اللوبي وفاعليته العسكرية والسياسية 

العميد م. ناجي ملاعب

جماعات التأييد المعروفة باسم جماعات الضغط أو اللوبي -واللوبي “Lobby”  كلمة إنجليزية تعني الرواق أو الردهة الأمامية في فندق – ويعود مصطلح “اللوبي” إلى إنجلترا في القرن الـ18، عندما بدأ الرجال بالتسكع في ردهات مسارح لندن بهدف لقاء الساسة الأقوياء الذين يحضرون لمشاهدة المسرح.

تستخدم تلك الجماعة أشكالًا متنوعة من التأييد للتأثير على الرأي العام ما يودي للتأثير على السياسة، وقد نجح بعضها في أداء دور مهم في عملية تطوير الأنظمة السياسية والاجتماعية وما زالت. وتتباين الجماعات كثيرًا من حيث الحجم والتأثير والدافع؛ فبعضها لديه العديد من الأهداف الاجتماعية الطويلة المدى، والبعض الآخر متخصصة أو نشأت كرد فعل لقضية أو مسألة حالية.

من الناحية العسكرية، يكمن المثال الواضح على تأثير جماعات الضغط، في ما يمارسه لوبي الصناعات العسكرية الأميركية، والذي تتصدره شركات مثل “لوكهيد مارتن” و”بوينغ”، ويعمل على تشجيع مبيعات الأسلحة والمعدّات العسكرية خارجياً بشكل أساسي. وهذا اللوبي يقوم أيضاً بـ”شراء نفوذه” داخل الكونغرس لتوليد أعمال لشركات الصناعات العسكرية. وكانت تقارير حديثة قد كشفت أنّ أكبر خمسة مقاولين للسلاح في الولايات المتحدة استأنفوا تبرعاتهم للديمقراطيين وحتى للجمهوريين الـ 147 الذين صوّتوا ضد التصديق على الانتخابات الأخيرة عام 2020. 

وفي تحليل لمجلة “ديفنس نيوز” لبيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية لدورة انتخابات 2022، أنّ أكبر خمس شركات دفاعية، وهي “لوكهيد مارتن”، و”رايثون تكنولوجيز”، و”بوينغ” و”نورثروب غرومان” و”جينيرال دايناميكس”، ساهمت بما يقرب من 2 مليون دولار للجمهوريين الذين صوتوا ضد التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020. ومع اقتراب موعد انتخابات نصف الولاية، من المرجّح أن يرتفع هذا الرقم بشكل كبير. ولا يوجد قطاع اقتصادي لا يستثمر في الضغط على الحكومة الأميركية، ونعرض من الجدول المنشور على صفحة الجزيرة نت من حيث انفاق تلك الجماعات على الصناعات الدفاعية فقط، خلال 2020 بلغت 103 مليون دولار.

وفي دراسة اجريت في الولايات المتحدة من قبل مركز متخصص، فقد أنفقت شركة لوكيد مارتين Lockheed Martin  للصناعات العسكرية خلال الأعوام الستة التي شملتها الدراسة 89 مليون دولار أمريكي على أنشطة اللوبي حيث قامت باستئجار جهود خبيرا في مجال اللوبي من بينهم 268 موظفا سابقا بالكونغرس والمؤسسات الحكومية الفيدرالية وفي المقابل تمكنت الشركة من الحصول على عقود إنتاج معدات عسكرية بلغت قيمتها 94 بليون دولار خلال الفترة ذاتها.

ومن الناحية السياسية، عدة أشكال تبرز في ممارسة العمل السياسي، وذلك باختلاف هدف المهتمين بها، كل حسب موقعه وتأثيره في المجتمع، وتختلف الأساليب في ذلك؛ إما بالانتخاب أو المؤازرة والتأييد الجماهيري أو غيرها.. وقد عدت الأساليب السياسية التي يمارسها الأفراد حقا سياسيا لهم، كما ورد في المادة (25) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: (أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، (ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين، (ج) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.

لكن إذا كان للأفراد حق ممارسة السياسة، من خلال ابداء الرأي في القضايا العامة، إلا أن تأثير الأفراد يظل تأثيرا محدودا، ولا يرتقي إلى إمكانية حسم المسائل إلا إذا نال حيِّزاً من اهتمامات الأحزاب أوجماعات الضغط وهي الجهات الأكثر قدرة على التأثير وكلما قل نشاط الأحزاب وجدت جماعات الضغط فرصة ودافعا للعمل للقيام بما لم تقم به الأحزاب، والعكس صحيح.

تعنى جماعات الضغط باستخدام الضغط كوسيلة لحمل الحكومات على تلبية مطالبهم

تعنى جماعات الضغط باستخدام الضغط كوسيلة لحمل الحكومات على تلبية مطالبهم، وهنالك أكثر من تعريف لهم منها “كل الجماعات التي تضغط للتأثير على السياسات العامة على الصعيد السياسي” . وبذلك تكون الجماعات الضاغطة هي فقط الجماعات التي تعمل على الساحة السياسية من خارج نطاق الأحزاب والحركات السياسية. وفي تعريف مبسّط هي مجموعة من الناس يتحدون في عدة صفات تجمعهم مصلحة معينة لكنهم لا يهدفون إلى تحقيق أرباح تجارية أو الاستيلاء على السلطة كما هو الحال بالنسبة للشركات التجارية أو الأحزاب السياسية. ويمكن تعريفها بأنها تنشط في سبيل تحقيق أهدافها عن طريق الاتصال بمسؤولي الدولة ومؤسساتها ومحاولة اسماع صوتها مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفى مقدمتها اسلوب الضغط.

أنواع الجماعات الضاغطة

إذا انطلقنا من التصنيف الذي أورده “جابريل ألموند” للجماعات والقوى الضاغطة فنجد أنه صنفها إلى أربعة تصنيفات هي على الشكل التالي :

جماعات المصلحة الترابطية : وهي التي تعبر عن مصالح أعضائها في الأساس وهي النمط الشائع.

جماعات المصلحة غير الترابطية : والتي تكون على أساس جغرافي أو طبقي أو ديني أو لغوي أو فكري.

جماعات المصلحة المؤسسة، وتغلب عليها الطابع الحكومي الرسمي، كالبيروقراطية المدنية والعسكرية، لكن العاملين فيها يصبحون جماعة مصلحة حينما يعمدون للتأثير في صانعي القرار لتحقيق منافع خاصة بهم.

جماعة المصلحة الفوضوية: وهي التي تعول على المظاهرات والإضرابات وأعمال الشغب وليس لها هيكل تنظيمي، ويغلب على نشاطها التلقائية والعنف.

أما إذا تجاوزنا تصنيف “جابريل ألموند” وحاولنا تصنيفها من حيث طبيعتها فسوف نجد أنها تنقسم إلى التصنيفات التالية:

جماعات المصالح السياسية: ولها مصالح سياسية بحتة، ويطلق عليها (اللوبي) كاللوبي الصهيوني.

جماعات المصالح شبه السياسية ولها أهداف سياسية واقتصادية كنقابات العمال واتحادات أصحاب الأعمال.

جماعات المصالح الإنسانية أو الخيرية وهي التي تمارس نشاطات متعلقة بحقوق الإنسان ورعاية الطفولة وجمعيات الرفق بالحيوان. 

جمعيات المصالح المهنية: وهي التي تهتم بالدرجة الأولى بتحقيق أهداف أصحاب المهنة الواحدة.

وباختلاف انواعها يختلف الاسلوب الذي تتبعه جماعات الضغط هذه في التأثير على السلطات ومن بين الاساليب الذي تتبعه نجد: الإقناع، والتهديد، والضغط على السلطات الحكومية.

أنواعها (تصنيفها): هي جماعات المصالح وجماعات الأفكار، وجماعات الضغط الكلي وجماعات الضغط الجزئي.

التصنيف حسب المجالات: جماعات الضغط السياسية (Lobbies). أو جماعات الضغط شبه السياسية. وجماعات الضغط الانسانية. جماعة الضغط ذات الهدف، وجماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول الأجنبية.

الخصائص

من خلال التعريف بهذه الجماعات يتبين لنا ان لها مجموعة من الوظائف التي تتميز بها لممارسة الضغوطات ومن اهمها:

التنظيم: أن حداً أدنى من التنظيم هو أمر ضروري لكي يصح اعتبار مجموعة ما مجموعة ضغط.

–  الدفاع عن أهداف خاصة: ينبغي على المجموعات التي تمارس ضغطا سياسيا أن تفعل ذلك من اجل هدف خاص بها.

 –استقلالية القرار: لكي تكون مجموعة ما مجموعة ضغط يجب أن تتمتع باستقلالية القرار، أي أن لا تكون مجرد أداة في يد منظمة أخرى أو وسيلة خاصة من وسائل عمل هذه المنظمة.

 – ممارسة ضغط سياسي فعلي: تتحرك لتأثير في اتخاذ القرارات، أو لتبديل التوجهات السياسية للسلطة في القضايا التي تهم هذه الجماعات. 

الوسائل

تلجأ جماعات الضغط إلى مختلف الوسائل لممارسة الضغط على السلطة الحاكمة منها بصفة أساسية:

– الاتصال بالحكومة: بقدر ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بقدر ازدياد تدخل جماعات الضغط لديها وممارسة الضغط عليها، ومن أشكال هذا الاتصال:

– اعتماد طريق الصداقات والعلاقات الشخصية، أو الاغراءات المالية والرشوة، أو الحفلات والولائم تكريما للحكام والموظفين الكبار أو انتهاز الفرصة لتقديم الهدايا والخدمات، وكذلك ارسال الرسائل.

ويلاحظ الباحثون، أنه على مرّ العقود السابقة أرسَت البنوك الكبرى وعمالقة الشركات الصيدلانية نفوذها الاقتصادي في واشنطن، لكن وادي السيليكون هزّ المشهد وهيمن عليه، ففي خلال السنوات الـ10 الفائتة أغرقت الشركات التقنية الـ5 الكبرى، “غوغل” و”فيسبوك” و”مايكروسوفت” و”آبل” و”أمازون” واشنطن بأموال اللوبي.

وتعدّ حالياً، شركة “مايكروسوفت” من أكثر الشركات الأميركية التكنولوجية إنفاقاً على جماعات الضغط في البلاد، فقد وصل مجموع إنفاق الشركة حتى عام 2021، 158 مليون دولار. كما أنفقت “أمازون” 123 مليون دولار، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة “أوراكل”. أما شركة “كوالكوم”، فقد بلغ إنفاقها 110 مليون دولار.

هذا وكشف تقرير لـ”واشنطن بوست” مطلع العام الحالي أنّ 7 شركات تقنية كبيرة أنفقت ما يقارب 70 مليون دولار للضغط على الحكومة الأميركية العام الفائت، مشيراً إلى أنّ المبلغ الملحوظ يتجاوز مبلغ 65 مليون دولار، الذي أنفقته في عام 2020.

 الإيجابيات

– لوجود الجماعات الضاغطة أن جماعة المصلحين الذين ينددون بمساوئ جماعات الضغط هم أنفسهم في حاجة الى ان ينظموا في جماعات كي يمكنهم التغلب على هذه المساوئ.

– نمو الجهاز الحكومي وازدياد عدد موظفيه يهدد بالقضاء على حريات الافراد، مالم ينظم هؤلاء الافراد في جماعات قوية تستطيع ان تكون ندا لهذا الجهاز عند الضرورة، وان تحمي حرياتهم من استفحال نموه. 

– تقوم جماعات الضغط بالتأثير في الحكومة طوال الفترات بين الانتخابات العامة، بينما يكون الفرد في هذه الفترات عاجزا عن احداث اي تأثير يقابله.

.. والسلبيات

– تبنى أهداف تلك الجماعات على اساس تحقيق مصالح فئوية، مما يتعارض والمصلحة العامة. وقد يحدث ان تحقق جماعات الضغط اهدافها على حساب فئة او فئات اخرى من الشعب وإن كانت أكثر منها عدداً.

– غالباً ما تفرض على اعضائها الولاء لها، وهذا ينافي مع ولاء العضو للجماعة الكبرى وهي الدولة.

– تتبع معظم جماعات الضغط اساليب ملتوية في سبيل تحقيق اغراضها.

ينفق المسؤولون التنفيذيون في مجال النفط في الولايات المتحة الأميركية، على سبيل المثال،  ملايين الدولارات سنوياً من أجل التأثير على صنّاع القرار بهدف وضع أرباحهم فوق كل الاعتبارات الأخرى. وتسيطر شركات “إكسون موبيل”، و”شيفرون تكساسو”، و”هاليبرتون” للطاقة، و”أنوكال” للنفط على هذا اللوبي. وأنفقت صناعة النفط والغاز واتحاداتها التجارية 55.6 مليون دولار لتشكيل مجموعة ضغط خلال الأشهر الأخيرة.

وفي عام 2020، تجاوز هذا الإنفاق أكثر من 112 مليون دولار، إذ يتم صرف الكثير من هذه الأموال لدعم السياسيين الذين يدافعون عن صناعة النفط، حتى عندما يكون ذلك ضد مصالح ناخبيهم، وضد البيئة بطبيعة الحال.

ووجدت بيانات تمويل الحملات الانتخابية التي تم تحليلها من قبل “Public Citizen” أنّ أعضاء الكونغرس الـ29 الذين أصدروا سابقاً بيانات منددة ومعارضة لأحد القرارات التي اتخذتها إدارة بايدن للمحافظة على البيئة، كانوا قد تلقوا 13.4 مليون دولار خلال مسيرتهم المهنية من شركات النفط والغاز.

هذه العلاقة بين لوبي النفط والمشرعين الأميركيين أوضحتها دراسة أميركية، وجدت أنّه كلما زاد تصويت عضو معين في الكونغرس ضد السياسات البيئية، زادت المساهمات التي يتلقاها من شركات النفط والغاز لدعم إعادة انتخابه.

انتشار اللوبيات في المشهد السياسي الأميركي يعني تدخلها في جميع مفاصل الحياة السياسية والتشريعية، وبالطبع، في الانتخابات، من خلال تجنيد حملات دعاية وضخ أموال للتأثير في القضايا والمصالح التي تدعمها. 

وممكن ان تقوم بمهام جماعة الضغط حسب تعريفها السابق ولكنها مسجلة تحت اسم آخر، كاتحاد عمال مهنيين او جمعية حقوق انسان او مركز ابحاث او مراكز للتاثير على الرأي العام، وبناء على ذلك فان جمعيات حقوق الانسان بحكم مهامها تشكل جماعات ضغط من آجل نشر الحريات وحقوق الانسان، ومراكز الابحاث تمثل هي الاخرى جماعات ضغط، فهى لا تنتج دراساتها عبثا وانما تقوم ببعض هذه الدراسات لجماعات ضغط مسجلة وجماعات مصالح ضخمة كما انها تقوم ببعض الدراسات لتحقيق اهداف محددة خاصة بمركز الدراسات ذاته.. اذن كل من يضغط ويعمل من آجل التغيير السلمي في مجتمعه والمجتمعات الاخرى بدون السعي للسلطة يشكل جماعة ضغط وفقا لتوصيف مهامها.