أ.د. غادة عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
محاضر أكاديمية ناصر العسكرية للدراسات العليا
كشفت وثيقة صدرت عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأعلنتها الفايننشال تايمز، طموحات بكين للسيطرة على الاتصالات الحيوية لخوض الحروب اللامتماثلة، باستخدام أسلحة الفضاء عن طريق الأقمار الاصطناعية. حيث تهدف الهجمات الإلكترونية الأكثر طموحا في الصين إلى تقليد الإشارات التي تتلقاها الأقمار الاصطناعية المعادية من مشغليها، وخداعها إما للاستيلاء عليها بالكامل، أو تعطيلها، خاصة خلال اللحظات الحاسمة في القتال. وأفادة الوثيقة الأمريكية إن هذه القدرة السيبرانية ستسمح للصين بالسيطرة على القمر الاصطناعي المستهدف، مما يجعله غير فعال لدعم الاتصالات أو الأسلحة أو أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. وهذا يمكن أن يضرب قدرة الأقمار الاصطناعية – التي تميل إلى العمل في مجموعات مترابطة – على التواصل مع بعضها البعض، أو نقل الإشارات والأوامر إلى أنظمة الأسلحة، أو إرسال البيانات الإلكترونية المرئية والمعترضة. وحذر مسؤولون عسكريون أمريكيون من أن الصين أحرزت تقدما كبيرا في تطوير تكنولوجيا الفضاء العسكرية، بما في ذلك الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية. وتقدر الولايات المتحدة أن دفع الصين لتطوير قدرات “حرمان أو استغلال أو اختطاف” الأقمار الاصطناعية المعادية هو جزء أساسي من هدفها للسيطرة على المعلومات، التي تعتبرها بكين “مجالا رئيسيا للقتال الحربي في الحروب الحديثة (الحروب اللامتماثلة)”.
ولتوضيح مدى أهمية الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية في الحرب، يمكن النظر كيف نجح هجوم إلكتروني روسي في جعل الآلاف من أجهزة التوجيه العسكرية الأوكرانية من شركة Viasat (على الرغم من تعقيدها) والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، غير فعالة في الساعات التي سبقت شنها غزوها واسع النطاق في 24 فبراير من العام الماضي، عن طريق اقتحام أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالشركة وإرسال تعليمات إلى أجهزة المودم التي تسببت في تعطلها. لقد وصف مسؤول أوكراني الهجوم في ذلك الوقت بأنه كارثي. كما أوقفت الخدمة لآلاف عملاء Viasat في بولندا وإيطاليا وألمانيا، حيث تضررت عدة مئات من توربينات الرياح التي بدورها أثرت على امدادات الطاقة.
وقال الجنرال “بي تشانس سالتزمان” قائد قوة الفضاء الأمريكية، للكونجرس الشهر الماضي: “إن بكين تسعى بقوة للحصول على قدرات مضادة للفضاء في محاولة لتحقيق حلمها الفضائي في أن تصبح القوة الأولى خارج الغلاف الجوي للأرض بحلول عام 2045. فهي تواصل الاستثمار بقوة في التكنولوجيا التي تهدف إلى تعطيل وإضعاف وتدمير قدراتنا الفضائية”. وأضاف: “إن الجيش الصيني نشر 347 قمرا صناعيا، بما في ذلك 35 قمرا صناعيا أطلقت في الأشهر الستة الماضية، بهدف مراقبة وتتبع واستهداف ومهاجمة القوات الأمريكية في أي صراع مستقبلي”. وقال أيضا: “إن منافسي واشنطن يمكنهم استخدام أشعة الليزر التي تتداخل مع الكاميرات لمنع جمع صور الأقمار الاصطناعية”. كما أشار إلى كيفية اختبار روسيا لصاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية في أواخر عام 2021. وقال سالتزمان: “نحن نرى أقمارا صناعية يمكنها بالفعل الاستيلاء على قمر صناعي آخر، والتعامل معه وسحبه من مداره التشغيلي”. “هذه كلها قدرات يظهرونها في المدار اليوم، وبالتالي فإن مزيج هذه الأسلحة والوتيرة التي تم تطويرها بها مقلقة للغاية”.
تدرك الصين التفوق الذي تتمتع به الولايات المتحدة في مجالات الفضاء والإنترنت، لذا فهي مهتمة جدا ليس فقط بتحسين قدراتها الخاصة، لكنها تعمل على امتلاك جميع القدرات التي تجعلهم قوى عظمة في الفضاء من وجهة نظر دفاعية وهجومية. ويأتي الكشف عن وكالة المخابرات المركزية بعد يوم من تحذير قائد قوة الفضاء الأمريكية من أن البلاد تواجه حقبة جديدة من التهديدات خارج الأرض، من أمثال روسيا، والصين، التي تذهب إلى أبعد من التشويش. وقد علق “سالتزمان” أنه ردا على ذلك، تخطط واشنطن لتكثيف استخدام اللاعبين التجاريين في مجال الفضاء لتضمن تفوقها. وقال “تشارلي مور” وهو جنرال متقاعد في سلاح الجو شغل منصب نائب القيادة الإلكترونية الأمريكية، إن الصين تبذل جهودا ضخمة لمواجهة الميزة غير المتماثلة التي تتمتع بها الولايات المتحدة في المجالات السيبرانية والفضائية. وبعد ظهور هذا التقرير رفض مجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاغون التعليق، وأيضا لم يكن هناك أي تعليق من جانب الحكومة الصينية!
والسؤال الآن بعد الكشف عن هذه الوثيقة، أين منطقتنا من هذا الصراع الشرس الذي طالنا وسوف يطالنا لا محال؟