العميد صلاح الدين الزيداني الأنصاري
عندما تمتلك التقنية فأنت في الواقع تملك أقوى أدوات القوة وهذا بالفعل ما تسعى اليه الشركات الدفاعية الأمريكية التي لا تذخر جهداً في تطوير منظومات الصواريخ للجيش الأمريكي بشكل مستمر حيث تطالعنا الأخبار دوريًا عن تقديم أنواع جديدة من الأسلحة الدقيقة الفتاكة , وكجزء أساسي من استراتيجيته بعيدة المدى قامت شركة لوكهيد مارتن بطرح نوع جديد من أنظمة صواريخ الضربة الدقيقة البالستية Precision Strike Missiles التي لها من أسمها نصيب , حيث أن قدرتها على تنفيذ ضربات هجومية دقيقة بعيدة المدى رشحها لتنضم لأسلحة الجيش القادم التي يتم العمل عليها لتصبح اليد الضاربة بعيدة المدى وخاصة في قطاع أسلحة الصواريخ المضادة للسفن على إعتبار أن تنفيذ ضربات صاروخية ناجحة على قطع بحرية يمثل تحدياً كبيراً وهو أمر ليس بالسهل فمن المعروف أن مهاجمة هدف متحرك تختلف سرعته بإنتظام يختلف كليا عن مهاجمة هدف ثابت إلى جانب كون صواريخ الضربة الدقيقة تعتبر سلاح متعدد المجالات يمكن للجيش استخدامه لدعم القوات البرية، والقوات الجوية.
مع تطور الأداء القتالي لوحدات الصواريخ كان لزامًاً أن تحل صواريخ الضربة الدقيقة PrSM محل نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأمريكي خاصة وأنها تصميمها المعياري كأنظمة مفتوحة قابل للتحديث المستمر وهو نموذجي للتطوير المستقبلي لتحقيق أقصى قدر من الفتك مع القدرة على تحمل التكاليف والمرونة.
توفر صواريخ PrSM قدرات معززة لمهاجمة الأهداف وتدميرها باستخدام نيران صاروخية غير مباشرة يصل مداها إلى أكثر من 400 كيلومترًا وهذا المدى يوفر لقادة العمليات القتالية المشتركة نطاقًا متزايدًا وقوة تدمير فعالة وهذه القدرات المحسنة تعتبر ضرورية لتنفيذ ضربات صاروخية ناجحة لدعم العمليات المشتركة الشاملة في جميع المجالات لتوفر مدى أكبر وقوة فتك بعيدة المدى للجيش الأمريكي.
صمم نظام PrSM الأولي ليكون قادرًا على الأداء في جميع الظروف الجوية وعلى ضرب ومهاجمة أهداف العدو المحمية بعيدًا خلف خط المواجهة وضرب الأهداف المتحركة على الأرض والبحر وقد نجحت مراحل اختبار PrSM فعلياً في الطيران إلى نطاقات تصل إلى 400 كيلومتر في أربع عمليات إطلاق اختبارية سابقة، وهناك خطط لتوسيع ذلك إلى مسافة تصل إلى 1000 كيلومتر كجزء من نظام Increment 2 المطور الذي ساهمت فيه أستراليا, وبحسب شركة Lockheed Martin هناك أيضًا خطط لاحتمال دمج نظام الصواريخ الأرضية المضادة للسفن (LBASM) في المهمة المضادة للسفن وتستخدم شركة Lockheed Martin أدوات رقمية مثل الواقع المعزز، والنمذجة والمحاكاة المتقدمة وتحليلات البيانات لتعزيز التطوير وتحسين الإنتاجية والجودة والأداء لتحسين الآداء والفعالية.
أختبر الجيش الأميركي صاروخه الجديد من نوع PrSM ضد هدف بحري متحرك في المحيط الهادئ في 17 يونيو 2024، وكان الإختبار ناجحًا حيث غرقت سفينة النقل البرمائية يو إس إس كليفلاند USS Cleveland التي خرجت من الخدمة كسفينة مستهدفة في مجمع جزر ماريانا في شمال المحيط الهادئ , وكان ذلك أول استخدام معروف للصاروخ ضد هدف بحري متحرك فضلاً عن أول استخدام لقاذفة متعددة المجالات مستقلة والصواريخ الجديدة خارج الولايات المتحدة.
ولكن مع نجاح التجارب لا يزال الجدل قائماً حول الآلية المناسبة لتحميله وتشغيله هل ستكون على منصة بحرية أم أنه سيكون محمولاً على منصة برية , خاصة وأن تجارب الإطلاق تمت من خلال أنظمة MLRS M270 أو HIMARS , وهل سيكون من المنطقي تجهيز السفن الحربية بصواريخ الضربة الدقيقة.
إن مفهوم تحويله إلى صاروخ بحري ليس بعيد المنال لكنه سيحتاج للكثير من الإختبارات للتقنيات التي يخطط الجيش لإضافتها بما في ذلك تقنية الباحث المعزز لضرب الأهداف المتحركة في البحر بشكل أفضل بالإضافة إلى تكنولوجيا التوجيه والتمييز التي يحتاجها للدقة والثبات وتبقى الأولوية بالنسبة لصواريخ PrSM هي القدرة على التعامل من مختلف المديات والسعي لاحداث ضربات ناجحة ومؤثرة ضد القدرة البحرية المعادية.
مؤخراً وفي خطوة جديدة وقعت شركة لوكهيد مارتن الأميركية عقدًا بقيمة 219 مليون دولار لإنتاج المزيد من صواريخ PrSM التكتيكية المتطورة عالية الدقة (صاروخ الضربة الدقيقة) لصالح الجيش الأميركي, ووفقًا لبيان صحفي صدر مؤخرًا عن البحرية ، أنهت يو إس إس أوكلاند (LCS 24) تركيب وحدة إطلاق صاروخ الضربة البحرية (NSM) في 9 ديسمبر الماضي في القاعدة البحرية في سان دييغو .
وكان الجيش الأمريكي قد أعلن فعليا عن تسلم عدداً من صواريخ الضربة الدقيقة لتضاف الى وحداته الضاربة و تدعم من قدراته النيرانية الدقيقة طويلة المدى فيما يعد نقطة فارقة في جهود التحديث الجارية في القوات المسلحة الأمريكية.
وقالت لوكهيد مارتن ان تسليم الشحنات الأولية جاء في اعقاب نجاح الصواريخ في اجتياز اختبار الكفاءة الانتاجي في مضمار الصواريخ White Sands بولاية نيومكسيكو في نوفمبر 2023.
من أهم مزايا صاروخ الضربة الدقيقة هو جمعه بين الدقة والمرونة العالية إضافة لسرعته الكبيرة والمناورة والقدرة على مهاجمة الأهداف البحرية بشكل خاص , كما انه مزود بباحث جديد وذكي يعرف باسم كتنورت للسفن (LBASM) يجمع بين باحث سلبي عن الترددات الراديوية وباحث تصوير بالأشعة تحت الحمراء , وبمجرد وصول الصاروخ إلى منطقة الهدف يلتقط إشارات الراديو من رادار العدو أو اتصالاته ويستخدم مستشعر التصوير بالأشعة تحت الحمراء لتحديد هدفه قبل الاصطدام به , وهو يعمل بنظام توجيه ثنائي لا مجال فيه للخطأ يرتكز على حزمة توجيه نظام الملاحة بالقصور الذاتي (INS) ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وهذا يعزز من قدرته للوصول الموثوق لأهدافه , ومن أهم مزاياه أنه يستخدم في إطلاقه أنظمة المدفعية الصاروخية عالية الحركة M142 وأنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق M270A2.
سيحمل صاروخ PrSM رأسًا حربيًا شديد الانفجار يبلغ وزنه 90 كجم له نفس التأثير التدميري لرأس ATACMS الحربي الذي يبلغ وزنه 227 كجم قد يبدو هذا طموحًا بعض الشيء، لكن رأس ATACMS الحربي مستعار من صاروخ Harpoon المضاد للسفن، وهو رأس حربي مصمم لتوجيه قوة الانفجار ضد الهيكل المعدني للسفينة.
كمثال على تقنية صاروخ الضربة الدقيقة يأتي صاروخ بريسيجن سترايك (PrSM) وهو صاروخ أرض – أرض من الجيل التالي للجيش يحل محل قدرات نظام الصواريخ التكتيكية للجيش (ATACMS) ويحسنها , ووفقًا للطلب يبلغ أقصى مدى للصاروخ الجديد 499 كم.
تحتوي حاوية الاطلاق على صاروخين من طراز PrSM ، ولها القدرة على البقاء في بيئة التهديد ، والتوافق مع منصات الإطلاق الحالية (M270A2 نظام إطلاق الصواريخ المتعددة (MLRS) ونظام الصواريخ عالية الحركة M142 (HIMARS).
وعلى أثر نجاحه سارعت بعض الدول ومنها اليونان على تقديم طلبات استحواذ لصواريخ PrSM لتحديث مخزونها وتوزيد جبشها بأحدث الأنضمة الصاروخية.
في المستقبل القريب سيكون لمنظومات صواريخ الضربة الدقيقة دورا بارزًا وفاعلاً في العمليات العسكرية وخاصة ضد القدرات البحرية وستغير بلا شك موازين القوى البحرية لتؤكد كما أسلفنا أن إمتلاك التقنية يعني إمتلاك القوة والقدرة على إحداث التغيير في معادلات الحرب الدقيقة.