أ.د. غادة محمد عامر
عميد كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر كلية الدفاع – الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
في هذا الجزء سوف نركز على كيف ستغير تقنية الميتافيرس شكل حروب المستقبل والقدرات الدفاعية للدول التي تمتلكها. حيث يمكن لسباق التكنولوجيا بناء الميتافيرس الأكثر تطورًا وتوسعًا أن ينشئ القوة العالمية التالية ويغير مستقبل الحرب. وصحيح أنه لا يزال هذا التحول في بداياته ولا توجد عنه معلومات معلنة واضحة، لكن إمكاناته اللامحدودة تغري الشركات باستثمار مليارات الدولارات في تطويره. تمتلك الميتافيرس إمكانات دفاعية كبيرة، فمثلا يعد التدريب أحد أهم مكونات فعالية ساحة المعركة؛ ويمكن لعوالم الميتافيرس أن يساعد الجنود على تطوير أدائهم، وبالفعل أصبح الواقع الافتراضي والمعزز أمرًا شائعًا في التدريب العسكري في السنوات الأخيرة. فمنذ فترة ليست بالقليلة يستخدم الجيش الأمريكي بالفعل الواقع الافتراضي والميتافيرس في عمليات محاكاة التدريب. ففي عوالم الميتافيرس يستطيع الأفراد العسكريين التدرب ضد أعدائهم من خلال معارك اقرب للواقعية متعددة اللاعبين. ويمكن نشر التدريب ومزامنته على نطاق واسع، مع تسليط الضوء على الطقس والتضاريس وتنقل الأشخاص. ويمكن للمخططين العسكريين محاكاة الأساليب القتالية التكتيكية والعملياتية الموجهة بالذكاء الاصطناعي. وفي البيئة الرقمية، ستزود هذه الخطط المخططين العسكريين برؤى مهمة ومواد دراسية قيمة من خلال دمج الأدوات والتقنيات التجريبية والبيانات الشخصية.
لكن الصين لم تكتفي بالتدريب، ولكنها تستعد لحرب خارقة باستخدام تقنية الميتافيرس تؤثر فيه على تفكير الخصم وإدراكه واتخاذ القرارات المتعلقة به، وذلك وفقًا لتقرير صدر في مارس 2022م عن مركز أبحاث تابع للقوات الجوية الصينية. وقد قال “إلمر فرانسيسكو” الرئيس التنفيذي لمؤسسة VetCoin -وهي مؤسسة خيرية تقدم خدمات تكنولوجية للمحاربين القدامى في الولايات المتحدة الأمريكية- في حوار له مع جريدة The Sun :”لن يحتاج الجنود فقط إلى معرفة كيفية القتال بالأيدي، ولكن أيضًا كيفية البرمجة، لأنه يجب أن يكون الجنود قادرين على التعامل مع المجال الافتراضي .”وقال فرانسيسكو “إن أحد التطبيقات العسكرية هو إنشاء صور رمزية واقعية أو روبوتات يمكن التحكم فيها من مسافة بعيدة “. وأضاف “في المستقبل القريب، لن يكون هناك جنود يحتاجون إلى بتر أطرافهم، لأن الروبوت الخاص بهم هو الذي سيتم تفجيره بالمتفجرات”.
لقد استحوذ المفهوم المتطور للميتافيرس على انتباه الجميع في العالم، وفي دراسة قدمت على هيئة تقرير نشره معهد دراسات الفضاء الجوي التابع للقوات الجوية الصينية – وهو أعلى معهد أبحاث تابع لجيش التحرير الشعبي الصيني- بعنوان كيف ستبدو “حرب الميتافيرس”، قدم الباحثون الصينيين فيها ثلاثة أنماط من المواجهة في الميتافيرس وهي: أولا مواجهة المنصات، ثانيا الهجوم على النظام (سلسلة التوريد)، وثالثا التحويل غير المباشر. وتم وصف مواجهة المنصة في التقرير على أنها هجمات “لتعطيل وتأخير وردع وتدمير والقضاء على وجود وتشغيل ميتافيرس الخصم”. بعدها يقوم هجوم النظام “بمهاجمة وحظر العقد الرئيسية وسلاسل العمليات التكنولوجية التي تدعم تحول الخصم”. أما التحويل غير المباشر يقوم على “إضعاف أجهزة تكنولوجيا الاتصالات واستخدام وسائل خادعة لتغيير وظائف نظام التحويل الخاص بالخصم”.
وفي تقرير آخر لمركز أبحاث القوات الجوية الصيني تحت عنوان ساحة المعركة الجديدة- ميتافيرس New Battlefield–Metaverse، يضع الباحثين هذا التحول كامتداد لمنافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين. باستثناء أنها ستكون باستخدام تقنية الواقع الممتدXR- Extended Reality – التي ستستخدم للتلاعب بالعالم الحقيقي سواء بالآلات أو البشر، حيث سيكون الأمر أشبه بلعبة على جهاز حاسوب، لكن باستخدام روبوتات وصور رمزية يتحكم فيها الجنود من الولايات المتحدة أو من الصين. وفي مقال في صحيفة PLA Daily عن ساحة معركة الميتافيرس “Battlefield Metaverse” (BM أشار المقال إلى :”أن ساحة معركة الميتافيرس هو مظهر من مظاهر الميتافيرس في المجال العسكري، لكنه يختلف عن الميتافيرس المدني في بعض الجوانب الرئيسية. على سبيل المثال، تتمتع بمعايير أمان وسرية أكثر صرامة، وقدرات حوسبة محاكاة أكثر قوة، ومتطلبات تفاعل أكثر دقة في الوقت الفعلي، وتوحيد وقت المعركة، والتكامل الحقيقي الافتراضي، وأمن الحدود، وذكاء اتخاذ القرار، ودقة الأداء”. وأن ساحة معركة الميتافيرس تحتاج -كما أشار المقال- إلى تحقيق اختراقات في العديد من التقنيات بما في ذلك الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والواقع المختلط، وتكنولوجيا التوأم الرقمي، والحوسبة السحابية، والبلوكتشين، والشبكات عالية السرعة، والذكاء الاصطناعي. ووفقًا للمؤلفين، فإن هناك بعض الشروط الأساسية المطلوبة لجعل ساحة معركة الميتافيرس فعالة ومؤمنة وهي: أولا أن تكون هناك شبكة اتصالات عسكرية خاصة ومستقلة، فيجب أن يكون الوصول إلى ساحة معركة الميتافيرس محدودًا من عدد قليل من نقاط الشبكة العسكرية المؤمنة في أماكن أو مناطق ثابتة نسبيًا. ثانيا: لابد من أن يكون هناك آلية صارمة للتحقق من الهوية، بحيث يسمح فقط الدخول للأفراد العسكريين الذين اجتازوا المراجعة السرية والتحقق من هويتهم. ثالثا: تقسيم طريقة الوصول إلى ساحة معركة الميتافيرس، فيمكن تقسيم المستخدمين الذين لديهم حق الوصول إلى ساحة معركة الميتافيرس إلى مستخدمين فرديين، ومستخدمي المعدات، ومستخدمي النظام وفقًا لأنواعهم. رابعاً: استخدام الذكاء الاصطناعي الفائق كأفراد مقيمين دائمين في ساحة معركة الميتافيرس، ويمكنهم العمل ككيانات للمشاركة في القتال والتدريب، ويمكنه أيضًا لعب أدوار المدربين، والممتحنين، وضباط الأركان، وموظفي تشغيل وصيانة النظام، وما إلى ذلك. خامسا: ستمتلك ساحة المعركة في الميتافيرس قدرات مرنة بما في ذلك البيئة الجغرافية، والبيئة الكهرومغناطيسية، وبيئة الأرصاد الجوية، والبيئة الهيدرولوجية للمنطقة.
في النهاية، قد يكون من السهل أن نتجاهل بشكل متشكك المناقشات الحالية حول الميتافيرس باعتبارها ضجيجًا لاهثًا، أو ندير أعيننا عن هذا التقدم الهائل في هذه التقنية، أو نضحك ضحكة مكتومة على السخافة المطلقة لبعض الأبحاث والسيناريوهات الأخيرة لهذه التطورات، إلا إنه لابد لجميع الحكومات أن تأخذ هذه الاتجاهات على محمل الجد – ومن دون الاستسلام للذعر أو للمستقبل المتهور. وكما أظهر الباحثون في مجال الدراسات الأمنية، فإن الدول التي تستخدم التكنولوجيات الناشئة بفعالية – والتي تبتكر تنظيمياً وعملياً لتطويرها – يمكن أن تحظى بميزة جيوسياسية كبيرة. باختصار، بينما يواصل عالم ما وراء البحار رحلته من الخيال العلمي إلى حياتنا اليومية، فقد حان الوقت أن نبدأ في الدخول وبقوة إلى هذا العالم الواقعي، وتداعياته العديدة في العالم الحقيقي، على محمل الجد.
ولكي يكون لنا أنظمة دفاعية في هذه العوالم لا بد من معالجة العقبات الرئيسية التي تحول دون اعتمادها على نطاق واسع في كل مؤسساتنا. لذلك نحتاج إلى بنيات آمنة وقابلة للتشغيل البيني لتتمكن من مشاركة الاستثمار في تطوير هذه البيئات الاصطناعية. إن الشبكات المنعزلة وخطوط الاستحواذ البطيئة ونقص الفهم تمنع الحكومات من اعتماد الأدوات ذاتها التي ستساعد في تحسين قدرتها على اعتماد التقنيات التخريبية الجديدة الأخرى. وبينما نتعلم كيفية التغلب على هذه التحديات، سنحتاج إلى معالجة الاعتبارات القانونية والأخلاقية والأمنية المترتبة على انغماس أعضاء الخدمة العسكرية في هذه العوالم الافتراضية.