مع بداية عصر الطائرات النفاثة، أصبحت المحركات بين المحددات الرئيسية لأداء الطائرات المقاتلة، والعنصر الرئيسي الذي يمنح المقاتلة أفضلية في ساحات القتال.
ومن بين الميزات التي تمنح أفضلية لمحرك على آخر، سهولة الصيانة، والوقت بين الإصلاحات الضرورية، والوزن الذي يضيفه إلى الطائرة التي تحمله، وكفاءة استهلاك الوقود، ولكن السمة الفردية الأكثر أهمية تظل مقدار الدفع الذي يمكن أن يوفره المحرك، وفق مجلة Military Watch المختصة بالشؤون العسكرية.
وتعد المحركات الأكثر قوة، أداة تسهيل مهمة لجوانب متعددة من رحلة الطائرة، بما في ذلك معدل الصعود والسرعة والارتفاع التشغيلي والقدرة على المناورة في ظروف الطيران المختلفة والمتعددة.
وتحتاج الطائرات ذات قوة الدفع الكبيرة مقارنة بوزنها، إلى مدارج أقصر للإقلاع منها، وهو ما يمكن أن يكون ميزة رئيسية في زمن الحرب حيث تتعرض المطارات للقصف.
وتعتبر المحركات القادرة على توليد المزيد من الطاقة أكثر قدرة على تشغيل الأنظمة الموجودة على متن الطائرة، بما في ذلك الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية وأسلحة الطاقة الموجهة المحتملة في المستقبل مثل الليزر.
وكانت أقوى المحركات النفاثة في العالم لعقود من الزمن تأتي بشكل ثابت من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، قبل أن يؤدي تفكك الأخير في عام 1991 إلى دفع روسيا إلى التنازل تدريجياً عن تفوقها في هذا المجال.
وظهرت الصين بعد نهاية الحرب الباردة، لتصبح بين أكبر الاقتصادات في العالم اعتباراً من عام 2014، وأكبر منفق في العالم على عمليات الاستحواذ الدفاعية اعتباراً من عام 2020، والرائدة في تقديم براءات الاختراع في العالم بفارق كبير جداً.
وبخلاف الصين وروسيا والولايات المتحدة، كانت الطائرات المقاتلة القادمة من دول أخرى مثل فرنسا دائماً أخف كثيراً، وتستخدم محطات توليد طاقة أضعف بكثير ولا يمكنها التنافس خاصة من حيث الدفع المطلق.
ورصدت Military Watch، أقوى 5 تصميمات لمحركات المقاتلات:
1. محرك طائرة Mig-31M
جرى تطوير محرك D-30F-6M لصالح الطائرة الاعتراضية MiG-31M التي حلقت لأول مرة في عام 1985، وكان من المقرر أن تدخل الخدمة في أوائل التسعينيات باعتبارها الطائرة الاعتراضية الرئيسية لقوات الدفاع الجوي السوفيتية.
ولا تزال طائرة MiG-31 Foxhound الأصلية، التي دخلت الخدمة في عام 1981، أثقل مقاتلة أو طائرة اعتراضية في العالم حيث تزن حوالي 41 ألف كيلوجرام مع حمولة قتالية، وتحمل أكبر رادار مدمج على الإطلاق في طائرة مقاتلة N007 كجزء من نظام التحكم في أسلحة Zaslon.
وتظل سرعة تحليق الطائرة التي تقترب من 2.5 ماخ هي الأسرع في العالم على الإطلاق، في حين أن ارتفاعها التشغيلي المنتظم الذي يزيد عن 20 ألف متر هو أيضاً الأعلى في العالم.
ولا يزال المحرك D-30F-6 هو الأقوى أداءً على الإطلاق الذي دخل الخدمة مدمجاً في مقاتلة أو طائرة اعتراضية من الجيل الخامس، حيث ينتج قوة دفع تبلغ 152 كيلو نيوتن.
ويعتبر محرك D-30F-6M أقوى بنسبة 28 بالمائة عند حوالي 195 كيلو نيوتن، وهو ما يفوق بكثير أي محرك آخر في العالم اليوم.
وسمح ذلك للطائرة MiG-31M بالتحليق بشكل أسرع وأعلى، وحمل رادار أكبر بكثير، ومكنها من حمل أكبر ترسانة صاروخية في العالم بما في ذلك ستة صواريخ كبيرة الحجم من طراز R-37 والعديد من الصواريخ الأصغر حجماً.
وأدى التدهور السريع للاقتصاد الروسي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلى منع البلاد في نهاية المطاف من تمويل الإنتاج التسلسلي للطائرة MiG-31M، ما حال دون إجراء ترقيات كبيرة على طائرات MiG-31 الأقدم.
2. محرك الطائرة F-35
دخلت مقاتلة الجيل الخامس من طراز F-35 الخدمة في عام 2015 بمحرك F135، الذي لم يكن له مثيل حينها من حيث قوة الدفع، التي تصل إلى 191 كيلو نيوتن.
ومع وجود محرك واحد فقط، أثبت أنه غير كافٍ للسماح للطائرة F-35 بالتحليق بسرعات تفوق سرعة الصوت، في حين أن سرعتها القصوى البالغة 1.6 ماخ وسقف الارتفاع الذي يبلغ حوالي 15 ألف متر أقل بكثير من المتوسط، وهو ما يعكس أن الطائرة F-35 لم يتم تصميمها أبدًا لإعطاء الأولوية لأداء الطيران العالي، وكان المقصود منها في المقام الأول أن تكون مقاتلة هجومية، وليس للقتال الجوي.
وأثبت محرك F135 أنه يمثل مشكلة كبيرة منذ دخوله الخدمة، ويتطلب مستويات عالية من الصيانة بشكل خاص.
وأجرى البنتاجون تغييرات كبيرة في الطائرة F-35، ما أدى إلى ظهور طائرة أكبر بكثير مع متطلبات طاقة أعلى، ما يعني أن المحرك F135 يعتبر بعيداً عن أن يكون كافياً لتشغيل إلكترونيات الطيران الخاصة بالطائرة.
وتسببت هذه المشكلة في خسائر تقدر بعشرات المليارات من الدولارات للبنتاجون منذ دخول المقاتلة الخدمة، وأثارت دعوات لتطوير محرك جديد.
3. الطائرة Mig-1.42
بدأ تطوير برنامج الطائرة MiG 1.42 في عام 1979 لتوفير مقاتلة تفوق جوي بعيدة المدى قادرة على العمل في عمق المجال الجوي للعدو، وبالتالي توفير خليفة من الجيل الخامس للطائرة Su-27 Flanker التي انضمت إلى الأسطول السوفيتي اعتباراً من عام 1984.
وتعتبر الطائرة MIG-1.4 أكثر طموحاً بكثير في وقتها من مقاتلة الجيل الخامس Su-57 اللاحقة التي تم إنتاجها في روسيا. وقدرت أن تكلفة إنتاجها تبلغ ضعف تكلفة الإنتاج تقريباً مع تكاليف صيانة وتشغيل أعلى بكثير.
وتنتج محركات الطائرة AL-41F قوة دفع أكبر بكثير ولها نسبة دفع/وزن أعلى من أي محرك مستخدم في مقاتلة ذات محركين حتى اليوم.
وتشير التقديرات إلى أن له قوة دفع قصوى تبلغ 191 كيلو نيوتن. وبدأ الإنتاج التسلسلي للمحرك في نهاية التسعينيات، إذ تم بناء أكثر من اثني عشر محركاً، على الرغم من أن إنهاء برنامج MiG 1.42، والذي كان يعتبر بعيداً عن متناول وزارة الدفاع الروسية التي تعاني من ضائقة مالية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي، يعني أنه لم يدخل الخدمة أبداً.
وجرى اختبار المحرك على نطاق واسع طوال التسعينيات بما في ذلك السرعات الأسرع من الصوت باستخدام عدد من الطائرات كمنصات اختبار، بما في ذلك طائرة اعتراضية من طراز MiG-25 وقاذفة Tu-16.
وتم استخدام AL-41 لاحقاً لمشتق محسّن من محرك AL-31 الخاص بطائرة Su-27 والذي استخدم بعض التقنيات التي تم تطويرها لمحرك MiG 1.42 لتقليل احتياجات الصيانة وزيادة قوة الدفع.
ويعتبر المحرك الناتج أضعف بكثير، ويطلق عليه اسم AL-41F-1S، وله قوة دفع تبلغ 137 كيلو نيوتن، ما يعني أن الحد الأقصى للدفع أقل بنسبة 28% من قوة الدفع الأصلية لـ AL-41F.
4. محرك طائرة J-20B الصينية
ويتوقع أن يجعل محرك WS-15 الصيني الذي تم تطويره لمقاتلة الجيل الخامس J-20، وتحديداً الطراز المحسن J-20B الذي تم الكشف عنه في عام 2021، الطائرة الأقوى في العالم من حيث الدفع، مع كل من محركاتها المزدوجة، والذي يبلغ قوته 183 كيلو نيوتن.
ويمكن للطائرة J-20A التي دخلت الخدمة في أوائل عام 2021، ويتم تشغيلها بواسطة محرك WS-10C الأقدم، أن تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت دون استخدام الحارق اللاحق، ولكن من المتوقع أن تسهل WS-15 سرعات التحليق غير الحارق اللاحق عند ما يقرب من 2 ماخ وربما أعلى.
ويُعتقد أن اختبارات طيران المحرك بدأت في عام 2016 تقريباً، وقام بأول رحلة له مدمجة في النموذج الأولي J-20B في التكوين المزدوج في يونيو 2023.
وتم الإبلاغ عن بدء الإنتاج التسلسلي للمحرك في أبريل من العام 2023.
ويقال إن السبب الرئيسي للتأخير في تطوير المحرك هو صعوبة إتقان طريقة الإنتاج الضخم لشفرات التوربينات أحادية البلورة المتطورة، على الرغم من أن وقت التطوير لا يزال أقصر بكثير من نظرائه عالمياً.
5. محرك الطائرة Su-57M
عُرف محرك الطائرة SU-57M، في مراحل تطويره باسم Saturn 30، وهو اسم الشركة المسؤولة بشكل أساسي عن برنامج UEC Saturn.
وتم تطوير AL-51F لبرنامج مقاتلة الجيل الخامس الثاني والأكثر تحفظاً في روسيا Su-57، ومن المتوقع أن تدخل الخدمة على نماذج الإنتاج التسلسلي قبل نهاية عام 2026.
وجرى تصميم Su-57 لإعطاء الأولوية للحد الأدنى من تكاليف التشغيل واحتياجات الصيانة، وبالتالي فإن AL-51F هو تصميم فعال من حيث التكلفة للغاية مع تكاليف عمر أقل بكثير من متغيرات AL-31 و AL-41F-1S.
ولا يزال المحرك أقوى بكثير من أقوى محرك غربي مدمج في طائرة مقاتلة ذات محركين.
ويتوقع أن تجعل قدرات توجيه الدفع للمحرك، والكفاءة العالية في استهلاك الوقود، والوزن الخفيف نسبياً للطائرة Su-57، المقاتلة الأكثر قدرة على المناورة في العالم بسرعات منخفضة، وربما بسرعات عالية حيث ستنافسها في المقام الأول الطائرات المقاتلة J-20.
المصدر: الشرق نيوز