محمد الناصري – محلل في الشؤون الجيوسياسية والاستراتيجية
الاشعاعات الكهرومغناطيسية هي شكل من أشكال الطاقة تصدره وتمتصه الجسيمات المشحونة، لا تحتاج لوسط ناقل لأنها تنتقل في الفراغ بسرعة الضوء. وتنقسم الموجات الكهرومغناطيسية إلى نوعين طبيعية وصناعية متساوية بالخواص. ظهرت أهمية الكهرومغناطيسية خلال القرنين الماضيين في مجال العلوم بعد سلسلة من التجارب في الولايات المتحدة وأوروبا أدت إلى نتائج زادت من مستوى اهتمام الحكومات وأجهزة المخابرات بالطاقة الكهرومغناطيسية. وكذلك جرى البحث عن صلة بين الاشعاعات الكهرومغناطيسية وغير الكهرومغناطيسية والخواص المتشابه بينهما، لغرض استخدامها في المجال النفسي.
بحوث روسية قبل ثورة 1917
حظي البحث في الظواهر النفسية والخوارق باهتمام كبير من قبل المجتمع العلمي في روسيا قبل الثورة البلشفية عام 1917. ففي سبعينيات القرن التاسع عشر، شُكلت لجنة من العلماء برئاسة البروفيسور والكيميائي ديمتري مندليف (Dmitri Mendeleev)، وضمت اخرين، منهم البروفيسور ألكسندر بتليروف (Alexander Butlerov)، لغرض التحقق من صحة الظواهر الروحانية وعلاقاتها بالعلوم. واختتمت اللجنة أعمالها عام 1876 بالقول:” تحدث الظواهر الروحانية على الحركات اللاواعية أو الخداع الواعي، والعقيدة الروحانية خرافة”. فسر البروفيسور بتليروف ظاهرة الإيحاء العقلي بافتراضه أن الجهاز العصبي والدماغ هما مصدر لإشعاع معين، وان حركة التيارات العصبية داخل الجسم تشبه التيارات الكهربائية في الموصلات، وبالتالي يحدث انتقال الإشارات من دماغ شخص لآخر، بسبب تأثير الحث الكهربائي. ومنذ عام 1867 كرس الطبيب النفسي الروسي، واي أوتروفيتش (Y.L.Ohotrovich) سنوات عديدة لدراسة ظواهر التخاطر والوساطة الروحية، وتمكن من تطوير علاجاً بالتنويم المغناطيسي يقوم على نظرية المغناطيسية الحيوانية، والتي تفترض ان جميع الكائنات الحية يصدر عنها مجالاً مغناطيسياً من أصل عضوي. وبعد سلسلة تجارب أجراها الطبيب الروسي، توصل إلى نتيجة مفادها ان التخاطر والوساطة الروحية هما من مظاهر الطاقة العضوية، ويمكن التحقق منها بالطرق التجريبية فقط. وفي كتابه (المعرفة السرية في مصر) الصادر عام 1894، أعتبر الظواهر الخارقة بأنها فيزيائية، تتكون وتنتقل في طاقة منخفضة يمكن قياسها بوسائل تقنية. وجرى تكريمه من قبل أكاديمية باريس للعلوم خلال 1910 – 1912، تقديراً لأعماله الاكاديمية. من جهته توقع الباحث الالماني سيرج كيرنباخ، ان يكون الدافع الأساسي وراء إعتقاد العلماء الروس هي التطورات التي حدثت في مجال الراديوهات في ذلك الوقت، حيث حاول كثيرون إيجاد صلة تربط الموجات الراديوية بالمجال النفسي، فعلى سبيل المثال: ألبرت أبرامز، الذي أدى عمله لظهور علم الراديوهات في الولايات المتحدة، شارك بفرضية مفادها أن الدماغ البشري قادر على إرسال واستقبال نوع من الأشعة الكهرومغناطيسية ذات التردد العالي جدًا.
انبعاثات كهرومغناطيسية
كان الاهتمام بدراسة الظواهر العقلية عن طريق البحث الفسيولوجي مدفوعًا بالمجتمع العلمي الروسي والاوروبي، ففي عام 1890 شكل مجتمع علم النفس التجريبي في روسيا لجنة لدراسة ظاهرة قراءة العقل. وفي عام 1907 نُشرت أعمال أول مؤتمر للروحانيين، وتأسس معهد سانت بطرسبرغ لأبحاث طب النفس العصبي بقرار من الإمبراطور نيكولاس الثاني، وهو أحد المراكز التي اجرت دراسات ارتبطت بالإيحاء العقلي في وقت لاحق. وخلال تلك الفترة، كان الميل الشديد نحو تفسير الظواهر الخارقة بمساعدة الانبعاثات الكهرومغناطيسية، لأن فهم ظواهر غير تقليدية كالتخاطر، وقراءة العقل، والتأثير الذهني، يتطلب الافتراض بوجود وسط ناقل، وإن كان غير مرئي، تتحرك خلاله طاقة الإجراء الذي يتم القيام به من شخص لآخر.
وبالتالي، فإن تلك الأعمال ساهمت بتعزيز فرضية الانبعاثات الاشعاعية والوسط الناقل بين الأجسام الحية، لاسيما أن آليات النشاط العصبي العالي أظهرت إمكانية تأثرها بالوسائل التقنية وإشعاع الميكروويف. وجرى التوصل إلى وجود تأثير للموجات الكهرومغناطيسية المتوسطة / القصيرة التي يتم تعديلها بواسطة إشارات منخفضة التردد في مناطق منفصلة من الدماغ، على الحالة العاطفية ووظائف أعضاء مختلفة من الجسم. وكذلك أظهرت احدى التجارب أن الامتصاص غير المتكافئ لأنسجة جسم الإنسان وخلاياه العصبية، لجزء ضئيل من الطاقة الكهرومغناطيسية كاف لإثارة الجهاز العصبي وإنتاج ظواهر على الجسم. خلال الفترة 1930 – 1936، افترضت إحدى النظريات العلمية وجود إشعاع يصدر خلال الانبعاث الضوئي للشمس وهو ذو طبيعة غير كهرومغناطيسية له قدرة عالية على اختراق أجسام الكائنات الحية والتفاعل معها. وفي نفس الفترة، أكدت بعض التجارب العلمية وجود إشعاع يصدره جسم الإنسان له خصائص مختلفة عن الإشعاع الكهرومغناطيسي. وبينما تم رفض فكرة الطبيعة الكهرومغناطيسية للإشعاع البيولوجي خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، فإن البحث في تأثيرات الاشعاعات الكهرومغناطيسية على الاجسام الحية تضاعف بشكل كبير، خاصة بعد ان جرى التوصل إلى أن تسليط مجال كهرومغناطيسي بشكل معين على جسم كائن حي، يمكن أن يؤدي لتأثيرات جسدية وعقلية. حيث جرى التثبت من ان لانبعاثات الميكرويف تأثيرات نفسية وفسيولوجية، وفي عام 1956 تم التأكد لأول مرة بإن الاشعاع الكهرومغناطيسي يمكن ان يسبب هلوسة سمعية.
الأسلحة فوق النفسية
خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان لدى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي عدد من المشاريع لدراسة الاشعاعات التي تصدرها الأجسام الحية وتأثيرات الحقول الكهرومغناطيسية على تلك الأجسام. ففي عام 1953 بدأت المخابرات المركزية الامريكية برنامج إم كي ألترا (MKULTRA) للتحكم بالعقل والسلوك البشري، بينما ركزت البرامج العسكرية السوفيتية منذ عام 1961 في تجاربها على استخدام مخطط كهربية الدماغ لقياس الأنشطة الدماغية.
وفي عام 1967 أجرى السوفييت تجربة للتخاطر بين شخصين في مكانين منفصلين، لينينغراد وموسكو، لمعرفة مدى إمكانية نقل البيانات كالصور والمعلومات بطريقة بيولوجية، وتحديد مدى دقة هكذا إجراء. وخلال السنوات الماضية، توصل باحثون أمريكيون إلى أن تسليط أشعة كهرومغناطيسية منخفضة على جسم إنسان يمكن أن يؤثر على وظائف جهازه العصبي، وتسبب هلوسة صوتية على شكل لاسلكي تسمعها أذن الكائن الحي، وتقلل من حساسية البشر والحيوان لبعض المحفزات، وإحداث تغييرات بنشاط الدماغ في منطقة ما تحت المهاد والقشرة لمنع عمليات معالجة وتخزين المعلومات.
مدينة روسية نائمة
الأكثر إثارة مما سبق ذكره، هو نجاح السوفييت في تطوير جهازاً قادراً على تنويم مدينة بأكملها مغناطيسياً. حسب وثائق سرية مفرج عنها تناولها الباحث الألماني سيرج كيرنباخ في بحثه عن المشاريع السوفيتية، كشفت عن قيام وحدة عسكرية سوفيتية مُشار إليها بـ (71592) إجراء اختبار في مدينة نوفوسيبيرك، خلال عام 1973 و 1974، بتركيبهم لجهاز له خصائص شبيه بجهاز الراديو أطلق عليه أسم ( Radioson) يمكنه إدخال سكان مدينة تبلغ مساحتها حوالي 100 كم، في نوم عميق، وهم على مسافة تبعد حوالي 55 كم من جهاز الإرسال ( Radioson).
الحماية النفسية للرئيس
في أوائل التسعينيات لوحظ وجود (هوائي غريب) في مكتب رئيس الإتحاد الروسي بوريس ويلتسين، وتم الإعلان حينها بأنه جهازاً لتوليد موجات طاقة تساعد على إبقاء الرئيس في حالة نفسية جيدة. تلك الحادثة ذكرتني بما أخبرني به المساعد النفسي لأحد رؤساء دول أوروبا الشرقية، عندما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة رسمية التقى خلالها رئيس الدولة في ذلك الوقت، حيث لاحظ المساعد النفسي وجود رجلان لم يكونا من طاقم الحماية الخاص، وكانا يتناوبان على البقاء قرب الرئيس الروسي على مسافة أمتار قليلة، فاستنتج انهما يعملان على حماية بوتين طاقياً ضد أي استهداف طاقي قد يتعرض له.
متلازمة هافانا
حادثة أخرى اشتهرت اعلامياً بـ(متلازمة هافانا) بدأت تفاصيلها عام 2016 و 2017، حيث تعرض عدد من الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين بالسفارة الامريكية في العاصمة الكوبية – هافانا، لمشاكل صحية و إصابات دماغية متوسطة مثل ارتجاج وتورم الدماغ، صداع حاد واضطراب ادراكي، وفقدان التوازن والسمع الدائم. وعلى خلفية تلك الأحداث، فتحت الحكومة الأمريكية تحقيقا رسميا خلص إلى التشوهات الدماغية كانت على الأرجح بسبب إشعاع للموجات الدقيقة (المايكروويف). ثم اتهمت واشنطن كوبا بتنفيذها تلك الهجمات. تكررت الحالة عام 2018 فظهرت نفس الأعراض على موظفي السفارة الامريكية في الصين، ورجحت الاستخبارات الامريكية استهداف الموظفين بموجات كهرومغناطيسية. وفي تعليق لمسؤول استخباراتي أمريكي أشار إلى احتمالية استخدام اشارات صوتية، أو عوامل كيميائية وبيولوجية، أو الإشعاع المؤين، أو ترددات الراديو، ضد موظفي السفارة الامريكية.
ندرة المعلومات، أمن قومي!
يمكن الاستنتاج بإن الموجات الكهرومغناطيسية تُستخدم فعلياً في عمليات سرية كاستهداف أفراد للتأثير على حالاتهم النفسية والجسدية والصحية. وكذلك في استخدامات معينة لتطوير القدرات النفسية وفوق النفسية للاستفادة منها في عمليات مثل: التخاطر، قراءة العقل، التأثير على الحالة النفسية، وظواهر نفسية أخرى. فجسم الإنسان يصدر طاقة لها خواص شبيه بالكهرومغناطيسية، يمكن توظيفها كوسط ناقل غير مرئي أثناء القيام بإجراء معين، مثل التخاطر عن بُعد لنقل بيانات بين طرفين (مُرسل ومُستقبل). وكذلك في اختراق العقل لقراءة أفكاره، أو التأثير على الحالة النفسية لشخص معين، أو التواصل مع المستوى اللاواعي للإنسان. وتلك العمليات تتم من خلال اختراق ( الهالة الطاقية) أو الكيان الطاقي للشخص المُستهدف.
وفي الختام فإن ندرة المعلومات والتفاصيل عن هكذا نوع من البحوث والأعمال لا يشكك بأهميتها ودورها الفاعل في الحروب السرية بين الدول، فالإبقاء عليها طي الكتمان يعود لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وتجدر الإشارة إلى وجود أكثر من أربعة آلاف مرجع علمي عن التأثيرات البيولوجية للمجالات الكهرومغناطيسية، وأكثر من نصف تلك المؤلفات خصصت لدراسة ردود فعل الجهاز العصبي على التليف النِقْوِيّ”.