التواجد الأمريكي في سوريا والعراق.. من الانسحاب التدريجي الى الدور الجديد

العميد م. ناجي ملاعب

أتت عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 من خارج السياق السياسي للأحداث في المنطقة والعالم. قادة حماس أفادوا أنّ التخطيط لهذه المعركة قد استغرق نحو عامين، وأن التوقيت “صُنع في غزة”. بعد الانتصار الذي حقّقته “كتائب القسّام”، بدا أن تكلفة العملية ستكون قاسية على غزة، وهذا ما بان سريعاً إذ سارعت القوات الإسرائيلية لإعلان حرب إبادة جماعية ضدّ قطاع غزة المحاصر منذ 17 عاماً.

في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى قال الأميركي ناثان ثرال والذي عمل في مجموعة الأزمات الدولية كمدير لمشروعها العربي الإسرائيلي، ويعيش حاليًا في القدس، في حديثه في نيويورك تايمز: “أولا وقبل كل شيء، الدعم الغربي والأمريكي لإسرائيل لا يتزعزع، وهذا ليس مفاجئا على الإطلاق. وفيما يتعلق بغياب الدعوات لضبط النفس: غالباً ما تنظر إسرائيل إلى تلك الدعوات على أنها إشارة لإنهاء بعض حملات القصف في غزة بسرعة. غيابه هنا أفسره على أنه عكس ذلك: إنه ضوء أخضر لإسرائيل لاتخاذ الخطوات الانتقامية التي نحن جميعا متأكدون من أنها ستأتي”.

وتابع الباحث الأميركي “لا أعتقد أن إسرائيل في وضع صعب دبلوماسيا. هناك الكثير من الأحاديث حول مدى عدم رغبة إدارة بايدن في العمل مع الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية في الذاكرة الحديثة والعنصريين الصريحين في المناصب الوزارية العليا وما إلى ذلك. ولكن في نهاية المطاف، ما هي سياسة إدارة بايدن تجاه إسرائيل؟ هي لا تفعل شيئًا تقريبًا لوقف التهجير القسري لأكثر من ألف ومئة بدوي في الضفة الغربية”.

حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد
حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد

وفي تقييم لصحيفة الأخبار اللبنانية فإن حضور “حاملات طائرات وسفن حربية مُعدّة لخوض غمار مجابهات مع قوى عظمى، كالاتحاد السوفياتي السابق أو روسيا الحالية أو الصين، أو حتى قوى إقليمية عظمى، تُرسَل إلى المنطقة لحماية إسرائيل من التهديد المتمثّل في حركات مقاومة شعبية كـ«حماس» في فلسطين أو «حزب الله» في لبنان يشي بالذهول الذي أصاب قادة الغرب بسبب الانهيار الإسرائيلي أمام عملية «طوفان الأقصى»، وعدم وجود خطط لـ«ردّ متناسب» للتعامل مع مثل ذلك التطوّر غير المتوقَّع تماماً. ليس سرّاً أن إسرائيل جزء عضوي من «الغرب الجماعي» زُرع في المنطقة، ولكنّ ردّ الفعل المُشار إليه، يكشف تعاطي القادة الغربيين مع الحدث وكأنه يشكّل خطراً وجودياً على الكيان، وأن مستقبل الهيمنة الغربية، المتراجعة، أصبح منوطاً بالمباشرة بهجوم مضادّ للإجهاز على صنّاع الحدث ومفاعيله”.

الوجود الأميركي في العراق وسوريا – العديد والمهام

بعد أن كان عددها يصل إلى 5000 وصل عديد القوات الأميركية في العراق اليوم الى 2500 جندي، بعد ان  تم تخفيضها في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وتم تخفيض القواعد الأميركية من 9 قواعد إلى قاعدتين فقط وهي قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل.

وتغيرت كلك مهام القوات الأميركية في العراق، حيث كانت في وقت الحرب على داعش تقوم بمهمات الدعم الجوي والاستخباري، لكنها حاليا تقتصر على المشورة والتدريب فقط. ولم يرتفع عديد القوات الأميركية في العراق مؤخرا، لكن يتم استبدال القوات، وهو امر روتيني في الجيش الأميركي، حيث إن كل قوة يكون لها فترة محددة ويتم تغييرها. وجرى مؤخراً استبدال قوات الحرس الوطني الأميركي في العراق بالفرقة الجبلية العاشرة، أما عدد القوات وآلية عملها فهو يتم حسب العدد المتفق عليه بين بغداد وواشنطن وهو 2500 جندي حسب الاتفاقية الأمنية الأخيرة المنبثقة من الإطار الاستراتيجي. وإلى جانب القوات الأميركية في العراق، توجد قوات حلف الناتو والتي تقدر أعدادها بـ400 جندي ومهامها تتمثل في مساعدة القوات العراقية في التدريب ورفع الجاهزية.

أما في سوريا، فإن عدد القوات الأميركية الموجودة تتمثل في 900 جندي، ويتم استبدالهم من فترة لأخرى، وهو موزع بين التنف وشرق دير الزور وأكبر قاعدة موجودة هناك هي قاعدة حقل العمر. كما تتوزع القوات الأميركية أيضا في الحسكة وتل البيدر والقامشلي، إضافة إلى مناطق أخرى، ويوجد قوات أخرى من إيطاليا وهولندا وفرنسا لكن بأعداد قليلة، وألمانيا تشارك فقط بإرسال طائرات للتزود بالوقود أو النقل.

أما من حيث مهام القوات الأميركية والتحالف في سوريا فهي تتمثل في مقاتلة تنظيم داعش لأنهم لازالوا منخرطين في القتال، وهو عكس القوات الموجودة في العراق. وتشمل مهام هذه القوات أيضًا دعم حلفائهم المحليين والتي تمثلها قوات سوريا الديمقراطية  “قسد”، إضافة إلى السيطرة على مصادر النفط في دير الزور للضغط على النظام سياسيا واقتصاديا.

وجود القوات الأميركية في سوريا له أيضًا هدف أخر أعلنت عنه الإدارة الأميركية، وهو منع تمدد النفوذ الإيراني باتجاه سوريا ولبنان والبحر الأبيض المتوسط ومراقبة النشاط الإيراني في هذه المنطقة. وهناك تنسيق على جانبي الحدود العراقية السورية بين القوات الأميركية في البلدين، للتعاون في مجال المعلومات والاستخبارات، وتقوم الإدارة المركزية في قطر بهذا التنسيق.

 من سياسة تخفيض القوى إلى الردع

يوضح تقرير لبرنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات الدولية، نشرته قناة سكاي نيوز عربية يوضح أن القوات الأميركية في العراق وسوريا خلال السنوات الأخيرة كانت لاحتواء إيران وأذرعها. لكنه يتوقع أنه ” بعد التصعيد الأخير في غزة، قد تنتقل السياسة الأميركية من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الردع، خاصة بعد التصعيد الأخير ضد القواعد في سوريا والعراق”.

وفي وقت سابق من هذا العام، بدأت الولايات المتحدة خططًا لفرض سيطرتها على الحدود السورية العراقية. وتنطوي هذه الخطوة على احتمال حدوث مواجهة مباشرة مع الحرس الثوري الإسلامي والميليشيات التابعة له. كما أنه يشكل تحديًا كبيرًا للنفوذ الإيراني ويعطل الممر البري من طهران إلى بيروت، وفق التقرير.

تعزيز الدور الإستراتيجي الأميركي على الحدود السورية العراقية

باعتبارها العنصر الأساسي في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، ركزت الولايات المتحدة استعداداتها وتعزيزاتها في قاعدة التنف. وإلى جانب ذلك، تتجمع قوات أمريكية من قاعدتي التنف وعين الأسد في سوريا والعراق على التوالي، في محافظة الأنبار بالقرب من معبر القائم مقابل معبر البوكمال السوري. وتعتمد القوات الأميركية على قوى سورية مدربة في تركيا بالإضافة الى قوات سوريا الديمقراطية وقوات من العشائر العربية بحيث تتمركز قوة إضافية تسمى “الجيش السوري الحر” في التنف، استعداداً للمشاركة في العمليات.

قاعدة التنف الأمريكية

ومع ذلك، ونظراً لأعدادهم المحدودة (حوالي 400 مقاتل)، فمن غير المرجح أن تعتمد الولايات المتحدة عليهم فقط. وفي ظل التعامل الإيجابي الأخير لتركيا مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، انتقلت فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا من حلب إلى قاعدة التنف. لكن يبدو أن تركيا قامت بدور أكثر نشاطا في هذه العملية. ويتضمن ذلك تجنيد سوريين من شمال سوريا الخاضع للسيطرة التركية، بعقود خاصة، ثم نشرهم بعد ذلك في التنف ليكونوا جزءًا من أي عملية محتملة. ومع ذلك، يبدو أن الدعم الأساسي للولايات المتحدة في هذا المسعى يأتي من القبائل العربية على جانبي الحدود السورية العراقية.

وفي العراق، تم تسليح وتنظيم العشائر العربية السنية في محافظة الأنبار من قبل الجيش الأمريكي، مما أدى فعلياً إلى سيطرتها على المنطقة الحدودية الصحراوية الواسعة مع سوريا. وقد أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة مع العشائر السورية على الجانب الآخر من الصحراء السورية.

وتستهدف العملية العسكرية المرتقبة السيطرة الكاملة على الحدود السورية العراقية بين التنف والبوكمال. وإذا اختارت الولايات المتحدة شن هجوم بديل، أو تضمين هجوم إضافي، بعيدًا عن الحدود، فقد تكون قرية خشام هي الهدف بسبب موقعها الاستراتيجي.

ويواجه خشام القاعدة الأمريكية في معمل غاز كونوكو، ويعتبر نقطة محورية للفيلق الخامس المدعوم من روسيا. هجوم فاغنر على معمل غاز كونوكو عام 2018، انطلق من خشام نفسها. إضافة إلى ذلك فإن هذه القرية مع الطابية الجزيرة هي الأقرب إلى الحدود العراقية.

لكن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يؤثر على الفيلق الخامس المدعوم من روسيا ويتحدى المصالح الروسية بشكل مباشر، لذلك لن تهاجم قوات سوريا الديمقراطية من دون ضوء أخضر روسي.  ومع ذلك، يبقى السؤال: ماذا لو كانت الولايات المتحدة تفكر في مواجهة مباشرة في المستقبل؟ في هذا السياق هل ستنجح هذه العملية في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا وحرية حركة الأسلحة من طهران إلى بيروت.

احتمالية المواجهة الأميركية الإيرانية

إن السيطرة على الطريق الحيوي الذي يربط سوريا والعراق من شأنه أن يمنع بشكل فعال الممر الإيراني الذي يمتد من إيران عبر المناطق ذات الأغلبية السنية مثل المقدادية (العراق)، البوكمال، القلمون، والقصير (سوريا)، وصولاً إلى بيروت (لبنان).

ومن شأن هذه الخطوة أن توجه ضربة قوية لـ”الهلال الشيعي”. وسواء كان الروس أو الأميركيون هم الذين سيسيطرون في نهاية المطاف على المنطقة الحدودية، فمن المرجح أن يحد كلا الجانبين من أي تهريب للأسلحة والمخدرات يمكن أن يقوض مصالحهم ووجودهم.

في كتابه “عندما أرسل ريغان مشاة البحرية – غزو لبنان” (2019)، يتأمل الصحفي باتريك ج. سلويان الحائز على جائزة بولتزر في أعقاب تفجير بيروت عام 1983 ضد قاعدة مشاة البحرية، فسر العقيد تيموثي جيراغتي، قائد قوات المارينز المحاصرة، فشل الرئيس الأميركي رونالد ريغان في الانتقام من إيران باعتباره “رسالة إلى دمشق وطهران” مفادها أن “الإرهاب ينجح”. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيشهد عام 2023 أول مواجهة عسكرية إيرانية أميركية مباشرة منذ عام 1983؟

تحمل العملية المحتملة آثارًا استراتيجية عميقة لديها القدرة على تغيير مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة مع تأثر سوريا ولبنان والعراق بشكل خاص. وبالنظر إلى التاريخ الحديث، استولت العملية العسكرية الكبرى الأخيرة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في فبراير/شباط 2020 على معاقل المتمردين مثل معرة النعمان وسراقب وخان شيخون. ومع ذلك، عندما سعت إيران إلى مواصلة تقدمها دون موافقة روسية، سمحت روسيا لتركيا بنشر المدفعية الثقيلة وطائرات “بيرقدار” بدون طيار لوقف الميليشيات الموالية للحرس الثوري الإيراني، التي قُتل مقاتلوها وبالتالي اضطروا إلى وقف هجومهم.

إن أي عملية محتملة لطرد إيران من المنطقة الحدودية يمكن أن تضعف نفوذها العسكري وربما تؤدي إلى مزيد من الاشتباكات بين ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، التي ستفقد مصدر الدخل الرئيسي الذي يمول أنشطتها في سوريا – تهريب المخدرات.

ومع ذلك، ينشأ قلق بشأن المنطقة الحدودية الصحراوية الشاسعة، مما يشكل تحديًا لسيطرتها. ويلوح السؤال في الأفق: هل يمكن للجانب المهزوم أن يدعم عن غير قصد عودة تنظيم داعش في هذه المساحة الصحراوية الشاسعة؟

بعد عملية طوفان الأقصى التى أزالت الرماد من تحت القضية الفلسطينية واستحضرت عتاداً عسكرياً يوازي الإستعداد لحرب عالمية من غير المتوقع أن تتخلى الولايات المتحدة عن قواعدها في المنطقة وبالذات في سوريا والعراق لا بل سوف يتم تعزيز تلك القوات وتفعيل دورها الرادع بعد ان كانت الإدارة الأميركية السابقة قد خفضت عديد تلك القوات وطرحت على بساط البحث أسباب بقائها.

كل ذلك مرتبط بتداعيات العملية العسكرية الإنتقامية التي يقوم بها العدو الإسرائيلي ضارباً عرض الحائط القوانين الدولية الإنسانية طالما يحظى بهذا الدعم غير المسبوق من قوى الغرب. ولكن وفي تقييم اولي فقد أجمع الساسة والخبراء على أن بعد طوفان الأقصى لن يكون كما قبله.