الجيل السادس الذي من المرجح أن يعتمد على الذكاء الاصطناعي من خلال المنصّات الرقميّة المتطوّرة ذات القدرة على التّواصل ودمج البيانات.
تستطيع قاذفة “بي 21 رايدر” النّوويّة الشّبحيّة القيام بأكثر من مَهمّة في آنٍ معًا، كالحصول على المعلومات من ساحة المعركة وإرسالها إلى القوّات الصّديقة إلى جانب القصف بالصّواريخ والقنابل في الوقت عينه.
