بقلم أ.د. غادة محمد عامر
عميد- كلية الهندسة – جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا
زميل ومحاضر الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر الماضي (2023م) ضربت القوات الإسرائيلية أكثر من 22 ألف هدف داخل غزة، وبعدها أعلن الجيش الإسرائيلي إنه استخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار العديد من هذه الأهداف في الوقت الفعلي. وحقيقي من غير الواضح بالضبط تحديد عدد الأهداف التي تم العمل عليها باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، لكن الجيش الإسرائيلي يقول إنه يضرب منذ السابع من أكتوبر الماضي ما يصل إلى 250 هدفًا يوميًا. ولم يخف الجيش الإسرائيلي شدة قصفه لقطاع غزة. وفي الأيام الأولى للهجوم، تحدث قائد القوات الجوية الإسرائيلية عن غارات جوية متواصلة “على مدار الساعة” يستخدم فيها تقنية الذكاء الاصطناعي. ووفقا للأرقام التي نشرها الجيش الإسرائيلي في نوفمبر 2023م، خلال الأيام الـ 35 الأولى من الحرب، هاجمت إسرائيل 15 ألف هدف في غزة، وهو رقم أعلى بكثير من العمليات العسكرية السابقة في المنطقة الساحلية المكتظة بالسكان. وبالمقارنة، في حرب 2014م، التي استمرت 51 يومًا، ضرب الجيش الإسرائيلي ما بين 5000 إلى 6000 هدف. يقول متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن نظام الذكاء الاصطناعي، المسمى “جوسبل” “the Gospel”، ساعدهم في التعرف بسرعة على مقاتلي حماس ومعداتهم، مع تقليل الخسائر في صفوف المدنيين! مع إن ما حدث كان عكس ذلك، فقد ساعدت هذه التقنية في قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
إن “جوسبل” هو أحد برامج الذكاء الاصطناعي العديدة التي تستخدمها المخابرات الإسرائيلية، والذي عمل لصالح الحكومة الإسرائيلية في مجال الاستهداف خلال العمليات العسكرية السابقة، والذي يقدم توصية مستهدفة لمحلل بشري. يمكن أن تكون هذه الأهداف أي شيء، بدءًا من المقاتلين الأفراد، وحتى المعدات مثل قاذفات الصواريخ، أو المنشآت مثل مراكز قيادة حماس. أي أن نظام “جوسبل” يقوم بما كانت تفعله مجموعة من ضباط المخابرات في الماضي، لكنه أكثر فعالية بكثير. ووفقًا لمنشورات على موقع الجيش الإسرائيلي، فإن هذا النظام تم تطويره من قبل فرع استخبارات الإشارات الإسرائيلي، المعروف باسم الوحدة 8200. لقد صقل الجيش الإسرائيلي منذ فترة طويلة سمعته فيما يتعلق بالابتكار التكنولوجي، وبعد حرب 11 يومًا في غزة في مايو 2021م، قال المسؤولون إن إسرائيل خاضت “حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي” باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة.
يقول “روبرت أشلي”، الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، “إن الخوارزميات يمكنها التدقيق في أكوام من البيانات الاستخباراتية بشكل أسرع بكثير من المحللين البشريين”. “وإن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في الاستهداف لديه القدرة على منح القادة ميزة هائلة، وبالتالي يمكن لنظام الاستهداف بالذكاء الاصطناعي “جوسبل “الذي تستخدمه إسرائيل أن يولد أهدافًا بمعدل سريع”، ويضيف “روبرت أشلي” إن مجموعة مكونة من 20 ضابطًا قد تنتج ما بين 50 إلى 100 هدف خلال 300 يوم. وبالمقارنة، يستطيع “جوسبل” وأنظمة الذكاء الاصطناعي المرتبطة به أن يقترح حوالي 200 هدف “في غضون 10 إلى 12 يومًا” – وهو معدل أسرع بـ 50 مرة على الأقل من النظام التقليدي. وعلى الرغم من أنه ليس من المعروف بالضبط ما هي البيانات التي يستخدمها نظام “جوسبل” لتقديم اقتراحاته، فمن المحتمل أنها تأتي من مجموعة واسعة من المصادر المختلفة، مثل رسائل الهاتف الخليوي، وصور الأقمار الصناعية، ولقطات الطائرات بدون طيار، وحتى أجهزة الاستشعار الزلزالية. ويؤكد أشلي أن “هذا ليس مجرد نظام آلي، لكنه أيضا إذا عثر على شيء يمكن أن يكون هدفًا محتملاً، يقوم بوضع علامة عليه ليراجعه المحلل الاستخباراتي.” ويذكر المنشور أن قسم الاستهداف قادر على إرسال هذه الأهداف إلى القوات الجوية والبحرية، ومباشرة إلى القوات البرية عبر تطبيق يعرف باسم “عمود النار” “Pillar of Fire,” ، والذي يحمله القادة على الهواتف الذكية والأجهزة الأخرى الصادرة عن الجيش ليبقوا على تواصل ولتلقوا الأوامر لحظيا.
في حين أن استخدام إسرائيل نظام “جوسبل” لتوليد مجموعة كاملة من الأهداف قد يكون شيء جديد على مسامعنا، إلا إنها ليست وحدها في استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحليل المعلومات الاستخبارية. فالولايات المتحدة مثلا تعمل بنشاط مع العديد من أنواع الذكاء الاصطناعي المختلفة لمحاولة تحديد الأهداف في الميدان، مثل مشروع Project Maven، الذي يعمل من خلال الوكالة الوطنية للاستخبارات الجغرافية المكانية، التي تجمع كميات هائلة من صور الأقمار الصناعية ــ أكثر بكثير مما يستطيع المحلل البشري البحث عنه.
إن الصورة التي بدأت تظهر لكيفية تسخير الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي تأتي على خلفية المخاوف المتزايدة بشأن المخاطر التي يتعرض لها المدنيون مع توسع الجيوش المتقدمة في جميع أنحاء العالم في استخدام الأنظمة الآلية المعقدة والمبهمة في ساحة المعركة. المشكلة أن هناك مخاطر كثيرة من اعتماد البشر على هذه الأنظمة، لكن الأخطر إنهم سيصبحون تروسًا في عملية ميكانيكية ويفقدون القدرة على النظر في مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين بطريقة مجدية.