علي الهاشم – باحث ومختص بمجال الدفاع والطيران والأنظمة الدفاعية
أصبح العالم يعتمد بشكل كبير على شبكة الإنترنت وكذلك على شبكات الكهرباء والمياه. في عصرنا الحالي، يرتبط كل شيء تقريبًا بالإنترنت، حتى المعاملات المالية التي تتم عبر الإنترنت بدلاً من استخدام النقود الورقية. هذا يعني أننا كبشر نصبح عرضة لهجمات قراصنة الإنترنت ووحدات الحرب السيبرانية التابعة للقوات المسلحة في أي دولة تمتلك تلك الوحدات.
مثال جيد على ذلك ما تم تصويره في فيلم الخيال العلمي سلسلة أفلام “المبيد” أو “تيرميناتور”، حيث تمكن الذكاء الاصطناعي من الاستيلاء على السيطرة وشن حرب عالمية عن طريق بث فيروس إلكتروني يعطل كل ما يرتبط بشبكة الإنترنت، وهذا أدى في النهاية إلى انهيار البشرية.
قبل أيام، أبلغ شخص من الولايات المتحدة الأمريكية، مدعيًا معرفته بمعلومات مسربة، أن الولايات المتحدة وربما باقي دول العالم ستتعرض لهجمات من قراصنة سيبرانيين لم يُسمِّهم ولم يكشف عن هوياتهم، وأشار إلى أن تلك الهجمات ستؤدي إلى تعطل التعاملات المالية الرقمية لبطاقات الدفع، وقد يتبعها انقطاع التيار الكهربائي في عدة مدن، ومن الممكن أن تتطور لتشمل دولة بأكملها، وقد يتم محاولة ابتزاز ضخمة من قِبَل تلك القراص.
تخيلوا معي، أن وحدة سيبرانية تابعة لدولة كبرى مثل الولايات المتحدة أو روسيا (كما يحدث الآن في أوكرانيا) أو الصين أو كوريا الشمالية وحتى النظام الإيراني وبريطانيا قد قامت بشن تلك الهجمات على بعضها البعض، مما يؤدي إلى تعطيل أنظمة كاملة مثل نظام أبراج المراقبة الجوية أو محطات توليد الكهرباء أو المفاعلات النووية، وهذا قد يتسبب في دمار هائل وتعطيل شامل بالإضافة إلى كوارث لا يحمد عقباها. يمكن لكل شيء تقريبًا أن يتعطل في ظل وجود مثل هذه القدرات، التي قد لا تكون مقتصرة فقط على وحدات الحرب السيبرانية في الجيوش الكبرى، بل حتى لجماعات متطرفة.
تخيلوا معي تعطل التيار الكهربائي إلى جانب نظام تقطير المياه وأبراج المراقبة الجوية وحتى شبكة الهواتف والإنترنت الخلوية، فسيحدث فوضى عارمة في الدولة التي تتعرض لهجوم مرعب كهذا.
يوضح لنا ريتشارد أي. كلارك وروبرت كيه. نيك في كتابهما الشهير “الحرب السيبرانية – التهديد التالي للأمن القومي وكيفية التعامل معه” خطر هذا النوع من الهجمات ومدى سهولة تجاوزها للحماية المفترضة لمنع تلك الهجمات. في أحد التدريبات، تمكن فريق كان يشرف عليه أحد مؤلفي الكتاب من الولوج إلى معلومات في حاسوب وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وكشفها، مما أثار ذهول رئيس هيئة الأركان في القوات المسلحة الأمريكية في عام 1997.
وفي عام 1998، تمكن مراهق إسرائيلي، بالإضافة إلى شابين من أمريكا، من الولوج إلى معلومات سرية تتعلق بالعراق في حاسوب البنتاغون، وتم الكشف عنهم فيما بعد.
أما الهجوم الذي وقع في عام 1999، فكان أخطر من الحوادث السابقة بأضعاف، حيث وجد المسؤول عن الحماية السيبرانية في قاعدة جوية أمريكية نفسه عاجزًا عن وقف تسريب هائل لمعلومات حول أسلحة نووية تكتيكية، ولم يتم تحديد مصدر تلك التسريبات بشكل مؤكد، لكن بعد فترة وجيزة، رجحت الأوساط في مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أنها من روسيا، دون وجود أي دليل قوي. وفجأة، توقفت التسريبات بعد ذلك، لكن يُشتبه أنها ما زالت تحدث سرًا، حيث يتم التسريب دون أن تُكتشفه الوحدات في القاعدة.
منذ تلك الحوادث، زادت خطورة التهديد السيبراني، ومن الممكن أن يتسبب في كوارث أكثر تدميرًا. فماذا لو تمكن أحدهم من اختراق رمز إطلاق أسلحة الدمار الشامل، مثل الصواريخ النووية الحرارية البالستية، وأحدث حربًا عالمية تجلب الدمار والهلاك للعالم بأكمله، مثل الحرب العالمية الثالثة؟!
محليًا، ووفقًا لأحدث تقرير استخباري من الموساد الإسرائيلي، كشف أن إيران أنشأت وحدة للحرب السيبرانية قادرة على تعطيل أبراج المراقبة وأجهزة الرادار، بالإضافة إلى محطات توليد الكهرباء ومحطات تحلية المياه وأبراج الاتصالات الخلوية في دول الخليج بأكملها.
وتذكر رواية خيالية ولكنها مستندة إلى أسس علمية متينة بعنوان “2034: A Novel of the Next World War” كيف تمكنت وحدة سيبرانية صينية من الاستيلاء على مقاتلة من الجيل الخامس من طراز F-35 وتحكمت فيها بالكامل، دون أن يستطيع الطيار التحكم فيها.
هل تذكركم هذه المشاهد بما حدث لطائرة التجسس RQ-170 المتطورة والمتوارية التابعة للقوات الجوية الأمريكية، عندما تمكنت وحدة إيرانية من السيطرة عليها وإسقاطها والاستيلاء عليها في عام 2011؟ ذكرت التقارير الاستخبارية أن العملية تمت بمساعدة فريق إيراني تابع لوحدة الحرب السيبرانية في حرس الثورة الإيراني وبالتعاون مع مراقبين صينيين.
على الدول جميعها أن تضمن سلامة شعوبها من هذا السيناريو المرعب، ويجب على القوات المسلحة ووحدات الدفاع المدني أن يعملوا على إيجاد بدائل للبنية التحتية عند حدوث انهيار شامل، مثل استخدام أنظمة الهواتف التقليدية المتصلة بالكابلات الأرضية وبث الترددات عبر الراديو لتطمئن المواطنين، بالإضافة إلى استخدام مولدات الطاقة التناظرية (Analog) التي لا تتأثر بأي تشويش وليست متصلة بالإنترنت.
ربما يجب أن نحتفظ ببعض أجهزة العصر القديم للتعامل مع حالات عدم انتظام الأنظمة الرقمية المتقدمة.