العقيد الركن م. ظافر مراد – باحث في العلاقات الدولية والنزاعات والجيوبوليتيك
خطت دول الخليج العربي، لا سيما منها السعودية والإمارت وقطر، خطوات جدِّية ومتقدمة في الصناعات الدفاعية على مستوى المنطقة، وكان لهذه الانطلاقة أسبابها الموجبة والتي تمَّت بإرادة قادة البلاد الحريصين على أمن وسلامة منطقة الخليج أمام العديد من المخاطر والتحدِّيات الماثلة، والتي بدأت تبرز بوضوح من خلال جملة من الأحداث التي تعصف بالمنطقة وبالعالم.
لقد قامت دول الخليج ببعض المحاولات لتطوير صناعاتها الدفاعية في وقت مبكر من الستينيات، إلا أن هذه الجهود لم تبدأ بشكلٍ جدي حتى أوائل القرن الحادي والعشرين. في تلك المرحلة، خصصت الحكومات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر الموارد اللازمة، وتم وضع بعض الخطط من أجل التخلص من الاعتماد شبه الكامل على الأسلحة والإمدادات العسكرية الأجنبية والذي كان يقارب الـ 99% حتى أواخر عام 2006.
لقد كان لهذه الاندفاعة القوية موجبات تمثَّلت بما يلي:
قاد عملية تطوير الصناعات الدفاعية أشخاص هامون وقادرون وثقة. وبينما تسعى الحكومات في الرياض وأبو ظبي والدوحة بشكلٍ مكثَّف إلى الاستثمار الخاص والأجنبي، فقد تم توفير التمويل لتطوير أسلحة جديدة مع شركاء أجانب. وتم تشكيل عدد من الشركات المختصة بالشؤون الدفاعية، وتم إنشاء تكتلات لدمج وتبسيط العمليات التجارية، وكل ما يتعلق بسبل التعاون والشراكات مع الخارج.
أطلقت الإمارات العربية المتحدة في العام 2014، شركة الإمارات للصناعات الدفاعية “EDIC” مع إحدى عشرة شركة فرعية نمت لاحقًا إلى ست عشرة، وهي تشمل كلاً من الخدمات الدفاعية وتصنيع الأسلحة النارية والذخائر وبعض قطع الطيران. وفي العام 2019 أعلن الشيخ محمد بن زايد، عن تشكيل تكتل أكبر حجماً وأكثر شمولاً للدفاع والتكنولوجيا مملوك من قِبل الحكومة وهو”EDGE” والذي ضم “EDIC”، هذا وقد تمّ دمج 25 شركة تابعة، وتوظيف أكثر من 12000 فرد.
افتتحت المملكة العربية السعودية في العام 2017، شركتها القابضة المملوكة من قبل الدولة، وهي الشركة السعودية للصناعات العسكرية “SAMI”، وفي غضون عامين، وقَّعت أكثر من 25 اتفاقية مع شركاء أجانب للحصول على تقنيات بديلة تسمح للسعودية بأن يكون لديها خطط لتطوير المنتجات الصناعية العسكرية. بعد ثلاثة أشهر من تأسيس تلك الشركة، أنشأ مجلس الوزراء السعودي الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) وهي، وفقًا لصفحتها الرئيسية، “المنظم والممكّن والمرخص” للصناعة العسكرية في المملكة والمكلفة ببناء قطاع الدفاع المحلي.
لم تتأخر دولة قطر عن اللحاق بجارتيها في خوض غمار الصناعات الدفاعية بخطواتٍ جريئة، فقد أعلنت في آذار من العام 2018 عن تأسيس شركة “برزان” القابضة وهي شركة متخصصة في مجالات الدفاع والأمن لتعزيز القدرات العسكرية للقوات المسلحة القطرية، وعقدت هذه الشركة منذ بداية تأسيسها العديد من الاتفاقيات والشراكات مع عدة شركات أجنبية تهتم بشؤون الدفاع والأمن، وكان أبرزها عملاق الدفاع التركي “أسيلسان”، وشركة “راينميتال” الألمانية، و”نيكستر” الفرنسية، إضافة إلى برنامج تعاون مع الولايات المتحدة لمساعدتها على تطوير طائرة مراقبة جوية.
تتمثل أبرز أهداف المملكة العربية السعودية في صناعاتها الدفاعية في توسيع قاعدة الصناعات العسكرية المحلية والعمل على توفير شبكة للخدمات والدعم الفني، وتحفيز الاستثمار المباشر والشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية في القطاع، إضافةً إلى نقل التقنيات والمعارف في الصناعة والخدمات والبحث والتطوير، وتأهيل الكوادر البشرية القادرة على العمل في الصناعات المتخصصة. ووضعت المملكة رؤية مستقبلية لصناعاتها الدفاعية تتمكن من خلالها من توطين ما يزيد عن 50% من الإنفاق الحكومي على المعدات والخدمات العسكرية بحلول 2030، بينما تهدف الإمارات العربية المتحدة من خلال برنامجها العملي في هذا المجال، إلى تنمية الصناعات الدفاعية المحلية من 10٪ إلى 30٪ بحلول العام 2030.
وقَّعت المملكة في معرض الدفاع العالمي الذي أقيم في الرياض في آذار 2022، العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية، وتعمل الشركة السعودية للصناعات العسكرية ضمن عدة خطوط جهد، أبرزها أنظمة الطيران والفضاء، الأنظمة الأرضية، أنظمة الإلكترونيات العسكرية المتقدمة والأنظمة الدفاعية. ومن أبرز الاتفاقيات الموقعة هي الشراكة مع شركة “بوينغ” الأميركية لصناعة الطائرات وأنظمة الأمن والفضاء. كما وتعمل المملكة على تنويع الشراكات والتعاون العسكري مع العديد من الدول والشركات العالمية، في سبيل تعزيز وتمكين استقلالية القرار السياسي والأمني.
بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن تطوير صناعة الدفاع المحلية قد أتى بالأرباح وبقصص النجاح والتي كان أبرزها إنتاج ناقلات مدرعة متعددة الأغراض تعمل على التضاريس كافة، ونمو صناعة الإلكترونيات الدفاعية الإماراتية لجهة الإنتاج والتطوير نتيجة الشراكة مع كبرى الشركات الأجنبية. قطعت دولة الإمارات خلال الفترة الماضية مراحل متقدمة في الصناعات الدفاعية ما جعلها من المنافسين الدوليين في هذا المجال، وأصبحت من الدول الرائدة في تنظيم كبرى المعارض الدفاعية والمشاركة بها، لما تملكه من منتجات وطنية ذات جودة عالية في المجال العسكري، مثل الطائرات من دون طيار، والصواريخ، والمركبات القتالية، والبنادق، والمسدسات، والرشاشات محلية الصنع بنسبة 100%.
تحتاج دول الخليج إلى شركاء موثوقين من أجل بناء صناعة دفاعية متطورة ومنافسة، وهناك الكثير من الفرص الرائعة أمام بعض الدول والشركات الرائدة في الصناعات الدفاعية وفي التكنولوجيا العسكرية. لا يتوقف الأمر عند الدول والشركات الغربية، بل إن هذه الفرص الذهبية متاحة أمام الصين والهند وباكستان وروسيا وتركيا ومصر. إن مستقبل الصناعات العسكرية الخليجية هو بلا شك مستقبل واعد ولديه العديد من نقاط القوة، وأبرز نقاط القوة تلك، القدرات المادية الهائلة والإرادة القوية والقيادة الصلبة والرؤية الواضحة لمستقبل هذا القطاع، والذي يستطيع احتواء خبرات وقدرات ومشاريع هامة وطموحة في التصنيع والتطوير للعديد من الأنظمة القتالية الأرضية والجوية والبحرية، وكذلك لمنظومات الدفاع الصاروخية والصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار، ومنظومات القيادة والسيطرة والحرب الإلكترونية.
لن يطول الوقت حتى تصبح دول الخليج، لا سيّما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من أبرز المنافسين الدوليين في تصدير الصناعات العسكرية. إنّ الاستثمار والشراكة مع هذه الدول في مجال الصناعات العسكرية وتطويرها يحمل كثيراً من الفرص والمكاسب. المتوقعة، ونسبة محدودة جداً من المخاطر والتحديات.